تلقّى رامي فؤاد من غزة طلبًا من طلاب جامعيين يدرسون الهندسة لاستئجار مكتبٍ يملكه لساعات محددة مقابل مبلغ من المال، وافق على الطلب فكانت هذه الفكرة فاتحة لمصدر رزق جديد بالنسبة له، مستفيدًا من أزمة الكهرباء في قطاع غزة المحاصر، التي ما يزال تفاقمها يرفع أعداد الراغبين في استئجار المكاتب.
يقول رامي لـ"الترا فلسطين"، إنه إثر ذلك اشترى ثلاثة مكاتب وافتتحها كمشروع خاص لتأجير من يعملون تحت مسمى "Free Lancer"، وقد بدأ التأجير مقابل 50 دولارًا، ثم رفع السعر إلى 100 دولار، موضحًا أن نسبته من الربح تكون قليلة، بسبب ذهاب جزء من المبلغ لتغطية نفقات الوقود الذي يوفّر من خلاله الكهرباء لمستأجري المكاتب.
في غزة دفعت أزمة الكهرباء طلابًا وعاملين إلى استئجار مكاتب على نفقتهم الخاصة لإنجاز أعمال والتزامات كانوا ينجزونها من منازلهم
وتبدأ ساعات العمل في هذه المكاتب منذ الصباح، حتى ساعات المساء، وهي تجد إقبالًا لافتًا من الخريجين الذين يستخدمونها لاستكمال أبحاثهم الجامعية ومشاريع التخرج، نتيجة انقطاع التيار الكهربائي في منازلهم، حيث يلتزم المؤجّر بتوفيره خلال الساعات المذكورة.
اقرأ/ي أيضًا: مستثمرون في أزمة كهرباء غزة
الشاب أحمد راضي استأجر مؤخرًا مكتبًا للعمل لصالح مواقع إلكترونية خارج قطاع غزة، يقول، إن انقطاع الكهرباء جعل متابعة العمل من منزله أمرًا صعبًا، كون هذه المواقع تشترط تسليمها المواد المطلوبة خلال وقت محدد، ما دفعه لاستئجار مكتب.
ويضيف أحمد لـ"الترا فلسطين"، أن أزمة الكهرباء لم تصل في أي وقت مضى إلى هذه الدرجة من الصعوبة، وأن ما يتقاضاه مقابل عمله يدفعه لاستئجار المكتب، ولركوب المواصلات يوميًا، وصولًا إليه، بعد أن كان يوفر كل ذلك سابقًا من خلال إنجاز عمله في منزله.
ويؤكد محمود هنية المدير التنفيذي لـ"الكابيتال مول" أنه لا يوجد إقبال على تأجير مكاتب كاملة بسبب الأوضاع الاقتصادية، وقد استبدل الراغبون بالاستئجار ذلك بالتوجه إلى أماكن تكون رخيصة الثمن، تتراوح قيمة استئجارها بين 50 – 100 دولار.
ويضيف لـ"الترا فلسطين"، أنّ هذا أوجد فكرة تأجير المكاتب المجهزة بالكهرباء والإنترنت والتكييف، والسماح بالعمل فيها من الساعة الثامنة صباحًا، حتى الحادية عشرة مساء، بحيث يتشارك عدد من الأشخاص في دفع إيجار المكتب، للتخفيف من عبء الايجار عليهم، خاصة عندما يصل إلى 150 دولارًا شهريًا.
ويوضح هنية، أن أكثر المقبلين على حجز المكاتب هم الـ"Free Lancer"، وقلة من المهندسين، وكذلك العاملين في تصميم الجرافيك، إذ يكون المكتب مجهزًا بالتكييف، والكهرباء، وخط نت فايبر عالي السرعة، ومطبخ، وحمام، كما يجري تجهيز قاعةٍ للاجتماعات، وقاعة لعمل لقاءات "فيديو كونفرنس".
توفر المكاتب المؤجرة في غزة الكهرباء وإنترنت عالي السرعة وتكييف، ما يجعل الشبان والشابات يتشاركون في تحمل أعباء استئجارها
ويضيف، "أردنا أن ننافس بجودة عالية وأسعار معقولة، لاستقطاب أكبر عدد من المستأجرين، والإيجار يدفع عن كل شهر لا أسبوع ولا سنة، إذ يأتينا راغبون بالاستئجار لأسبوع واحد فقط".
الشابة ريما سعيد قالت إن العمل في بعض المكاتب كانت له سلبيات مثل تحديد ساعات العمل، ما دفعها للتنقل بين مكاتب كثيرة خلال السنتين الماضيتين، بحثًا عن الأنسب، فيما أشارت إلى إيجابيات تقابل ذلك، مثل تعرفها على أشخاص في المكاتب التي تعمل بها، تستفيد منهم في المشاركة بورشات عمل، أو حتى الحصول على عمل جديد.
وتضيف، "تشعر بأنك ذاهب إلى وظيفتك، وهذا شيء جميل، أما العمل في البيت فتحدده ساعات وصل الكهرباء وانقطاعها".
ولا تنكر ريما أن الإيجار الشهري للمكاتب يشكل عبئًا على الجميع، إذ تفكر دائمًا بكيفية توفيرها قبل أيام من الموعد المحدد، لكنّها في المقابل ترى في ذلك التزامًا بالمواعيد وإنجاز الأعمال المطلوبة على أكمل وجه وفي وقتها المحدد.
وكانت السلطة الفلسطينية أبلغت الاحتلال الإسرائيلي أنها ستتوقف عن دفع قيمة الكهرباء التي تحولها إلى قطاع غزة المحاصر، في سياق خطوات "عقابية" قررها الرئيس محمود عباس، ما ضاعف أزمة الكهرباء وجعل ساعات وصلها إلى المنازل تنخفض إلى ساعتين فقط يوميًا.
اقرأ/ي أيضًا: