09-يونيو-2023
صورة توضيحية: مستوطنون مقابل قبة الصخرة أثناء اقتحام المسجد الأقصى

صورة توضيحية: مستوطنون مقابل قبة الصخرة أثناء اقتحام المسجد الأقصى

الترا فلسطين | فريق التحرير

لم يمض وقتٌ طويلٌ على اجتماع حكومة اليمين المتطرف الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى، حتى أعلن عضو الكنيست عميت هاليفي، من حزب "الليكود" عن خطة أعدها مع أعضاء آخرين من حزبه لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود.

دعوات تقسيم المسجد الأقصى منذ احتلال شرق القدس عام 1967 كانت تجد معارضة شديدة، وأبرز من يعارضها كبار الخامات الشرقيين أو الأشكناز، انطلاقًا من رأي ديني بأن إعادة تشييد الهيكل المزعوم (مكان المسجد الأقصى) يجب أن تتم عند حدوث الخلاص

وتقترح الخطة تجريد الأردن من الوصاية على المسجد الأقصى، وإزالة مكانتها السياسية الخاصة في المسجد. وكذلك السماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى في أي وقت ومن جميع بوابات المسجد، وليس في ساعات محددة ومن باب المغاربة كما هو الوضع الآن.

أخطر ما في الخطة المقترحة، وفق رأي الصحفي المتخصص في الشأن الإسرائيلي أنس أبو عرقوب، أن من يقف خلفها عضوٌ في حزب "الليكود" الحاكم، الذي يتزعمه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وهو أكثر الأحزاب الإسرائيلية تماسكًا أو وصولاً لسدة الحكم منذ عقدين، وذلك بعدما كانت فكرة التقسيم تقتصر سابقًا على دعوات تطلقها جهات هامشية في "إسرائيل" تتسم بالتطرف القومي والديني.

وأشار أنس أبو عرقوب أن دعوات تقسيم المسجد الأقصى منذ احتلال شرق القدس عام 1967 كانت تجد معارضة شديدة لدى اليهود أنفسهم، وأبرز من يعارضها كبار الخامات الشرقيين أو الأشكناز، انطلاقًا من رأي ديني بأن إعادة تشييد الهيكل المزعوم (مكان المسجد الأقصى) يجب أن تتم عند حدوث الخلاص، بعد نزول المسيح، وبالتالي فإن دخول هذه المنطقة محرمٌ، باستثناء الكاهن الذي سيدخل القرابين إلى الهيكل.

وأوضح، أن النموذج المقترح في خطة عميت هاليفي ليس الأول لتقسيم المسجد الأقصى وتهويد قبة الصخرة، فقد سبقته نماذج أخرى اقترحتها دراسات إسرائيلية، أبرزها دراسة أعدتها جامعة "ارائيل" الاستيطانية، بعنوان "الحلول المتاحة أمام دولة إسرائيل بشأن جبل الهيكل".

الحل الأول، كما تقترحه الدراسة، تطبيق التقسيم الذي تم فرضه في المسجد الإبراهيمي في الخليل بعد المجزرة، حيث تم فرض تمسيم زماني ومكاني، بمنح أجزاء من المسجد لليهود فقط طيلة أيام السنة، مع استثناءات قليلة، وهي: المولد النبوي، وعيد الفطر، وعيد الأضحى. وبحسب هذا الحل، يُسمح للفلسطينيين بالصلاة في المسجد، ويُمنعون من الدخول في الأعياد اليهودية، التي هي أكثر عددًا بكثير من الأعياد والمناسبات الإسلامية.

وأفاد أنس أبو عرقوب، أن الإسرائيليين يعتقدون أن أهمية هذا الحل تأتي من أنه لم يجد أي معارضة أو مقاومة عربية أو فلسطينية جدية، فالبتدريج يُصبح المسجد الأقصى مقسمًا مكانيًا وزمانيًا على غرار المسجد الإبراهيمي.

وأشارت الدراسة أن استطلاعًا للرأي في عام 2013 طرح سؤالاً على الإسرائيليين حول رأيهم في تطبيق هذا الحل، فكانت النتيجة أن 59 في المئة من الجمهور أيدوا تطبيقه.

أما الحل الثاني الذي تقترحه الدراسة، فهو الحل الهندي، لكنها في ذات الوقت أكدت أن مثل هذا الحل سيجد رفضًا فلسطينيًا عنيفًا. والحل الهندي، بحسب الدراسة الإسرائيلية، أنه في عام 1528 بنى المسلمون مسجدًا على معبد هندوسي يُعتبر أهم مكان في الديانة الهندوسية. ثم في عام 2019، أمرت المحكمة العليا في الهند بتفكيك المسجد، ونقله إلى مكان آخر وإعادة بناء المعبد الهندوسي في مكانه. وحضر مراسم وضع حجر الأساس الجديد للمعبد، رئيس الحكومة الهندية ووفد مسلم رفيع المستوى.

وأشارت الدراسة أنه بالرغم من تهديدات المسلمين في الهند باللجوء للعنف، إلا أن هذا الحل أدى لتهدئة النفوس ووضع حدًا لصراع دموي استمر مئات السنين. ومن هنا فإنها تقترح تنفيذ هذا الحل، وتزعم أنه في حال إعادة بناء المسجد الأقصى في مكان آخر غير الذي هو الآن، وتشييد الهيكل المزعوم مكانه، فإن ذلك سيكون حلاً لهذه الأزمة.

ونوهت أنه في عام 2013 أجرى معهد "برينبول" استطلاعًا للرأي حول مثل هذا الحل، فكانت النتيجة أن الثلث فقط أيدو تطبيقه، بينما عارضه أكثر من 45 في المئة من الجمهور. كذلك أجرت صحيفة "ميكور ريشون" في عام 2012 استطلاعًا مشابهًا، وكانت النتيجة أن 22% فقط يؤيدونه. وترجع هذه النسبة المنخفضة من التأييد إلى أعمال "العنف" المتوقع اندلاعها بسبب خصوصية المسجد الأقصى ومكانته، فهي تختلف عن المسجد الذي في الهند.

ويقول ناصر الهدمي، رئيس لجنة مناهضة تهويد القدس، إن الترويج الإسرائيلي لفرض السيطرة اليهودية على المسجد الأقصى بدأ منذ الترويج لإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين، وتم استخدام ذلك في إقناع يهود العالم بالهجرة إلى فلسطين، على أساس أنه بعد إقامة الهيكل سوف ينزل المسيح ويعم السلام في الأرض.

وأوضح ناصر الهدمي، أن هذا الترويج تطور من حلم تتبناه الجماعات الدينية إلى واقع تعمل لأجله مراكز اتخاذ القرار، ووصلت المخططات بهذا الخصوص إلى أروقة الكنيست، منوهًا إلى اجتماع الحكومة مؤخرًا تحت المسجد الأقصى، حيث تم اتخاذ قرارات والمصادقة على مشاريع تتعلق بتهويد القدس بأكملها.

وأضاف الهدمي: "جماعات الهيكل أيضًا اجتمعت تحت المسجد الأقصى مؤخرًا، وخرجت تصريحات حول السيطرة على المسجد الأقصى، أحدها من يسيطر على المسجد الأقصى يسيطر على القدس، ومن يسيطر على القدس يسيطر على أرض فلسطين كاملة. إضافة إلى تصريحات بأن اليهود يعيشون اليوم مرحلة أن ما كانوا يحلموا به أصبح جزءًا من سياسات الحكومة، بمعنى أنهم وصلوا إلى المرحلة التي يستطيعون فيها أن ينفذوا ما كانوا يحلموا بتنفيذه بعدما أصبحوا أصحاب قرار".

يعتقد ناصر الهدمي، أن مخططات تقسيم المسجد الأقصى مرحلية، والهدف النهائي هو الوصول إلى هدم المسجد الأقصى وليس تقسيمه فقط، وبناء الهيكل مكان

ويعتقد الهدمي، أن مخططات تقسيم المسجد الأقصى مرحلية، والهدف النهائي هو الوصول إلى هدم المسجد الأقصى وليس تقسيمه فقط، وبناء الهيكل مكانه، مؤكدًا أن التطرف الموجود حاليًا في الكنيست والحكومة الإسرائيلية مقابل الضعف الفلسطيني والعربي والإسلامي، يُشير أن الاحتلال سيمضي بالفعل في هذه المخططات في الوقت القريب.

من جانبها، المرابطة في المسجد الأقصى خديجة خويص، لا تحمل مخاوف تجاه تصريحات قادة الاحتلال حول تقسيم المسجد الأقصى، فهي، وفق اعتقادها، محاولةٌ للفت الأنظار وجلب الأصوات، ودعاية لمن يروجون لها، مؤكدة أن الاحتلال يعلم جيدًا ما هي عواقب تقسيم المسجد الأقصى، وقد جرب ذلك في هبة البوابات وهبة باب الرحمة مؤخرًا.

وتشدد خديجة خويص أن الجهود لا تنقطع للتصدي لمخططات الاحتلال، إضافة إلى الرباط الدائم في المسجد الأقصى.

أما وزارة شؤون القدس، فتعتبر أن خطة عميت هاليفي "خطيرة للغاية، بل الأكثر خطورة ضد المسجد الأقصى منذ عام 1967، ووصفة لحرب دينية بكل ما تعنيه الكلمة، وعدوان صارخ على مشاعر وعقيدة المسلمين حول العالم".

وقالت الوزارة: "هم ينتقلون فعليًا من انتهاك الوضع التاريخي والقانوني القائم في المسجد الأقصى إلى نسف هذا الوضع، وصولاً إلى التقسيم الفعلي للمسجد الأقصى، كخطوة نحو مخططات أكثر قبحًا وأكثر خطورة" وفق تعبيرها.

وأكدت أن "شعبنا العظيم الذي أحبط مؤامرة البوابات الإلكترونية والتقسيم الزماني والمكاني لن يسمح بهكذا مخطط إرهابي"، داعيةً العالم الإسلامي والعربي إلى "عدم الوقوف صامتا إزاء هكذا مخططات خطيرة، وعدم ترك الفلسطينيين وحدهم في مواجهة هذا الجنون الإسرائيلي".