12-يونيو-2024
تجنيد الحريديم

الترا فلسطين | فريق التحرير 

"القائد العام للتهرب من الخدمة العسكرية"، بهذه الكلمات وصف الصحفي الإسرائيلي يوسي فيرتر، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو.

ووصف فيرتر تصويت الكنيست على تمرير قانون "تجنيد الحريديم": "لقد كانت واحدة من أدنى اللحظات في تاريخ هيئة تشريعية عرفت الكثير. إن مثل هذا التصويت في مثل هذه الأوقات يوضح أن العلاقة بين الشعب ومسؤوليه المنتخبين قد انقطعت أخيرًا".

يرتبط قانون "إعفاء الحريديم" من التجنيد بسؤال أساسي في المجتمع الإسرائيلي، يدور بأغلبه حول "أعباء القتال" و"التضحية" و"الخسارة"

وكشف تصويت الكنيست الإسرائيلي على قانون "إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية"، عن شروخ عميقة في المجتمع الإسرائيلي، خفتت قليلًا طوال العدوان على قطاع غزة تحت عنوان "استعادة الشرف الوطني" و"الوحدة في المعركة"، لكنها لم تبتعد كثيرًا وعاد شبحها ليخيم فوق الكنيست الإسرائيلي.

ويرتبط قانون "إعفاء الحريديم" من التجنيد بسؤال أساسي في المجتمع الإسرائيلي، يدور بأغلبه حول "أعباء القتال" و"التضحية" و"الخسارة".

وبينما تحضر هذه الأسئلة في أي مجتمع، فإنه في حال مجتمع يقوم على الاستيطان الاستعماري، والوجود فيه يرتبط بالامتيازات الاستعمارية، تصبح ملحّة بشكلٍ أكبر، وقد تكون مقدمة لانقسامات أكبر.

وفي دوامة الصراعات والتصورات الإسرائيلية، المعبّر عنها في ثنائية "القدس مقابل تل أبيب"، والصراع على دور المحكمة العليا وعلى النفوذ في الدولة، فإن هذه الانقسامات تصبح أكثر تعقيدًا، في ظل تشابك العلمانيّ مع المقدسّ، الذي يحضر في المجال العام بشكلٍ أكبر، سواء من ناحية كثافة الوجود أو ثقل التأثير، والتدخل في صنع القرار، وانعكاسات ذلك، الاقتصادية والسياسية.

التصويت ليس حاسمًا، وتم عقده من أجل إتاحة نقاشات اعتراضية عليه

ما هو قانون تجنيد الحريديم؟

اجتمعت الهيئة العامة للكنيست بين ليلة الإثنين والثلاثاء، لبحث تطبيق قانون الاستمرارية، أي استمرار الإعفاء على قانون التجنيد الذي تم طرحه في الكنيست، ثم تم إقراره في القراءة الأولى، وحصل على دعم 63 عضوًا من الكنيست، ومعارضة 57 عضوًا، من بينهم وزير الأمن يوآف غالانت، فيما تراجع كل من عضوة الكنيست غالي غوتيلب والأعضاء نير بركات وآفي ديخر ويولي أدلشتين عن معارضته، بالإضافة إلى أعضاء الكنيست من الصهيونية الدينية.

وحتى الآن، فإن التصويت ليس حاسمًا، وتم عقده من أجل إتاحة نقاشات اعتراضية عليه، ويدعمه عدة أعضاء من الكنيست بدعوى أنه "إجراء تقني وفني، والمصادقة على قانون الاستمرارية لتجنيد الحريديم بهذا الشكل سوف تسمح بطرح القانون مرة أخرى للمناقشة في لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست".

والقانون بصيغته الحالية، طرحه وزير الأمن في الحكومة السابقة، والعضو السابق في حكومة الحرب الإسرائيلي بيني غانتس، وحينها قال إن القانون "حل مؤقت وسيتبعه حل شامل".

وتُجمع التقديرات في "إسرائيل" الآن، على أن "القانون لا يتوافق مع احتياجات الجيش الإسرائيلي اليوم، التي تتغير بشكل كبير بعد الحرب". 

ولصورة أوسع، فإن أحزاب الحريديم، يهدوت هتوراة ممثل الأشكناز، وحزب شاس ممثل اليهود من الشرق، عارضت القانون آنذاك، ولكن مع التحولات الحالية والوجود في الائتلاف وتهديده بالسقوط وإلزام المحكمة العليا للحكومة بالتوصل إلى قانون حول الأمر والنقاش المجتمعي حول ضرورة وجود "عبء" عسكري للحريديم، فقد حصل القانون على دعمها.

والقانون المقترح، الذي يتم ترويجه الآن، يتحدث عن تجنيد اليهود الحريديم المتشددين على مدى خمس سنوات، ولأعداد محدودة لن تتجاوز 3000 شخص منهم، بينما تسعى مخططات التجنيد الأخرى للدفع بخطة للتجنيد الإجباري، ترفع نسبة التجنيد بين الحريديم إلى 50%. 

ينص القانون على أن سنّ الإعفاء سينخفض ​​إلى 21 عامًا، وبعد عامين سيرتفع إلى 23 عامًا، وهو نفس السن الذي يُجبر فيه الصبي اليهودي المتشدد دينيًا الذي لم يلتحق بالخدمة العسكرية على الالتحاق بمدرسة دينية ولا يمكنه الخروج للعمل

ويشتمل القانون الحالي على خطط تجنيد بديلة للشباب الأرثوذكسي المتشدد دينيًا، يتضمن الخدمة المدنية أو خدمة مختصرة في الجيش، بما "يتحايل على الأدوار القتالية، التي تتطلب عدة أشهر أخرى من التدريب".

واشتمل قرار المحكمة العليا إيقاف التمويل بشكل جزئيّ للمدارس الدينية، ويتناول القانون عواقب متصاعدة على المدارس الدينية التي لم تمتثل لحصص التجنيد واللوائح، مع تخفيض بنسبة 20% في التمويل الحكومي الذي من شأنه أن ينمو مع سنوات متتالية من عدم الاستجابة.

ومرّ القانون بالقراءة الأولى خلال فترة ولاية لابيد-بينيت في الحكومة الإسرائيلية السابقة، لكن المعارضة الإسرائيلية تقول الآن إن "عملية 7 تشرين الأول/أكتوبر غيرت النموذج الإسرائيلي وأن التشريع عفا عليه الزمن".

وينص القانون على أن سنّ الإعفاء سينخفض ​​إلى 21 عامًا، وبعد عامين سيرتفع إلى 23 عامًا، وهو نفس السن الذي يُجبر فيه الصبي اليهودي المتشدد دينيًا الذي لم يلتحق بالخدمة العسكرية على الالتحاق بمدرسة دينية ولا يمكنه الخروج للعمل.

وكانت نية بينيت ولابيد وغانتس، عندما كانوا بالحكومة، دمج اليهود المتشددين بالقوى العاملة، ويعلق المراسل السياسي لـ"يسرائيل هيوم" يهودا شليزنجر، على ما سبق بالقول: "من الواضح أنه منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، قد تغير الهدف: الآن نحن بحاجة إلى حوالي 3500 جندي مقاتل في الخدمة".

وكان عدد الأهداف المحددة وقت المبادرة لإصدار القانون منخفضًا، على سبيل المثال، كان من المفترض أن يكون الهدف هذا العام هو 1973 مجندًا، من أصل 12000 فرد عسكري.

أما العقوبات المالية على المدارس الدينية بسبب رفض التجنيد فلم تكن مؤثرة، إذ ارتفعت ميزانية المدارس في الحكومة الأخيرة من 1.2 مليار شيكل إلى 1.8 مليار شيكل. ويشكك شليزنجر في القدرة على حصول تغيرات كبيرة بالقانون في لجنة الخارجية والأمن بالكنيست. 

ومن اللافت بمكان الإشارة إلى دعم حاخامات الصهيونية لزيادة خدمة الحريديم في جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ نشروا بيانًا جاء فيه: "نريد أن نوضح أنه وفقًا لتوراتنا المقدسة، فإن الواجب الواضح والمطلق هو أن على كل شخص من إسرائيل أن يشارك في حربها ومساعدتها في محنتها".

أصبح النقاش حول هذه القضية يرتبط في تصور جديد عن العَقد الاجتماعي الإسرائيلي، بعد سنوات من ثبات "تقسيم من يخدم ومن يدرس التوراة"

نقاشٌ معقد

يمتد النقاش الحالي، المرتبط في قانون تجنيد الحريديم، إلى 30 عامًا تقريبًا، ويعود جذوره إلى الحرب الإسرائيلية على لبنان عام 1982، التي غيرت شكل المجتمع الإسرائيلي، وزادت من الحساسية للخسائر البشرية.

وأصبح النقاش حول هذه القضية يرتبط في تصور جديد عن العَقد الاجتماعي الإسرائيلي، بعد سنوات من ثبات "تقسيم من يخدم ومن يدرس التوراة".

ويقول رئيس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية يوحنان بلسنر: "تعتبر مسألة تجنيد اليهود المتشددين إحدى القضايا الأكثر استراتيجية ومركزية بالنسبة لمستقبل إسرائيل، نحن في لحظة تاريخية اجتمع فيها النمو الديموغرافي المتزايد لليهود المتشددين، وانتهاء القانون الذي أعفى اليهود المتشددين دينيًا من التجنيد الإجباري، والتحالف الأرثوذكسي المتشدد دينيًا، والحرب الصعبة التي توضح حاجة الجيش الحيوية لمزيد من المقاتلين".

وأضاف بلسنر: "من الواضح لأغلبية الجمهور أن هناك حاجة إلى عَقد اجتماعي جديد يوزع العبء بطريقة مختلفة بين السكان في إسرائيل".

والدة مجند: "إنها غيرة صافية في نهاية المطاف. الغيرة ممن لم تضطر إلى إرسال ابنها إلى وسط اللهيب. والحسد تجاه مَن لم تتوقف حياتهم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر"

غيرة في المجتمع

بعد إقرار قانون إعفاء الحريديم من التجنيد، كتبت والدة جندي في جيش الاحتلال الإسرائيلي بـ"هآرتس"، مقالًا قالت في بدايته: "إنها غيرة صافية في نهاية المطاف. الغيرة ممن لم تضطر إلى إرسال ابنها إلى وسط اللهيب. والحسد تجاه مَن لم تتوقف حياتهم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. إنه الحسد تجاه الأمهات اللواتي أصيب أبناؤهنّ في المعارك، وهو ما أدى إلى إخراجهم من الميادين، والحسد تجاه الأمهات اللواتي ذهب أبناؤهنّ في دورات عسكرية، ويعشنّ في راحة نفسية منذ أشهر".

وأضافت: "بمرور الوقت، تبدأين، كأم جندي مقاتل، بالابتعاد عن صديقاتك وأبناء عائلتك لأنهم لا يفهمونك. هؤلاء يواصلون السفر إلى الخارج، والذهاب إلى المطاعم، وحضور العروض، ويستطيعون مواصلة الحياة، في الوقت الذي تجدين صعوبة في النهوض من سريرك في الصباح، ولا تنجحين في التركيز على عملك، وتتناولين جرعات من المهدئات إلى أن ينتهي هذا الكابوس".

وتناولت "طوفان الأقصى" في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر، وتوصيل ابنها إلى مركز التجنيد، وقالت: "في بداية الأمر، كنا مؤمنين بالحرب. كانت دافعية ابني إلى القتال في عزها آنذاك. لقد كان متأكدًا من أنه ذاهب مع زملائه لإنقاذ الدولة واستعادة المختطفين. لم نرَه لفترة تزيد عن 70 يومًا، إلى أن منحوه إجازة لمدة 24 ساعة. كانت حالته المعنوية ممتازة. لكنني كنت أرى، من جولة قتالية إلى أُخرى، كيف كانت حالته تتدهور، وكيف كانت روحه المعنوية تتراجع من أسبوع إلى آخر. إلى أن صرنا نسمع منه قصصًا عن النهب، وعن ظروف المعيشة الصعبة، وعن الاشتباكات العسكرية المهولة، وهي تجارب لا يمكن للأذن أن تسمعها، ولا للعقل أن يستوعبها".

واستمرت في القول: "بين الجولة القتالية والجولة التي تليها، أخبرنا كيف أن أعداد القوات المقاتلة بدأ بالتقلص، وكيف أن السرايا صارت أقل عددًا، وكيف أن كل فصيلة لم تعد تضم سوى 7 جنود لا غير، فالجنود الجرحى الذين يتعافون، لا يعودون إلى القتال، والأصدقاء يخرجون من الميادين بسبب إعاقاتهم النفسية. صار العبء يزداد على الجنود النظاميين. لقد عاد الضباط من دراستهم الأكاديمية ليحلوا محل الضباط المصابين، والجنود الذين لا يزالون في طور الدورات العسكرية تم إلقاؤهم في ميادين القتال من دون تحضير مسبق".

وتابعت حديثها عن "الغيرة"، بالقول: "كأمّ، أنتِ تتآكلين أيضًا ما بين جولة قتال وأُخرى. تبدو القصة واضحة على جسدك، عندما تنظرين إلى نفسك في المرآة: حين تلاحظين الهالات الغامقة حول العيون، والوزن الذي ينخفض لأنك فقدت الشهية. لأنك منهكة في النهار، ويقِظة في الليل على مدار أشهر طويلة. في واحدة من تلك الليالي انتشرت شائعة عن حدث أمني في القطاع الذي تسيطر عليه كتيبة ابني، نهض زوجي في منتصف الليل، وقام بفتح الباب كل ساعة، للتأكد من عدم قدوم الضباط [ليحملوا خبر مقتله]، لكن الفجيعة تجاوزت عتبة بيتنا، هذه المرة على الأقل".

خاطبت مئات من عائلات الجنود الإسرائيليين غالانت وهاليفي في رسالة مفتوحة، انتقدوا فيها قرار الكنيست بالموافقة على القانون الذي يعفي المتدينين من الخدمة في الجيش

واستمرت في القول: "في محادثتنا الهاتفية الأخيرة، التي جرت عندما كان في رفح، بكيت وطلبت منه الخروج من الميدان الآن. "يكفي"، قلت له، "لقد ساهمت بما فيه الكفاية". لكنه أجابني قائلًا: "لكن يا أمي، لا يوجد مَن يحلّ محلي".

وتابعت مقالها، قائلةً: "عندما انتشرت الشائعات بشأن حدث أمني خطِر في رفح، صوّت 63 عضو كنيست لمصلحة تهرُّب قطاع كامل من الخدمة العسكرية. ذهبت إلى فراشي على أمل أن أستفيق، وقد استفاق شخص ما، ويقوم بأمر ما، وغفوت على أمل أن تحدث معجزة، وينتصر الخير، لا أن تنتصر الانتهازية والشر. هذا الصباح، استيقظت وأنا أشعر بغثيان شديد. إنها عشية العيد، وقد تشظّت حياة 4 عائلات خلال الليلة الماضية [الجنود الأربعة الذين قُتلوا في كمين التفجير في حيّ الشابورة]، وأنا أريد أن أصرخ في وجه كل شخص من أولئك الذين يزعمون أنهم مسؤولون: لقد خنتم أولادنا، وقد خنتموني. ودماؤهم رخيصة في أعينكم. الليلة يحلّ علينا عيد "شفوعوت"، ولا يزال ابني هناك".

وفي السياق نفسه، طالبت عائلات مئات الجنود الإسرائيليين في غزة، الثلاثاء، أبناءهم بإلقاء السلاح "فورًا" والعودة إلى منازلهم. جاء ذلك وفق رسالة وجهتها العائلات لوزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت، ورئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هاليفي، انتقدوا فيها قرار الكنيست بالموافقة على قانون إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية.

وقالت الصحيفة: "خاطبت مئات من عائلات الجنود الإسرائيليين غالانت وهاليفي في رسالة مفتوحة، انتقدوا فيها قرار الكنيست بالموافقة على القانون الذي يعفي المتدينين من الخدمة في الجيش". وأضافت: "قالت العائلات أنها لم تعد تدعم القتال في غزة".

واقتبست الصحيفة من الرسالة قول العائلات: "نبلغ أبناءنا الجنود أنه يجب عليهم وقف القتال الآن، وإلقاء أسلحتهم والعودة إلى منازلهم على الفور". وأضافت العائلات: "من غير المعقول أن يتم تمرير قانون مثل هذا، بينما يضحي الجنود الشجعان بحياتهم"، وفق الرسالة. 

واتهمت العائلات "الحكومة بخيانة مواطنيها، وتسليم حياة أبنائنا، ولكن من أجل البقاء السياسي تحافظ على حياة الآخرين آمنة".

جندي حول قانون إعفاء الحريديم من الخدمة: "يبدو الأمر وكأننا طعنا بسكين في الظهر على يد السياسيين"

عبء عسكري

في تعقيبه على القانون، قال مستشار الأمن القومي الإسرائيلي الأسبق غيورا آيلاند: "إسرائيل بحاجة، ليس فقط إلى قوات كثيرة يمكن دعوتها إلى الحرب، بل إلى وجود قوات كثيرة في حالة تأهّب فوري، ومعززة في كل القطاعات. السبب الأساسي لذلك هو أن إسرائيل خسرت جزءًا من قوة ردعها".

مضيفًا أنه حتى 7 تشرين الأول/أكتوبر، "لم يكن لدى أعدائنا الكثر نية مهاجمة إسرائيل، لأنهم كانوا يخافون من القوة الإسرائيلية، لكن بعد 8 أشهر من القتال، حدث تغيير. المتغيّر الأول كان نصر الله، الذي امتنع، منذ سنة 2006، من الدخول في مواجهة عسكرية مع إسرائيل، والآن، لا يتخوف من التصعيد يوميًا".

وأردف: "إن الحكومة التي تسببت بتآكل قوة الردع الإسرائيلية تستخدم، حاليًا، كل حيلة ممكنة من أجل منع إصدار أمر الساعة، وهو: الزيادة الفورية للقوات النظامية في الجيش الإسرائيلي من خلال تعبئة واسعة النطاق لتلامذة المدارس الدينية".

وفي تقرير لـ"يديعوت أحرونوت"، عرض عدة مقابلات مع جنود من غزة، قال أحدهم: "بدلًا من أن تحشد الحكومة لتلك الحرب الصعبة، حشدت الحكومة لحرب من أجل بقائها السياسي".

وأضاف آخر عن قانون إعفاء الحريديم من الخدمة: "يبدو الأمر وكأننا طعنا بسكين في الظهر على يد السياسيين". وقال جندي في غزة: "في نظري، هذه وصمة عار، لقد كنت في الاحتياط لمدة ثمانية أشهر، إنه ثقب في قلبي".

وقال جندي إسرائيلي لـ"يديعوت أحرونوت": "من المستحيل، في أكبر اختبار للبلاد، أن يتم تمرير مثل هذا القانون، وهو قانون لم يكن ذا صلة على الإطلاق وتم تصميمه في عام 2022، دون أن نعرف أنه بعد مرور عام ستمر دولة إسرائيل بأكبر كارثة في تاريخها. ولا يمكن تصور أن يتم الترويج لمثل هذا القانون بينما يموت أربعة جنود آخرين من أجل البلاد، فيما يفعل الآخرون كل شيء من أجل عدم خدمته، أنا متشائم للغاية بشأن المستقبل". 

يحاول جيش الاحتلال التعامل مع الأزمة البشرية للجيش من خلال التراجع عن تقاعد بعض الجنود

وما يفاقم الأزمات داخل "إسرائيل"، هو تزامن طرح القانون على الكنيست، مع إعداد مسودة قانون تسمح بالاستمرار في تجنيد الجنود الذين وصلوا إلى سن التقاعد.

وقبيل التصويت حاول رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي هرتسي هليفي التأثير على الكنيست، مشيرًا إلى أن الجيش يفتقر حاليًا إلى 15 كتيبة، أي قوة تضم أكثر من 4500 جندي.

وتوضح المصادر الإسرائيلية، أن النقص لا يرتبط فقط بالحرب، ولكن بسبب أدوار ومهام غير قتالية للجيش.

وعلى هذا الأساس يحاول جيش الاحتلال التعامل مع الأزمة البشرية للجيش من خلال التراجع عن تقاعد بعض الجنود. 

وفي معلومة مثيرة للاهتمام، كشف المعلق العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشوع عن خسارة الجيش لقوات بحجم اللواء خلال الحرب على غزة، مشيرًا إلى أن الأمر لا يتعلق بالحاجة للجنود في ساحة الحرب، ولكن أيضًا على صعيد تأمين المناطق الحدودية. 

واعتبر يهوشوع أن درس الحرب هو "يجب على الجيش الإسرائيلي أن ينمو".

لا يقتصر النقاش العمومي في "إسرائيل"، على العبء العسكري، بل يدور أيضًا وبشكلٍ كبير حول انعدام المساواة في المجتمع الإسرائيلي، وحول امتيازات مجانية، تدفع من اقتصاد دولة الاحتلال

قلق المستقبل

لا يقتصر النقاش العمومي في "إسرائيل"، على العبء العسكري، بل يدور أيضًا وبشكلٍ كبير حول انعدام المساواة في المجتمع الإسرائيلي، وحول امتيازات مجانية، تدفع من اقتصاد دولة الاحتلال، ولا ينفصل عن "القلق الإسرائيلي" من المستقبل.

قال اللواء احتياط في جيش الاحتلال يتسحاق بريك، في مقال له ينتقد فيه نتنياهو، نقلًا عن الخبير الدولي في مجال إدارة سلوك المنظمات يتسحاق أديغيس: "يدّعي أديغيس أن نتنياهو أصيب بالمرض الذي يسمى "المثالية"، بما معناه "إمّا كل شيء، أو لا شيء، بيبي مستعد لأن يخسر الدولة إذا فقد سيطرته عليها". ويخلص إلى القول إن "بيبي يقودنا إلى انهيار الهيكل الثالث". 

ويضيف بريك: "الحل الوحيد الذي سيسمح بإنقاذ الدولة هو طرد الشخصيات الثلاث التي تدمّر وتخرّب: بيبي وغالانت وهليفي، وقلب الطاولة عليهم، وعلى داعميهم. هناك حاجة مُلحة إلى تشكيل طاقم جديد في المستوَيين السياسي والعسكري، يتخذ قرار المضي في الصفقة التي اقترحها بايدن: وقف القتال، وتحرير الرهائن بالاتفاق، وإعادة ترميم الجيش وتجهيزه للحرب الإقليمية، وترميم الاقتصاد الإسرائيلي والعلاقات الدولية، وإعادة النازحين إلى منازلهم".