قررت نقابة المحامين مساء السبت، وقف كافّة فعاليّاتها الاحتجاجيّة التي كانت مقررة خلال الأسبوع للمطالبة بتعديل جدول رسوم المحاكم، وذلك بعد لقاء مع وزير العدل محمد الشلالدة، لإفساح المجال أمام مجلس الوزراء، لسحب قرار رفع رسوم المحاكم النّظامية.
أثار قرار مجلس الوزراء الأخير، حفيظة نقابة المحامين وجهات حقوقيّة، باعتبار أنه يمسّ حق التقاضي ومجانية القضاء، ويثقل كاهل الفلسطيني، ويدعوه لأخذ حقّه بيده، ما يهدد السلم الأهلي
وقال مجلس النقابة في بيان، إنه وعلى ضوء اللقاء الذي جمع نقيب وأعضاء مجلس نقابة المحامين مع وزير العدل محمد الشلالدة المكلف من رئيس الوزراء محمد اشتية، ومدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان عمار دويك، والذي تم خلاله استعراض موقف نقابة المحامين الرافض لقرار مجلس الوزراء بتعديل جدول رسوم المحاكم النظامية وتأثيراته السلبية على حق المواطنين بالوصول إلى العدالة، وعلى السلم الأهلي. وعلى ضوء مبادرة الوزير الشلالدة بنقل موقف النقابة والهيئة المستقلة وعرضها على جلسة مجلس الوزراء المقررة الإثنين المقبل، لغايات سحب القرار وإلغاء آثاره من تاريخ إصداره، ومخاطبة رئيس مجلس القضاء الأعلى لعدم تنفيذه خلال يومي الأحد والإثنين القادمين، فقد قرر مجلس النقابة وتثمينًا منه لهذه المبادرة، وتأكيدًا على لغة الحوار، وقف كافة الفعاليات الاحتجاجية، على أن يبقى مجلس النقابة في حالة انعقاد دائم إلى حين العودة للمجلس بقرار مجلس الوزراء بسحب القرار المذكور.
بيان للهيئة العامة للمحامين الفلسطينيين والرأي العام بخصوص قرار مجلس الوزراء بتعديل جدول رسوم المحاكم النظامية على ضوء...
Posted by الموقع الرسمي لنقابة المحامين النظاميين الفلسطينيين on Saturday, June 25, 2022
وكانت الحكومة الفلسطينية قررت رفع رسوم المحاكم النّظامية بشكل كبير وصل آلاف الدنانير في بعض المعاملات، وهو القرار الذي رأت جهات حقوقيّة أنه يهدف لتقليل توجّه المواطنين للقضاء، في محاولة لمعالجة الاختناق القضائيّ والقضايا المتراكمة في المحاكم، وهو ما رفضته نقابة المحامين ومؤسسات أهلية متخصصة.
وصادقت الحكومة الفلسطينية في جلستها الأخيرة (20 حزيران/ يونيو 2020) على تعديل جدول رسوم المحاكم النظامية الملحق بقانون رسوم المحاكم النظامية رقم (1) لسنة 2003، وذلك بتنسيب من رئيس مجلس القضاء الأعلى المستشار عيسى أبو شرار.
- ارتفاعات مهولة!
ووفق التعديل الجديد، ارتفعت رسوم بعض القضايا والدعاوى بمقدار 100 ضعف، وبعضها تضاعف حتى 300 في المئة، ووصل الارتفاع في رسوم بعض القضايا حتى 2500 في المئة.
وكان الحد الأعلى للرسوم أمام محكمة البداية 500 دينار وتضاعف إلى 2500 دينار، ورسوم الطلبات المستعجلة كانت لا تتجاوز 2 دينار، وارتفعت إلى 200 دينار. كما أنّ الحدّ الأدنى لمحاكم الصلح كان 10 دنانير وارتفع إلى 50 دينارًا.
كما ارتفع الحدّ الأعلى من 100 دينار إلى 1000 دينار (تضاعف 10 مرّات)، ورسوم إخلاء المأجور ارتفعت من 10 دنانير إلى ألف دينار.
وتحت هاشتاغ #يسقط_جدول_الرسوم، ذكر المحامي محمد سقف الحيط في منشور على "فيسبوك" أن الرسوم تضاعفت بنسب متفاوتة من 300 في المئة، حتى 2500 في المئة، مستدلًا على ذلك بعدة أمثلة، ومنها أنّ رسم الاستدعاء ارتفع من دينار واحد إلى ثلاثة دنانير، ورسم حلف اليمين ارتفع من دينار واحد كذلك إلى خمسة دنانير. ورسم محاكم الصلح من 10 دنانير إلى 50 دينارًا، ومن 100 دينار إلى 1000 دينار.
وأضاف أن رسم محكمة البداية ارتفع من 500 دينار (الحد الأعلى) إلى 2500 دينار. كما ارتفع رسم الحصول على صورة الحكم من صفر إلى 2500 دينار.
وأشار إلى أنّ رسوم الطلبات المستعجلة كانت (2 دينار) وارتفعت إلى 200 دينار، ورسوم إخلاء المأجور ارتفعت من 10 دنانير إلى 1000 دينار. ورسوم دعاوى تغيير الاسم ارتفعت من 10 دينار إلى 100 دينار، ورسوم تجديد الدعوى إذا سقطت أو شطبت فقد كان المدعي يدفع نصف رسوم الدعوى بحد أعلى 250 دينار وأصبحت بحد أعلى 2500 دينار.
كما تم رفع رسوم وقف طلبات البناء من دينارين إلى 200 دينار. وأشار إلى أنّ رسوم تصديق النسخة الأولى من الحكم كانت مجانية سابقًا، لكن بعد التعديلات أصبحت تساوي نصف رسوم الدعوى بحد أقصى 250 دينار، أما رسوم تصديق الحكم فقد ارتفعت من 2 دينار إلى 25 دينارًا.
وفيما يخص رسوم الطعن، فقد ارتفعت رسوم أي طعن في قرار رئيس التنفيذ بشأن تنفيذ الحكم من 5 دنانير في محاكم الصلح إلى 100 دينار، وفي محاكم البداية من 10 دنانير إلى 250 دينارًا.
وارتفعت كذلك رسوم التبليغ عن حكم صادر عن محكمة نظامية أو شرعية أو دينية أو سند قابل للتنفيذ من دينارين فقط إلى 10 دنانير.
- نقابة المحامين ترفض التّعديل الجديد
نقابة المحامين كانت أعلنت رفضها لهذا التعديل، وقال نقيب المحامين سهيل عاشور لـ"الترا فلسطين"، إنهم حددوا موعدًا اليوم للجلوس مع وزير العدل محمد الشلالدة، لمناقشة الموضوع تحت مبدأ سحب القرار، مضيفًا أنّ سحب القرار يحتاج لقرار جديد من مجلس الوزراء، وذلك لن يحدث قبل الجلسة المقبلة.
وأوضح عضو النقابة داوود درعاوي في حديث لـ الترا فلسطين، أن هذا النظام يفتقر إلى الأساس والأسباب الموجبة التي تراعي الحالة الاقتصادية السائدة، ويمس بحق دستوري أصيل وهو حق اللجوء إلى القضاء من خلال مجانية القضاء، والتي هي واجب على الدولة، مضيفًا أن رفع الرّسوم ينتهك المعايير الدولية وخاصة العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية بشأن مجانية القضاء التي انضمت إليها دولة فلسطين.
درعاوي: فرض هذه الرسوم المضاعفة عشرات المرات يثقل كاهل المواطن الفلسطيني ويدفعه باتجاه الاحجام عن التوجه للقضاء
وأشار إلى أن مسألة فرض هذه الرسوم المضاعفة عشرات المرات يثقل كاهل المواطن الفلسطيني ويدفعه للإحجام عن التوجّه للقضاء، ولا يهم بعدها كيف يُحصِّل المواطن صاحب المظلمة مظلمته، وبالتالي سيلجأ إلى أخذ حقّه باليد أو باللجوء إلى مكاتب التحصيل، أو بعض الأشخاص المتنفذين الذين يمارسون عمليات تحصيل بالابتزاز، وهو ما يهدد السلم الأهلي.
وكشف درعاوي عن أنّ القصد غير المعلن من وراء التوجّه لرفع الرسوم، هو الدفع باتجاه الإحجام عن التوجّه للقضاء، لأن البعض يعتقد أن الاختناق القضائي سببه مجانيّة القضاء، وبالتالي بدلًا من معالجة الاختناق القضائي من خلال تعيين قضاة بما يكفي للحدّ من هذا الاختناق، وتوفير متطلبات وظيفية وموظفين للقيام بالمهام القضائية، وتعزيز دور النيابة في هذا الموضوع، يتم الهروب إلى الأمام بتقليص عدد القضايا الواردة برفع الرسوم، وبذلك يتم تخفيف الاختناق القضائي.
بدل معالجة الاختناق القضائي بتعيين ما يكفي من قضاة، وتوفير ما يلزم من متطلبات يتم الهروب للأمام برفع الرسوم!
بدوره قال مدير الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون، ماجد العاروري، إن الارتفاع الجديد في رسوم المحاكم النظامية مبالغ فيه، ويأتي على حساب جيوب المواطنين، ويترتّب عليه المسّ بحقّ الناس في التقاضي، وقدرتهم على اللجوء للمحاكم التي ستكون مكلفة، وبما لا يُطاق.
وأكد في العاروري في حديث مع "الترا فلسطين" على أنه يجب وقف الزيادة في الرسوم، والتراجع عنها إلى ما كانت عليه سابقًا، بعيدًا عن أي نقاش في مدى قانونية قرار مجلس الوزراء في رفع الرسوم.
- النّاس سيفقدون حقّ التقاضي
ورأى العاروري المختص في الشأن القانوني، أن النقاش ليس في قانونية قرار مجلس الوزراء إن كان قانونيًا أو لا، إنما الإشكالية تتعلق بأن رفع هذه الرسوم سينجم عنه عدم قدرة الناس على ممارسة حقّهم في التقاضي، وبالتالي إحجام جزء كبير من الناس عن تسجيل قضاياهم الحقوقية أمام المحاكم الفلسطينية، وبالتالي بحثهم عن بدائل، قد تكون القضاء العشائري، أو تعزيز ثقافة إيفاء الحقّ بالذات، بمعنى أن يسعى كل إنسان للحصول على حقّه بيده، بطريقة خارجة عن القانون، وهذا ينجم عنه تهديد السلم الأهلي.
يتفق العاروري مع درعاوي بأنه لا يمكن حل أزمة القضايا المتراكمة أمام المحاكم بوضع معيقات أمام الحقّ في التقاضي، وإنما يجب البحث عن وسائل لحلّ المشكلة
ويعتقد العاروري أن هناك مصلحة لمجلس القضاء الأعلى والحكومة الفلسطينية برفع الرسوم، لأن الأخيرة ستجني مزيدًا من الأموال لصالح الخزينة العامة، مشيرًا إلى أنه وحتى اللحظة فإن الرسوم والإيرادات تغطي أكثر من 70 في المئة من تكلفة عمل المحاكم الفلسطينية قبل هذه الزيادة، بالتالي فإن المحاكم لا تشكل عبئًا على الموازنة العامة، وهي تغطي ذاتها بذاتها بدرجة كبيرة جدًا، لذا لا داعي لزيادات وإنما يجب البحث عن حلول أخرى ليس على حساب جيوب المواطنين، كما يقول.
بدوره أفاد القاضي السابق والمحامي فاتح حمارشة أن المبادئ التي يقوم عليها التنظيم القضائي في أي دولة هو مبدأ مجانية التقاضي بحيث تكون الرسوم زهيدة، وتهدف فقط للتحقق من جدية الدعوى وعدم كيديتها، لأن العدل يبذل مجانًا.
العاروري: لا يجوز أن يبقى المواطن هو الذي يدفع كامل الثمن في كل الأحوال
وتابع حمارشة في تعقيب أرسل نسخة منه إلى موقع "الترا فلسطين"، أن فرض الرسوم والضرائب هو من الأسباب الرئيسة لنشوء البرلمانات كي لا تفرض الضرائب والرسوم على الأفراد إلا من خلال ممثليهم، وهذا كان أحد مبررات الثورة الأمريكية عام 1776، إذ كانت من أبرز مطالب الثورة (لا ضرائب دون تمثيل)، وكان هذا المطلب للثورة بسبب فرض ضريبة الدمغة على الشاي.
وأضاف "في الحالة غير الدستورية التي يعيشها الشعب الفلسطيني ليس من الحكمة التمسّك بالنص الدستوري الذي يوجب أن يكون فرض الضرائب والرسوم بقانون، لأن قرار مجلس الوزراء أكثر ضمانة من القرار بقانون، لأن الأول تتاح مناقشته من أكثر من شخص وقد نجد من يتحدث بكلمة خير".
القاضي السابق والمحامي فاتح حمارشة: الهدف هو تحويل عملية التقاضي لمصدر هام من واردات الخزينة العامة
واللافت في الأمر بحسب حمارشة، أن هذا الارتفاع المبالغ فيه والذي جاء بشكل غير دستوري، يدلل على أن الهدف هو تحويل عملية التقاضي لمصدر هام من واردات الخزينة العامة، وتقليل عدد القضايا الواردة، ليظهر مجلس القضاء الذي اقترح هذا التعديل أنه حسّن من وضع القضاء بالوهم من خلال إصدار تقارير إحصائية رقمية تظهر فارقًا لصالح القضايا المفصولة مقابل القضايا الواردة، وذلك كلّه دون الالتفات إلى حق الناس بالتقاضي استنادًا لمبدأ المساواة.
وختم بالقول إنّ الشعب وبدل أن يكون مصدر السلطات، أصبح مصدرًا لتمويل الخزينة العامة من قبل حكومة لم يكن له أي دور في اختيارها.
وقبل إصدار مجلس الوزراء للقرار الأخير بشأن تعديل جدول الرسوم في المحاكم، صادق الرئيس محمود عباس مؤخرًا على "قرارًا بقانون" يقضي برفع رسوم المحاكم الإدارية، ما يعني أنّ رسوم الطعون التي لم تكن تتجاوز 20 دينارًا، فإنّ رسومها بعد القرار الجديد ستتراوح بين 50 إلى ألفي دينار. وقال مختصّون قانونيون إن الهدف من رفع رسوم المحاكم الإدارية هو منع الناس وحرمانهم من حقّ التقاضي، ومنعهم من رفع الشكاوى، وهو ما دفع نقابة المحامين لرفض القرار.
وتبع ذلك، اعتبارًا من الأوّل حزيران/ يونيو، سريان قرار بقانون رئاسيّ، يستطيع من خلاله الشّخص المَدين، الاعتراض على دينه في الأوراق التجارية مثل "الشيكات" "والكمبيالات" إمّا بإنكار التوقيع، أو الادّعاء بالتزوير، أو الادّعاء بالوفاء كليًا أو جزئياً للدائن، وهو ما يثير قلقًا من إطالة أمد التقاضي.