04-أبريل-2018

صورة تعبيرية - (Getty)

اعتذار رئاسة الجامعة، وإعادة الراغبين من المفصولين إلى العمل، وتعويض من لا يرغبون منهم بالعودة. هكذا يُمكن تلخيص قرار نقابة الصحافيين في أزمة فصل صحافيين في مركز الإعلام التابع لجامعة النجاح الوطنية، بعد أن شكّلت لجنة تحقيق في القضية التي تحوّلت إلى قضية رأي عام، وهو ما دفع نحو مزيد من التصعيد، تمثّل بإصدار إدارة الجامعة بيانًا وجّهت فيه نقدًا شديد اللهجة لنقيب الصحافيين، تعقيبًا على قرار النقابة الصادر، يوم الأربعاء 4 نيسان/إبريل، بعد انتهاء عمل لجنة التحقيق.

بدأت الأزمة بفصل 12 صحافيًا وصحافية في فضائية النجاح، قالوا إن فصلهم تم بسبب امتناعهم عن التفاعل على هاشتاغ "الاستهداف الجبان"، تعقيبًا على الهجوم المسلح الذي استهدف موكب رئيس الوزراء في بيت حانون خلال شهر آذار/مارس الماضي، وهو ما نفته الجامعة، وقالت إن الفصل تم بسبب ضعف أداء المفصولين، رغم وجود محادثات تؤكد إلزامهم بالتفاعل على الهاشتاغ، وفصل إحداهم بسبب ذلك.

نقابة الصحافيين: مركز إعلام النجاح فصل صحافيين دون سبب مقنع، وتدخّل في حياتهم الشخصية، وهو مطالب بالاعتذار والتعويض

شكّلت نقابة الصحافيين لجنة تحقيق في هذه الأزمة، قررت بعد 48 ساعة تكريم الصحافيين والصحافيات الموقوفين عن العمل، معللة ذلك بأنها تأكدت من أن توقيفهم ليس له علاقة بمسألة التقييم، "خاصة أنها استمعت لشهادات من ذووي خبرة في أدائهم" وفق ما جاء في بيان النقابة.

اقرأ/ي أيضًا: فضائيات الجامعة: حداثة التجربة وإشكالياتها

دعت النقابة مركز الإعلام في جامعة النجاح إلى الاعتذار للصحافيين الفلسطينيين والمؤسسات الإعلامية الفلسطينية، "بسبب الإساءات المؤسفة بحق النقابة والنقيب وأمانتها العامة". قصدت النقابة بذلك بيان فضائية النجاح الصادر بعد تشكيل لجنة التحقيق، الذي وصفت فيه الانتقادات الموجهة لقرارها بأنها "حملة مسعورة، وهجمة ممنهجة"، هذا إضافة إلى منشور على "فيسبوك" للصحافي غازي مرتجى، القائم بأعمال مدير مركز الإعلام في جامعة النجاح، رأت فيه النقابة وصحافيون تقليلاً من شأن النقيب ونقابتهم.

وأكدت نقابة الصحافيين أن أسباب فصل الصحافيين والصحافيات "لم تكن مقنعة"، نافية توضيح مركز الإعلام في جامعة النجاح بأن التفاعل على الهاشتاغ كان بشكل طوعي ولم يتم إلزام أحد به، إذ قالت النقابة إنه بالفعل يتم الطلب من الصحافيين والصحافيات العاملين في المركز؛ إعادة التغريدات على صفحاتهم الشخصية، واعتبرت ذلك تدخلاً في حياتهم الشخصية.

مُبرّر "ضعف أداء الصحافيين" كسبب أدى لفصلهم، تنفيه كتب التقدير والثناء التي حصل عليها بعضهم قبل وقت قصير من قرارات فصلهم، وهو ما أكدت عليه النقابة، واعتبرت أن تبرير مركز الإعلام "يضر بمستقبل صحافيين وصحافيات جدد يتلمسون طريقهم نحو المستقبل".

الصحافية أنوار حاج حمد (27 عامًا) عَمِلت في مركز الإعلام بجامعة النجاح لعامين، بدأتها كمهندسة صوت في إذاعة النجاح، ولم تتلقّ أي انتقادات لعملها أو ملاحظات عليه. تقول لـ الترا فلسطين إنها خلال شهر آذار/مارس علمت بعقد امتحان يحتوي على سؤالين يتعلقان بالهندسة الإذاعية التقنية، ثم طُلب منها "البرومو" الخاص بالجامعة كامتحان عملي، لكنها لم تعلم بتقييمها بعد ذلك، ولا نتيجة الامتحان، قبل أن تُفاجأ بتلقيها كتاب إنهاء عمل، في يوم الإثنين 26 آذار/مارس.

طريقة إنهاء العمل أشعرت أنوار وزملاءها بـ"الإهانة"، وهي تعتبره "ضربة لسمعتها المهنية وكرامتها"، مضيفة، "أبلغتني السكرتاريا أنا وزميلتي ريما سروجي (معدة ومقدمة برامج في صوت النجاح، وهي من المفصولين أيضًا) بأن نعتبر أنفسنا في إجازة مفتوحة حتى نهاية الشهر، رغم أنه لم يكن قد تبقى حتى نهاية الشهر سوى ستة أيام، وتم تغطيتها من الإجازات السنوية".

هددت إدارة مركز إعلام النجاح موظفيها والمتدربين دائمًا بالفصل إذا لم يشاركوا إنتاجات الفضائية، وطالبتهم بالخجل من مشاركة مواد صحافية لمواقع أخرى

وتُشير أنوار إلى أن إدارة مركز الإعلام تُهدد دائمًا بفصل من لا يشاركون أعمال الفضائية، ولا يتفاعلون مع الهاشتاغات المطلوبة، كما حذّرتهم من نشر مواد صحافية أنجزتها جهات إعلامية أخرى. تضيف، "أحد الإداريين طلب منا أن نخجل من ذلك".

اقرأ/ي أيضًا: "بوست" يحرم طالبًا من الدراسة.. جامعة النجاح: ليس نقدًا

ياسر حبيشة (22 عامًا)، صحافي آخر تعرض للفصل في هذه الأزمة، بعد أن عمل لـ 9 أشهر في قسم المونتاج بالتلفزيون، لم يوقع خلالها عقدًا، لكنه تلقى مكافآت مالية، مقابل الالتزام بالعمل سبع ساعات ونصف يوميًا. أبلغ المركز ياسر بتكريمه وصرف مكافأة مادية مع زميلات له، لكنه لم يتسلمها، بل تلقّى بدلاً منها قرارًا بالاستغناء عنه، أُبلغ به شفويًا دون كتاب رسمي.

يقول حبيشة لـ الترا فلسطين إن الصحافي بشار دراغمة، رئيس قسم تحرير الموقع الإخباري، أبلغ الموظفين - بحضور الإداري غازي مرتجى - بأنه له حق في جزء من الصفحة الشخصية للموظف على "فيسبوك"، وأن الموظف ملزم بما يُطلب منه. وأضاف، "دراغمة قال لنا حرفيًا بتستحوش على حالكم تعملوا مشاركة لصفحات إخبارية ثانية على صفحاتكم".

الصحافية آيات عبد الله كانت من المفصولين بعد  13 شهرًا من العمل، رغم أنها تلقّت تكريمًا مع زملائها بسبب اجتهادها في عملها كمعدة ومقدمة في دائرة الأخبار بمركز الإعلام. وإن كانت أنوار لم تعلم بعلامتها في الامتحان الذي عقدته الجامعة حتى الآن، فإن آيات أُبلغت بأنها حصلت على علامة جيدة، "ولا مشاكل لديها في هذا الجانب" وفق ما أبلغها به دراغمة، لكن ما حدث يُناقض ذلك تمامًا.

تبين آيات لـ الترا فلسطين أن إدارة المركز نبّهت الموظفين والمتدربين والعاملين بنظام المكافأة بعد أسبوع من الامتحان بمنحهم فرصة لتحسين أدائهم، ثم بعد نحو أسبوع من التنبيه، وتحديدًا في يوم الإثنين 26 آذار/مارس، أبلغتها السكرتاريا بأن له كتابًا ستحصل عليه بعد تقديم نشرة الأخبار. كان الكتاب إنهاء عمل، مع إبلاغها بأنها في إجازة حتى نهاية الشهر، لكنها تركت الكتاب وغادرت المكان.

تقول آيات: "لم أصدق كيف أحصل على شهادة الموظف المثالي، إضافة إلى تقديري شخصيًا من القائم بأعمال مدير الفضائية (غازي مرتجى) الذي شارك تقريرًا أعددته قبل شهرين من فصلي على صفحته الشخصية، وأثنى عليه بكلمة إبداع".

تؤكد آيات على إفادة أنوار وياسر بتدخل إدارة مركز إعلام النجاح في الحسابات الشخصية للصحافيين على موقع "فيسبوك"، مضيفة أن الإدارة كانت تُطالبهم بالتفاعل على الهاشتاغ، وتصوير لقطات لهذه المنشورات تحت التهديد بفصل كل من لا يلتزم بذلك.

توجهت آيات إلى الجامعة في الأول من شهر نيسان/إبريل إلى الجامعة لاستلام كتاب فصلها، وبراءة الذمة، وأغراضها الشخصية، لكن السكرتاريا أبلغتها بأنه ليس لها براءة ذمة، لوجود قضية ضدها في المحكمة، وطلبت منها استلام متعلقاتها الشخصية من المحكمة، والمغادرة فورًا حتى لا يراها مدير المركز غازي مرتجى.

وبينما كانت لجنة التحقيق التابعة لنقابة الصحافيين تتابع مهامها في هذا الإطار، أصدر مركز الإعلام بيانًا توضيحيًا لقي انتقادات واسعة بين الصحافيين، "لأنه استبق قرار النقابة"، وبسبب ما تضمنه من اتهامات وألفاظ وجدها صحافيون "مهينة"، بل تطوّر الأمر إلى توقيف الصحافي رامي سمارة بسبب مشاركته في انتقاد مركز الإعلام والإداريين غازي مرتجى وبشار دراغمة، وذلك إثر شكوى تقدم بها مرتجى ضده، يتهمه فيها بالتشهير به وبعائلته.

جامعة النجاح أثارت غضب الصحافيين بالحديث عن "حملة مسعورة وهجمة ممنهجة ضدها"، ثم بتقديم أحد إدارييها شكوى أدت لتوقيف صحافي

الصحافية مدى شلبك، ورد اسمها في بيان مركز الإعلام كدليل على أن قرارات الفصل كانت بسبب ضعف الأداء، إذ قالت إدارة المركز إنها ارتكبت خطأ فادحًا عندما عنونت أحد الأخبار بـ"مواطنون يعتدون على مستوطنين". تعلق شلبك على البيان بالقول إنه "استخدم لغة غير مهنية، وفيه محاولة لحرف الموضوع عن مساره الطبيعي، وإساءة للمواقع التي نشرت تقارير حول الموضوع".

اقرأ/ي أيضًا: توقيف صحافي بعد شكوى بسبب منشور على "فيسبوك"

وأضافت، "جميع ما تم ذكره في البيان هو محاولة للتشويش على قصة فرض تداول الهاشتاغ بالإجبار والمساومة والابتزاز. أما بخصوص أدائي، فأنا عملت في موقع النجاح الاخباري مدة سنة وشهرين، وخلال هذه الفترة أنتجت العشرات من التقارير الخاصة، وبالإمكان العودة لهذه المواد وتقييم أدائي من خلالها، وعبر أي لجنة محايدة، وإن كان هناك أي ملاحظات فسأكون مهتمة بالاستماع لها والاستفادة منها، فمن منا لا يخطئ؟".

واتهم بيان المركز مدى بإفشاء أسرار العمل، بسبب تصوير لقطات لمحادثة تؤكد تخيير الصحافيين بين الفصل أو التفاعل على الهاشتاغ. تقول تعقيبًا على ذلك: "لا علم لي من أين حصل زميلنا معد التقرير على مصدر الصور التي وردت في التقرير".

أما الصحافية آيات، التي قال المركز في بيانه إنها نسيت موجز أنباء، فتقول: "حدث ذلك يوم جمعة، كنت أعمل بمفردي في الفضائية، أنهيت التغطية الإخبارية لأحداث يوم جمعة الغضب، وكان علي أن أقوم خلال نصف ساعة فقط بتسليم برنامج مدته ساعة كاملة بضيوفه وفقراته، وفي ذلك الوقت وللسرعة في أداء العمل المطلوب نسيت بالفعل أن أسلم موجز الإذاعة رغم أنه كان جاهزًا".

وأضافت، "في النهاية أنا أعمل لديهم كموظفة في الفضائية ولستُ في الإذاعة، وكانت هذه هي المرة الأولى التي سأقدم فيها موجزًا إذاعيًا في مركز الإعلام".

هذا الجدل اطّلعت عليه نقابة الصحافيين عند تحقيقها في الأزمة، وكانت النتيجة تأكيدها على تعرض الموظفين للظلم، ودعوة مركز الإعلام في جامعة النجاح، إلى إعادة من يرغب من الموقوفين إلى العمل في مركز الإعلام، وتعويض غير الراغبين بالعودة، استنادًا لقانون العمل الفلسطيني. كما دعت إلى إعادة تقييم عمل مركز الإعلام، والتأكد من قيادته من قبل كفاءات مهنية أكاديمية متخصصة.

وطالبت النقابة بفتح المجال أمام الخريجين الجدد من الجامعة للتدريب في كافة تخصصات المركز الإعلامية، وفق آليات وأوقات محددة.

وبينما أكدت النقابة حرصها على جامعة النجاح، وتطور مركز الإعلام في الجامعة، فإنها دعت رئيس الجامعة أيضًا إلى الاعتذار للنقابة ونقيبها "عن ما بدر من إدارة المركز من إساءات".

جامعة النجاح رفضت الإجابة على تساؤلات الترا فلسطين، لكنها أصدرت بيانًا هاجمت فيه نقيب الصحافيين وتحدثت عن "تدخل سافر في عملها"

توجهنا إلى الأطراف المعنيّة بهذه الأزمة في مركز إعلام جامعة النجاح طالبين تعقيبًا على قرار نقابة الصحافيين، وما كشف عنه الصحافيون المفصولون، فتم توجيهنا إلى خالد بني مفلح، مدير العلاقات العامة في الجامعة، الذي طلب منا كتابًا رسميًا، وعندما زوّدناه بالكتاب أبلغنا بأن الجامعة تكتفي بما ورد في البيان الذي أصدرته سابقًا.

بعد ذلك، أصدرت جامعة النجاح بيانًا أكدت فيه أن الهجوم الشرس عليها يتواصل من نقابة الصحافيين، مؤكدة أن النقيب ناصر أبو بكر يستهدف الجامعة، ويحرّض عليها. واستهجنت الجامعة موقف النقيب "وإصداره أحكامًا متسرعة لا تقوم على أساس مهني" على حد تعبير البيان.

واستغربت الجامعة مطالبة رئيسها بالاعتذار، نافية توجيه أي إساءة بحقه. كما رفضت إعادة النظر في قيادة مركز الإعلام، وقالت إنه "لا يجوز التدخل بهذا الشكل السافر في طرق إدارة الجامعة لشؤونها" على حد تعبير البيان.


اقرأ/ي أيضًا:

قانون الجرائم الإلكترونية: السلطة تُشرعن قمع الحريات

إنهاء عمل لجنة تعديل قانون الجرائم.. ما هي النتائج؟

قانون الجريمة الإلكترونية: الأخ الأكبر يراقبك