قبل أيام، أنهت جامعة "بار إيلان" الإسرائيلية، أعمال حفريات قامت بها في خربة "تبنة" القريبة من مدخل قرية دير نظام شمال رام الله، معلنة العثور على قرية يهودية عمرها أربعة آلاف عام، وهو ما تنفيه روايات متخصصين فلسطينيين في علم الآثار.

لم تبدأ حفريات الاحتلال في هذه الخربة بين ليلة وضحاها، بل سبقها استهداف ممنهج لأصحاب الأراضي الفلسطينية، امتد لسنوات، تمهيدًا لوضع اليد عليها 

أحمد عساف من دير نظام من بين أصحاب الأراضي التي جرت فيها الحفريات، يقول لـ"الترا فلسطين"، إن عائلته تملك 36 دونمًا من الأراضي الزراعية في الخربة.

يروي عساف، أنهم كانوا يزرعون هذه الأراضي -التي تحتوي عين مياه- بالقمح، لكن الاحتلال بدأ قبل 15 عامًا استهدافهم بعدة أساليب، من بينها طرد الجنود المستمر لهم من الأرض، واعتداءات المستوطنين عليهم، وجلب الخنازير البرية لتخريب المزروعات، ومن ثم مصادرة الجرارات الزراعية عند الحراثة، وآخرها إصدار أمر عسكري بحجّة "أنها أرض أثرية"، وصولًا إلى أعمال التنقيب الأخيرة.

وبحسرة يقول عساف: "هذا حكم القوي، ولا يوجد باليد حيلة لوقف هذه الحفريات".

نصر التميمي رئيس مجلس قروي دير نظام يقول لـ "الترا فلسطين" إن الاحتلال يمنع السكان المحليين من الاقتراب حتى من المنطقة، وقبل أيام احتجزهم لساعات وصادر هوياتهم الشخصية بسبب الاقتراب منها، مضيفًا أن "الاحتلال قام بتسييج الأرض التي جرت فيها الحفريات، وهناك حراسة مستمرة، ومعسكر قريب للجيش، ومستوطنة حلميش قريبة أيضًا"، بالتالي لم نعد نستطيع الاقتراب وفق التميمي. 

ويؤكد التميمي، أن هذه الأراضي هي أراضي خاصة لأهالي قرية دير نظام، وهناك جزء بسيط منها لأهالي النبي صالح وأهالي بيت ريما. ويبيّن أن الأرض كان فيها تحصينات للجيش الأردني بسبب موقعها الحدودي والمشرف، حتى عام 1967، وعقب النكسة بدأ أصحاب الأراضي بفلاحتها، حتى طفت أطماع الاحتلال على السطح، وبدأ العمل الممنهج على طرد المزارعين منها قبل عقد ونصف، حتى أصبحت غالبيتها أراضي "بور".

سميت خربة "تبنة" بهذا الاسم، بسبب وجود بئر مياه فيها، ويعتقدون أن أبناء النبي يعقوب قاموا بإلقاء أخيهم النبي "يوسف" فيه 

وبحسب روايات السكان المحليين سميت خربة "تبنة" بهذا الاسم، بسبب وجود بئر مياه فيها، ويعتقدون أن أبناء النبي يعقوب قاموا بإلقاء أخيهم النبي "يوسف" فيه، وأنهم عندما قرروا التوبة وقفوا على تلة هناك ورددوا "تُبنا تُبنا"، لذا سميت هذه التلة بخربة "تبنة".

يُشار إلى أن الحفريات التي أجرتها جامعة "بار إيلان" الشهر الماضي هي الأولى من نوعها في الضفة الغربية منذ ثمانينات القرن الماضي، وحصلت الجامعة على إذن من لجنة الآثار التابعة لـ "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال. وبحسب إعلان الجامعة فإن نتائج المسوحات أظهرت وجود قرية مركزية من أوائل العصر البرونزي حتى بداية العصر العثماني، كانت في بعض الأحيان ذات طابع إداري إقليمي وأهمية عسكرية، كما كشفت عن فخار وعملات وعظام سليمة، وعملة نادرة.

وبلغت التلة المستهدفة في الحفريات 50 دونمًا، وتنقسم، وفقًا لبيان الجامعة، إلى قسمين رئيسيين: الأول هو رأس التلة ومنحدراتها الجنوبية والغربية، بينما القسم الثاني هي المنحدرات. وأضافت، أن مركز القرية كان على المنحدر الغربي من التل، وإلى الجنوب منه توجد مقبرة كبيرة بها مقبرتان بواجهات مزخرفة.

فراس عقل، خبير فلسطيني ومتخصص في علم الآثار، يقول إن هذا الموقع كان معروفًا منذ فترات قديمة وذكر في مجلة الوقائع الفلسطينية مرتين في 1926 و1943، كما ذكر في المسوحات البريطانية، لذا هو موقع معروف، ويؤرخ من العصر البرونزي وحتى الفترة العثمانية.

وأكد عقل في حديثه مع "الترا فلسطين"، أن ادّعاءات الاحتلال باطلة وهذا الموقع هو إرث فلسطيني خالص، وما خرجت به جامعة "بار ايلان" افتراءات مضللة وغير منطقية، وبنيت على أبحاث توراتية.

فراس علقم المتخصص في الآثار: هذا الموقع كان معروفًا منذ فترات قديمة وذكر في مجلة الوقائع الفلسطينية مرتين 

وبخصوص ما أعلن عنه الاحتلال من اكتشافات، يرد عقل بأن ما ورد في الصحافة العبرية حول مكتشفات الاحتلال، فهي موجودة في معظم المواقع الأثرية الفلسطينية، ولا يوجد فيها أي جديد، وهي فخاريات تعود للفترة اليونانية والرومانية والفترات الإسلامية، وقطع عملة تؤرِّخ للفترة الرومانية، وقطعة عملة نشروها هم أنفسهم تعود لفترة المماليك وتحديدًا فترة الظاهر بيبرس.

وتابع عقل، أنهم قبل بدأ الحفريات كان لهم افتراض مسبق بوجود قبر "يوشع بن نون" في الموقع، ولكن بعد الحفر لم يذكر أي مكتشفات تتعلق بهذا القبر، وهي تدل على فترات زمنية من العصر البرونزي وحتى نهاية الفترة العثمانية، وهي معروفة في هذا الموقع قبل إجراء هذه الحفريات.

ونوّه عقل إلى أن الاحتلال لم ينته من أعمال الحفريات في خربة "تبنة" بل انتهى الموسم الأول، حيث تجري الحفريات عادة على عدة مواسم وفي فترة محددة من العام في الصيف، لذا قد تكون هناك عودة للحفر في الموقع.

يعلق وكيل وزارة السياحة والآثار الفلسطينية صالح طوافشة على الحفريات التي قام بها الاحتلال في خربة "تبنة"، بأنها غير شرعية، وبأن سلطات الاحتلال قامت بها بشكل مخالف لكل الاتفاقيات الدولية، حيث أن خربة "تبنة" هي موقع محتل منذ عام 1967، ويخضع للاتفاقيات والقانون الدولي،  ويطلب من الاحتلال حماية الموقع وليس سرقته وإجراء تنقيبات، لأن كل الاتفاقيات الدولية وقرارات "اليونسكو"، تقول إن على السلطة المحتلة حماية الآثار في المناطق التي تحتلها وعدم المساس فيها.

لذا أكد طوافشة أن الموقف الرسمي الفلسطيني يدين هذه الأعمال، وقد أرسلوا رسالة عبر مندوبة فلسطين في اليونسكو حول هذا الاعتداء وتم تقديم اعتراض عليها في هذه المنظمة الدولية. وأضاف في حديثه مع "الترا فلسطين"، أن الاحتلال يجري تنقيبات في الموقع وقام بنهب الموقع وصادر المواد الأثرية الموجودة فيه، ويحاول قدر الإمكان أن يزوّر رواية المكان الحقيقية.

وكيل وزارة السياحة والآثار صالح طوافشة: الاحتلال بدأ يعمل في مواقع التراث الثقافي الفلسطيني أمام العالم كله وفي وضح النهار يسرق الآثار 

ولكن ما هي الرواية الحقيقية للموقع؟ يرد طوافشة بأن هذا الموقع معروف مسبقًا، وحسب المسوحات التي أجريت فيه يعود إلى العصور البرونزية، وهناك مجموعة من الشواهد والبقايا الأثرية تدل على أن الشعب الفلسطيني هو وريث لهذا الموقع لأنه موقع كنعاني بامتياز من خلال الطبقات الأثرية والمسوحات التي أجريت في المكان، والمعالم الأثرية المنتشرة في الموقع تدل على أن هذا الموقع يعود للعصور البرونزية، لذا هو موقع كنعاني بشكل كامل وفيه عدة طبقات بعد الفترة الكنعانية وظهور لفترات متعددة مثل الفترة الرومانية والبيزنطية.

وحول إن كان لديهم تخوّفات من استمرار العمل في الموقع وفي مناطق "ج" بشكل عام، قال طوافشة: "هذه المنطقة غرب رام الله من المناطق المستهدفة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وهناك عزل كامل للمناطق الجغرافية فيها، والظاهرة الخطيرة أن الاحتلال بدأ يعمل في مواقع التراث الثقافي الفلسطيني أمام العالم كله وفي وضح النهار يسرق الآثار ويقوم بأعمال التنقيب غير الشرعية وعلى ما يبدو، هناك مخطط للسيطرة على كافة العناصر الطبيعية والثقافية في المنطقة".

وتابع أن الاحتلال يقوم بتدمير الآثار الفلسطينية في القدس والخليل وسبسطية وغيرها من المواقع ويجري نهبها وطمسها.