01-ديسمبر-2022
جدارية أم الشهيد في رام الله

جدارية أم الشهيد في رام الله - تصوير: محمد غفري (الترا فلسطين)

لم تستطع نجمة حمدوني أن تحبس دموعها، لدى وصولها إلى ساحة مدرسة بنات البيرة الجديدة، عند مشاهدتها لجدارية "أم شهيد"، التي جددت الحزن في قلبها، وعادت بذاكرتها 6 سنوات للخلف عندما حملت نعش ابنها الشهيد "ياسر" فوق رأسها ومضت تحث الخطى إلى مثوى ابنها الأخير.

جدارية "أم الشهيد" في رام الله، للأم نجمة حمدوني التي تسلمّت جثمان ابنها ياسر، شهيدًا بعد 14 سنة في الاعتقال

تغطي رأسها بالكوفية الفلسطينية، وبزي تراثي عتيق، تقدّمت الحاجة نجمة حمدوني صفوف الحاضرين، ووقفت أمام الجدارية، وتعابير وجهها تروي 14 عامًا من المعاناة وهي بانتظار نجلها أن يخرج حرًّا من الأسر، لكنها تسلمت جثمانه بعدما أصيب في 25 أيلول/ سبتمبر 2016 بجلطة قلبية في سجن "ريمون".

وكانت الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء، كشفت اليوم الخميس عن جدارية "أم الشهيد"، للفنان الشاب فؤادي اليماني، وهي عبارة عن صورة التقطها المصور الصحفي علاء بدارنة عام 2016 للحاجة نجمة حمدوني من بلدة يعبد جنوب جنين، خلال مشاركتها في حمل نعش ابنها "ياسر" إلى مثواه الأخير، بعد أن استشهد نتيجة الإهمال الطبي في سجون الاحتلال بعد 14 عامًا في الأسر.

رفضت أم ياسر إلقاء كلمة، وأجهشت بالبكاء "شو بدي أحكي بعد ياسر.. يما يا حبيبي يا روحي يمّا"، وعندما استجمعت قواها، أوصت الحاضرين بنبرة مبحوحة "ديروا بالكم عليها.. هاي أمانة".

رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين السابق عيسى قراقع كان قد رافق "أم ياسر" داخل سيارة الإسعاف عندما استلمت جثمان نجلها عند حاجز الجلمة قبل سنوات. وقال قراقع في كلمة له نيابة عن أم ياسر: "هذه الجدارية ليست ابتداع خيال فنان، بل هي صورة حقيقية لأم الشهيد ياسر حمدوني خلال وداع ابنها الشهيد في جنين عندما حملت التابوت فوق رأسها".

وروى قراقع شهادته على ذلك اليوم، قائلًا: "أم ياسر عندما استقبلت الجثمان في تابوت أسود عند حاجز الجلمة إلى مستشفى جنين، كانت تتحدث معه خلال هذه المسافة كأنه حي، وكان مشهدًا أسطوريًا مفجعًا بين أم وابنها الذي انتظرته 14 عامًا، وعاد لها شهيدًا".

وتابع قراقع: "هذه الأم هي التي حملت ابنها عاليًا على رأسها بوجه غاضب وبملامح غاضبة إلى درجة أنها عندما أودعته في القبر أرادت أن تدخل معه، ولم تكن تصدّق أن ابنها ياسر، قد غاب".

مكث الفنان فؤاد اليماني قرابة أسبوع وهو يحاول بريشته إظهار ملامح الغضب والحزن على وجه "أم ياسر" حتى انتهى من رسم هذه الجدارية، التي سبق وأن وثقها بصورة، الصحفي علاء بدارنة.

الرسّام فؤاد اليماني
الرسّام فؤاد اليماني

يقول اليماني لـ"الترا فلسطين" إنه اختار هذه الصورة لأنها "تظهر الدور الكبير للأم الفلسطينية، كما أن الصورة تظهر الصورة كم تعاني الأم بسبب الاحتلال وكم تعاني وتضحي".

بدورها تحدثت أم الشهيد قيس شجاعية بالنيابة عن أهالي الشهداء، وقالت في كلمة لها: "نحن لم ندفن أولادنا حتى الآن، ولا نعرف أي شيء عنهم، وأقول للجميع إن أولادنا في الثلاجات، ولا ننام الليل ونحن نعرف أن الجليد على أجساد أولادنا، ولن نرتاح إلا بعد دفن جثامينهم".

واستدركت تقول "لن نكون يومها سعداء بذلك، فلا يوجد أم تحب أن تدفن ابنها، بل هي تربي ابنها حتى يكبر وهو يدفنها عندما تموت ويقرأ لها الفاتحة، وليس أن تدفنه بيديها".

وطالبت "أم قيس" الجميع بالوقوف معهم والمشاركة في الاعتصامات والوقفات كي "لا نكون لوحدنا في في المطالبة بالجثامين، بل يجب أن يكون كل الشعب معنا".

وتابعت: "أولادنا ضحوا بدمائهم رغم أن لديهم حياة جميلة وهم طلبة جامعيين ولديهم أحلام وأهداف، ولكن الحياة باتت صعبة في ظل الاحتلال الذي خنقهم وضيّق العيش عليهم".

من جانبه، استعرض مدير مركز القدس للمساعدة القانونية وحقوق الإنسان عصام العاروري أبرز الأرقام المتعلقة بقضية جثامين الشهداء المحتجزين. وقال إن الاحتلال سلم جثمان الشهيد ياسر، ولكن هناك 10 أسرى شهداء ما يزالون محتجزين لدى الاحتلال، وما يزال الاحتلال يحتجز في ثلاجته 12 طفلًا شهيدًا أعمارهم أقل من 18 عامًا.

وبيّن العاروري أن مجموع الشهداء المحتجزين في الثلاجات هو 118 شهيدًا جرى احتجازهم منذ العام 2015، بالإضافة إلى 256 شهيدًا في مقابر الأرقام.

مركز القدس سيقوم بحملة رسم جداريات توثّق قضية جثامين الشهداء المحتجزين للتذكير بالمطالبة بهم في كل المحافظات 

وقال في كلمة له "خلال 48 ساعة الماضية ودّعنا 8 شهداء قتلوا بدم بارد، من أين لنا أن نحتمل كل هذا الوجع، وجع الأمهات والآباء والعائلات والشعب الفلسطيني، ولكن عزاؤنا أن شعبنا لم يستلم ولن يستسلم".

وكشف العاروري أن مركز القدس سيقوم بحملة رسم جداريات توثّق قضية جثامين الشهداء المحتجزين للتذكير بالمطالبة بهم في كل المحافظات.