تسيطر دولة الاحتلال الإسرائيلي اليوم على 48 محمية طبيعية فلسطينية تبلغ مساحتها ما مجموعه 352 كيلومترًا من مساحة الضفة الغربية والقدس. بالعادة يصدر القرار العسكري الذي يقضي بوضع اليد على هذا النوع من المساحات الشاسعة من الأراضي عن رئيس "الإدارة المدنية" ويحمل توقيعًا لوزير جيش الاحتلال يقضي بمصادرة أراضي كمحميات طبيعية. تستند دولة الاحتلال في هذا النوع من الإعلانات إلى سلسلة قوانين كانت سارية في الأراضي الفلسطينية قبيل احتلالها عام 1967، والتي كان الهدف منها تعزيز قدرة الدولة على تنظيم الاستخدامات المكانية للأراضي وحماية المقدّرات والتنوعات الطبيعية بما يضمن توازنًا في مسألة استخدام الأرض.
دولة الاحتلال، لم تكن يومًا تنظر إلى الأرض الفلسطينية إلّا بوصفها منهلًا للمصادرة وخزّانًا استراتيجيًا لعمليات التوسّع الاستيطاني بهدف العبث التام في جغرافيا الفلسطينيي
لكن دولة الاحتلال، لم تكن يومًا تنظر إلى الأرض الفلسطينية إلّا بوصفها منهلًا للمصادرة وخزّانًا استراتيجيًا لعمليات التوسّع الاستيطاني بهدف العبث التام في جغرافيا الفلسطينيين من خلال منظومة إحكام السيطرة المعمول بها من قبل القوة القائمة بالاحتلال.
وتشير الإحصائيات أنه وفي الأعوام القليلة الماضية وتحديدًا منذ 2021 صادرت سلطات الاحتلال أكثر من 90 ألف دونم من أراضي الفلسطينيين الخصبة بحجة أنها محميات طبيعية. ففي العاشر من نيسان/ ابريل 2022، وقّع رئيس "الإدارة المدنية" وبموافقة وزير جيش الاحتلال في الضفة الغربية أمرًا يقضي بإعلان 21,959 دونمًا كمحمية طبيعة من أراضي محافظتي القدس وأريحا.
وتعتبر هذه المصادرة أكبر عملية مصادرة منذ 25 عامًا، وأطلق على المحمية اسم "ناحل اوغ" والتي يُصنّف حوالي 6,280 دونمًا منها على أنها أراضي خاصة.
معنى ذلك الإعلان هو إضافة قيود قانونية على استخدامات الأراضي والتخطيط والبناء، وبالتالي لا يمكن لأصحاب الأراضي استصلاحها أو زراعتها أو الرعي أو البناء فيها، وهذه المسألة لا تتعلق بالحفاظ على الأراضي، ولكن تعتبر إحدى الأدوات والذرائع لدى الاحتلال في الاستيلاء والسيطرة على الأراضي الفلسطينية.
ويأتي هذا الإعلان بعد أن أعلن نفتالي بينيت (رئيس وزراء الاحتلال الأسبق) عام 2020 عندما كان وزيرًا للجيش عن مخطط لإعلان 7 محميات طبيعية، أعلن عن ثلاث محميّات منها في 2020، على مساحة 11 ألف دونم. وقال بينيت في حينه: "اليوم نعطي قوة كبيرة إلى أرض إسرائيل، ونواصل تطوير المستوطنات وتوسيعها في المنطقة (ج) بالأفعال، وسنوسّع المواقع الموجودة ونفتح أماكن جديدة أيضًا. وتابع قائلًا: "أدعو جميع مواطني إسرائيل للقدوم للضفة الغربية لاستمرار المشروع الصهيوني".
منذ احتلال الضفة الغربية أعلنت سلطات الاحتلال حوالي 50 محمية طبيعية على مساحة 374 ألف دونم، منها 330 ألف دونم في مناطق (ج)، والتي تمثل حوالي 9% من هذه المناطق
وفي تاريخ العشرين من تشرين أول/ أكتوبر 2022، وقّع رئيس "الإدارة المدنية" التابعة للاحتلال، وبموافقة وزير جيش الاحتلال في الضفة الغربية أمرًا يقضي بتعديل حدود محمية "وادي الدرجة" الطبيعية، والتي كانت مساحتها 40,950 دونمًا (انظر الخريطة 2).
معنى ذلك الإعلان هو إضافة قيود قانونية على استخدامات الأراضي والتخطيط والبناء، وبالتالي لا يمكن لأصحاب الأراضي الزراعية في هذه الأراضي المعلنة الرعي أو البناء فيها. ونتيجة لهذا التعديل أصبحت مساحة المحمية 84,649 دونمًا (انظر الخريطة رقم 3) أي أنه تمت مصادرة 43,699 دونمًا جديدًا تحت هذا المسمى، والتي تمثل المساحة المصادرة وفقًا لإعلان تعديل حدود المحمية الطبيعية في واردي درجة الواقعة بين محافظتي القدس وأريحا.
وتمتاز الأراضي التي تستهدفها سلطات الاحتلال بهذا النوع من الأوامر العسكرية، بخصوبتها وطبيعتها الخاصة من حيث المزروعات والخصائص الطبيعية، الأمر الذي يجعلها عرضة في أي لحظة لإعلانها محمية طبيعية أو حدائق وطنية، بالرغم من كون هذه الأراضي يتم زراعتها وحراثتها باستمرار من قبل أصحابها، وبمجرد أن يتم إعلان هذه الأراضي كمحميات طبيعية يمنع على الفلسطينيين دخولها وزراعتها واستصلاحها وحتى رعيّ الأغنام فيها، لكن الأخطر في هذا كله، أن أمر هذا النوع من الأوامر العسكرية، أصبح مكشوفًا، من حيث أنه يشكّل تمهيدًا لتسليم هذه الأراضي لصالح المشروع الاستيطاني، كما حدث سابقًا مع محمية جبل أبو غنيم وكيف وصل بها الحال لتصبح واحدة من أكبر المستعمرات التي تقضم أراضي القدس (مستوطنة هار حوما).
لم تكن قصة جبل أبو غنيم الوحيدة في دلالتها على تحويرات دولة الاحتلال في مسألة تسخير الأرض والمسميات لصالح المشروع الاستيطاني
يقع الجبل على ارتفاع 775 مترًا فوق مستوى البحر، وتم إعلانه كمحمية طبيعية عام 1960 من قبل دائرة الأراضي إبان الحكم الأردني للبلاد، وبلغت أشجار الجبل حينها 16 ألف شجرة، لكن وبعيد الاحتلال في العام 1967 وتحديدًا في العام 1970 أعلنت سلطات الاحتلال وضع اليد على الجبل باعتباره محمية طبيعية إسرائيلية، ومنعت الفلسطينيين من دخوله واستخدامه تمامًا، لكن في العام 1991 أصدر وزير مالية الاحتلال حينها يتسحاق موداعي أمرًا بمصادرة 1850 دونمًا من الأراضي القريبة، وتحديدًا أراضي بيت ساحور وصور باهر وأم طوبا، تمهيدًا لاتخاذ حكومة الاحتلال في العام 1997 قرارها بالشروع بالبناء الاستيطاني في محيط الجبل، وتحويله إلى منطقة استيطانية بقيت تتوسّع حتى هذه اللحظة.
لم تكن قصة جبل أبو غنيم الوحيدة في دلالتها على تحويرات دولة الاحتلال في مسألة تسخير الأرض والمسميات لصالح المشروع الاستيطاني، بل ثمّة نماذج أخرى مثل وادي قانا بين محافظتي قلقيلية وسلفيت. وقد بنى الاحتلال على أجزاء من هذه المحميات أكثر من مستعمرة، مثل مستعمرة "الكناة" في محافظة سلفيت، ومستوطنات "ريحان" و"شاكيد" و"حومش" وغيرها المقامة على محميات طبيعية في محافظة جنين، ومستوطنة "ألون موريه" في محافظة نابلس.