لاحظ المزارع أحمد قديح قبل شهرين آثار حيوان شبيهة بأقدام كلب؛ في مزرعته شرق بلدة عبسان الكبيرة في مدينة خانيونس. بعد البحث تبيّن له أن ظهور هذه الآثار تزامن مع خسارته خمس أزواج من الدجاج البلدي، وتبعها بعد أيام خسارته لأربع أزواج أخرى من البط والإوز.
قرر قديح مراقبة ما يجري، ليكتشف جسمًا صغيرًا له ذيل كبير في حدود مزرعته، أشعل النور فوجد أنها خمسة ثعالب، ما لبثت أن أحست بالضوء حتى لاذت بالفرار باتجاه السياج الفاصل بين قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 48، لم يستطع ملاحقتها أو التعامل معها خوفًا من إطلاق قوات الاحتلال المتمركزة عند السياج النار عليه.
ثعالب تأتي من خلف السياج الفاصل باتجاه قطاع غزة، تفترس طيورًا وخرافًا، وتهاجم المزارع الفلسطينية وتخرّب محتوياتها
بدأ قديح البحث عن وسائل لحماية مزرعته، إلا أنه خسر لاحقًا خمسة أرانب. يقول لـ"ألترا فلسطين"، إن هذه الحوادث ذكّرته بمعاناته ومزارعين آخرين من الضباع، قبل 10 أعوام، حيث كانت تلتهم الماشية، إلا أنهم استطاعوا الإمساك بها وتسليمها لحديقة حيوان، وهذا ما يزالون عاجزين عن السيطرة عليه حتى اللحظة، بينما يشاهدون أعداد هذه الثعالب في ازدياد يومًا إثر آخر.
اقرأ/ي أيضًا: ذئاب تثير الرعب في صحراء البحر الميت
وتشكل المناطق المحاذية للسياج الفاصل بين غزة وأراضي 48؛ نقطة هامة لمزارع الحيوانات والماشية، إضافة للأراضي الزراعية، كونها بعيدة عن الازدحام غير العادي في المناطق السكنية بقطاع غزة، غير أنّ الهروب من الازدحام لم يكن حلاً كاملاً للمشكلة، فغارات قوات الاحتلال ورصاصها يمثل مشكلة أساسية للمزارعين هناك، قبل أن تتفاقم المشكلة بظهور الثعالب التي تفيد شهادات لمزارعين أنها بدأت تظهر بعد عدوان 2014.
ويؤكد الشهود لـ"ألترا فلسطين" أن هذه الثعالب بدت بوضوح أمامهم في مناطق شرق خانيونس، وشرق دير البلح، ومخيم المغازي، وقرية جحر الديك، ومنطقة حي الزيتون شرق غزة، وأنها جاءت من خلف السياج الفاصل، وتحديدًا من النقب المحتل، وهي المناطق التي تعد مكانًا ملائمًا لتجمع الثعالب كونها شبه صحراوية.
فادي ثابت من جحر الديك الحدودية، يقول إن أغلب سكان المنطقة، وهو أحدهم، يعتمدون على الطيور بشكل أساسي في العمل والغذاء أيضًا، لكنه بدأ منذ شهر آذار/مارس الماضي يلاحظ يوميًا فقدان دجاج يربيه، وقد شكّ أول الأمر أن ذلك بسبب الكلاب الضالة، قبل أن يعلم بأن أعمامه يواجهون المشكلة ذاتها.
خسر ثابت 23 دجاجة، وستة طيور من البط، وأربعة من الطير الحبشي، خلال وقت غير طويل، ويرجح أن خسارة مزارعين آخرين في منطقته من الطيور بالمئات من مختلف الأنواع، دون وجود إحصائية أكيدة تحدد حجم الخسائر، هذا إضافة إلى تخريب مزروعات، وفك أغطية المزارع، ما يكبدهم خسائر كبيرة لأن الأغطية من نوع جلدي قوي وغالي الثمن.
ويقول ثابت لـ"ألترا فلسطين" إنه شاهد الثعالب بأم عينه، وأن أعدادها تتزايد تدريجيًا، ونشاطها يكثر في ساعات الصباح الباكر، موضحًا أن بعض سكان المنطقة بدأوا يصطادونها ويبيعونها لحدائق الحيوانات، ويستدرك: "لكنها خطرة في الوقت ذاته".
ولا يخفي أهالي جحر الديك من تطور اعتداءات الثعالب لتطال الأطفال، خاصة أنها تهاجم الأجسام الصغيرة ولا تخاف من الاقتراب من المناطق السكنية، وأطفالهم يستيقظون باكرًا من أجل التوجه لمدارسهم، أو حتى من أجل اللّعب في أيام الإجازات.
ثعالب تهاجم المناطق الحدودية في غزة، تقترب كثيرًا من المناطق السكنية وتبقى حتى ساعات الصباح، ما يثير مخاوف السكان على أطفالهم
أيمن جودة من مخيم المغازي، يقول إنه خسر قبل شهر خروفين، و20 زوجًا من الحمام، و12 زوجًا من الدواجن، بعد أن ترك مزرعته 10 ساعات من أجل التنزه، ليعود ويجد آثار الدماء والثعالب في المزرعة.
سمع جودة من أصدقائه أن بعض الضباع البرية دخلت حدود مدينة خانيونس الشرقية وأحدثت خرابًا في مزارعهم، والتهمت في إحداها عجلاً صغيرًا، لكنه يقول إنه فوجئ من الثعالب وطريقة دخولها لمزرعته بعد تدمير السياج الخشبي، وهو ما دفعه للبحث عن خطورتها؛ فوجد أنها برية وتعتبر من أخطر الحيوانات على الحيوانات والإنسان أيضًا.
ولا يخفي سكان المناطق الحدودية ومزارعوها اعتقادهم بأن هذه الثعالب تُطلق بشكل متعمد من قبل الاحتلال الإسرائيلي، على غرار ما يحدث في الضفة الغربية التي تُطلق المستوطنات فيها خنازير برية باتجاه المزارع والأراضي الزراعية في القرى، وهو ما وثّقته فضائية فلسطين اليوم في تقرير لها نشرته في شهر تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2016، يُظهر شاحنة تحمل عشرات الخنازير وتطلقها تحت جنح الظلام باتجاه أراضي الفلسطينيين.
وسبق أن كشفت صحيفة "هآرتس" العبرية، في تقرير لها نشرته عام 2009، عن استخدام الاحتلال حيوانات الظبي الإفريقي العملاق، الذي يعرف باسم "العلند العملاق"، في مواجهة تنظيم حزب الله، من خلال إطلاق عدد منها تتميز بقدرة كبيرة في أكل النباتات، من أجل كشف مقاتلي حزب الله الذين يعتقد جيش الاحتلال أنهم يتخفون بين الأشجار.
يقول مؤمن أبو نادي (55 عامًا) من مخيم البريج، إن الاحتلال يستطيع منع تواجد الحيوانات المفترسة على حدود غزة، كونها منطقة أمنية بالنسبة له، والمناطق الأمنية تُستخدم فيها وسائل متطور لطرد الحيوانات والقوارض تحت الأرض.
ويقول أبو نادي الذي كان أحد الشهود على ثعالب وضباع برية في المناطق الحدودية، أن الاحتلال يستفيد من هذه الحيوانات في تعزيز كمائن وحداته الخاصة خارج السياج الحدودي، ثم يستدرك قائلاً، "الناس أصبحوا يصطادونها بأدوات بسيطة جدًا، لكنها من نوع بري ومتوحشة أكثر من ثعالب الجبال، ولا يوجد برية أو محمية طبيعة في غزة".
وتشير مصادر محلية إلى أن سلطات الاحتلال سبق لها أن نشرت كلابًا مسعورة في المناطق الحدودية والسكنية الفلسطينية خلال الانتفاضة الأولى عام 1987، وكذلك خلال الانتفاضة الثانية عام 2000، ما يزيد من شكوكها بأن شيئًا منظمًا يديره الاحتلال من خلال نشر هذه الثعالب، ما يعني أن السيطرة عليها لن يكون في متناول اليد.
اقرأ/ي أيضًا:
صور | أول بيت للكلاب في الضفة الغربية