15-يونيو-2024
 التطريز الفلسطيني دلالات ورموز

التطريز الفلسطيني هو فن تراثي يعود تاريخه إلى آلاف السنين

يعتبر التطريز الفلسطيني أحد أعرق الفنون التراثية التي توارثتها الأجيال عبر العصور، وهو ليس مجرد حرفة تقليدية، بل لغة بصرية غنية بالرموز والدلالات الثقافية العميقة. وقد تطور هذا الفن ليعكس تاريخ الشعب الفلسطيني وثقافته ومعتقداته حيث تُنسج القصص والتقاليد عبر كل غرزة وكل نمط زخرفي. وتتميز الأنماط الزخرفية في التطريز الفلسطيني بتنوعها الكبير، حيث تختلف الأشكال والرموز من منطقة إلى أخرى، مما يعكس التنوع الجغرافي والثقافي داخل فلسطين. وتحمل كل غرزة وكل رسم حكايات خاصة تعبر عن الهوية والانتماء.

وتشمل هذه الرموز أشكالًا مختلفة، ولا تعد هذه الرموز مجرد زينة للأقمشة بل هي وسائل للتعبير عن الهوية والثقافة، تُنسج في الأثواب والملابس اليومية لتكون شاهدة على التاريخ وتطلعات الشعب الفلسطيني. إن فهم معاني هذه الغرز والرسومات يكشف لنا عن الحياة الاجتماعية والثقافية للشعب الفلسطيني، وكيف يعبرون عن أنفسهم من خلال هذا الفن التقليدي. وتستمر حرفة التطريز الفلسطيني في التطور والصمود رغم التحديات، محافِظةً على تراث غني يمتد عبر الزمن، مما يجعلها جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية الفلسطينية.

 

الغرز والرسومات في التطريز الفلسطيني.. لها دلالات ورموز 

التطريز الفلسطيني هو فن تراثي يعود تاريخه إلى آلاف السنين، إذ ترجع أصوله إلى عهد الكنعانيين، كما تشير الآثار المكتشفة في مختلف أنحاء فلسطين التاريخية، ويُعتبر جزءًا لا يتجزأ من الهوية والثقافة الفلسطينية كما إنه مكون هام في حياة المرأة الفلسطينية، ويمثل جزءًا من الفلكلور الفلسطيني الذي ورثته المرأة الفلسطينية ونقلته على مر العصور ويعتبر مصدر رزقٍ لها أيضًا، وقد انتشر في معظم أنحاء فلسطين. ويعكس هذا الفن التراث الثقافي والتاريخي للشعب الفلسطيني، حيث تساهم الأنماط والألوان والتصاميم الفريدة في سرد قصص المجتمع والتقاليد والأحداث التاريخية.

وعلى الرغم من صعوبة العثور على أثواب فلسطينية مطرزة تعود إلى القرن التاسع عشر بسبب التلف الذي تعرضت له مع مرور الوقت، إلا أن هناك مجموعة من القطع الأثرية والمتاحف التي تحتفظ بعينات من هذه الأثواب والتطريزات التقليدية التي تعود لفترات تاريخية مبكرة. وتتنوع أنماط الغرز والرسومات في التطريز الفلسطيني، ولكل منها دلالات ورموز ترتبط بتاريخ وتراث المنطقة. وهنا سنقدم بعض التفاصيل حول الغرز والرسومات الأكثر شهرة، ودلالاتها.

 

أنماط الغرز في التطريز الفلسطيني

تعتبر الغرزة في التطريز هي الأساس الذي يعطي الشكل العام للوحدات المطرزة في المنتوج النهائي، وفيما يأتي نذكر بعض أنماط الغرز  المشهورة وكثيرة الاستخدام في التطريز الفلسطيني، وهي:

  1. غرزة السلسلة (Chain Stitch):

تُستخدم غرزة السلسة بشكل واسع في التطريز الفلسطيني، وتعتبر من الغرز الأساسية. يتم استخدامها لإضفاء حواف منحنية وأشكال أكثر حيوية على القماش.

  1. غرزة الصليب أو التصليب (Cross Stitch):

تعتبر هذه الغرزة من أشهر الغرز المستخدمة، وتُستخدم للأشكال الهندسية والنقوش الدقيقة. وتعتبر من الغرز التقليدية التي تعطي قوامًا ممتلئًا للنسيج. وتستخدم في كافة القرى الفلسطينية.

  1. غرزة الفلاحي (Palestinian Stitch):

تمتاز بتنوعها وتفردها، وتُستخدم لإنشاء تصاميم معقدة ومتناغمة. وهي الغرزة  المستخدمة غالبًا في التطريز، اشتهرت بها مدينة رام الله.

غرزة الفلاحي
غرزت الفلاحي..  اشتهرت بها مدينة رام الله

 

  1. غرزة التحريري (Editorial Stitch):

تُستخدم لتزيين الملابس الفلسطينية التقليدية والملابس الرسمية خاصة في المناسبات الاجتماعية والحفلات والأعراس. وقد استخدمت غرزة التحريري القصب، بالإضافة إلى الحرير. وقد اشتهرت بها بيت لحم، ثم انتشرت في المدن والقرى الفلسطينية الأخرى.

  1. غرزة السراجة (Running Stitch):

تُستخدم لإنشاء خطوط متقطعة وسريعة. تعتبر غرزة أساسية في العديد من الأنماط.

  1. غرزة التثبيت (Couching Stitch):

تُستخدم لإنشاء خطوط سميكة وزخرفية على النسيج. حيث يتم استخدام خيطين؛ الأول يوضع على القماش بشكل مستقيم، والثاني يستخدم لتثبيت الأول على القماش بغرز صغيرة.

  1. غرزة الكتف (Herringbone Stitch):

تستخدم لتزيين حواف الأقمشة ولإضافة تفاصيل دقيقة. وتُعد هذه الغرزة من الغرز المتقاطعة التي تتشكل على شكل عظام السمكة.

  1. غرزة السلّة (Basket Weave Stitch):

تُستخدم لإضافة قوام وزخرفة على القماش، وتعتبر مثالية للملابس التقليدية. وتعطي هذه الغرزة مظهر النسيج، حيث يتم تمرير الخيوط عموديًا وأفقيًا بشكل متناوب.

  1. غرزة الساتان (Satin Stitch):

وهي غرزة طويلة ومستمرة تُستخدم لملء المساحات الكبيرة من القماش. وتُستخدم لإبراز الأشكال والرموز الزخرفية بشكل لامع ومملوء.

  1. غرزة الورد (Rose Stitch):

تُستخدم هذه الغرزة لعمل أشكال الورود على القماش. وتُضفي جمالية طبيعية وزخرفية على الأقمشة، وخاصةً في الملابس النسائية.

  1. غرزة التثبيت بالأزرار (Buttonhole Stitch):

 تُستخدم هذه الغرزة لتثبيت الأزرار وكذلك لتزيين حواف الأقمشة. وتوفر حواف نظيفة ودقيقة، وتُستخدم بشكل واسع في الأثواب التقليدية.

 

دلالات ورموز الرسومات في التطريز الفلسطيني

تدل الرموز والرسومات في التطريز الفلسطيني على العديد من المعاني، ومنها المعاني والقيم الآتية:

  1. شجرة الحياة:

تعتبر رمزًا للخصوبة والنمو والاستمرارية.  كما تعتبر شجرة الحياة رمزًا للعلاقة الوثيقة بين الإنسان والطبيعة والأرض. وفي التطريز الفلسطيني تعكس هذه الشجرة قيم الاستدامة والتواصل مع الجذور والتراث.

  1. المثلثات والمعينات:

تُستخدم هذه الأشكال الهندسية لتمثيل مفاهيم مختلفة مثل الحماية والقوة. والمثلث بشكلٍ خاص قد يرمز إلى الأنثى أو الرحم، مما يعكس أهمية المرأة ودورها الحيوي في الحياة.

  1. الطاووس:

يُعد رمزًا للجمال والفخر والخلود، وهو رمز للجمال الراقي، وغالبًا ما يُطرز الطاووس بألوان زاهية ليعكس جمال الريش.

  1. الزهور والنباتات:

ترمز الزهور إلى الجمال والنقاء والحياة. كل زهرة قد تحمل دلالة معينة، مثل زهرة اللوتس التي ترمز إلى التجديد والحياة. والسرو مثلًا هو من نباتات فلسطين يرمز ويحمل معاني القوة والصمود في مواجهة الجفاف.

  1. العين (العين الزرقاء):

تعتبر رمزًا للحماية من الحسد والأرواح الشريرة، وتُستخدم بشكل شائع في التطريز في المناطق الوسطى والجنوبية من فلسطين. وتعكس هذه الرمزيات المعتقدات الشعبية بقدرة العين الزرقاء على درء الشر والحماية.

  1. الحصان:

يرمز الحصان في التطريز الفلسطيني للقوة والعظمة والصفات العالية، كما يوصف بأنه الرفيق الطيب والمخلص لصاحبه.

 

التطريز الفلسطيني على لائحة اليونسكو للتراث غير المادي

أدرجت منظمة اليونسكو التطريز الفلسطيني على لائحة التراث الثقافي غير المادي، معترفةً بأهمية هذا الفن التقليدي كجزءٍ من الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني. يعتبر التطريز الفلسطيني رمزًا للإبداع والمهارة، حيث يعكس التاريخ والتراث من خلال تصاميمه الفريدة والألوان الزاهية، ويعزز الروابط الثقافية بين الأجيال المتعاقبة. وإن هذا الاعتراف العالمي يساهم في الحفاظ على هذا الإرث الثقافي ونقله إلى الأجيال القادمة.

 

إن التطريز الفلسطيني ليس مجرد حرفة يدوية، بل هو شكل من أشكال الفن الذي يعكس تاريخ وثقافة الشعب الفلسطيني. من خلال الغرز المتنوعة والرموز الغنية بالدلالات يُعبر التطريز عن الهوية والانتماء والقيم الثقافية للشعب الفلسطيني مانحًا صوتًا مرئيًا للقصص والتقاليد التي تتوارثها الأجيال. في كل غرزة وكل نمط زخرفي تبرز جزئية من تاريخ الشعب الفلسطيني. الرموز مثل شجرة الحياة والطاووس والعين الزرقاء تحمل معاني عميقة تعبر عن الحياة والاستمرارية والجمال والحماية. هذه الرموز لم تكن مجرد زينة بل كانت وسيلة للتواصل والتعبير عن الهوية والثقافة في وجه التحديات والصعوبات. من خلال فهم معاني هذه الغرز والرسومات نقترب أكثر من فهم الإرث الثقافي الفلسطيني ونكتشف كيف يستخدم الفلسطينيون فن التطريز للحفاظ على تراثهم ونقله إلى الأجيال القادمة. في عالم يتغير بسرعة يظل التطريز الفلسطيني رمزًا للأصالة والجمال.