12-ديسمبر-2020

أثناء الانتفاضة الأولى 1988 (Getty)

في الذكرى الثالثة والثلاثين لانتفاضة الحجارة، أو ما اصطلح على تسميته فلسطينيًا "الانتفاضة الأولى"، كيف عبّرت السينما الفلسطينية بصريًا عن انتفاضة الشعب وعنفوانه؟ ما هي الأفلام الروائية أو الوثائقية التي اتّخذت من الانتفاضة ثيمة رئيسة لها؟ وكيف رصدت أو استحضرت السينما -فيما بعد- أحداث هذه الانتفاضة وأيقوناتها؟

     كيف عبّرت السينما الفلسطينية بصريًا عن انتفاضة الشعب وعنفوانه؟ ما هي الأفلام الروائية أو الوثائقية التي اتّخذت من الانتفاضة ثيمة رئيسة لها؟       

ثيمة أطفال الحجارة

لعلّ أبرز ما يميّز انتفاضة الفلسطينيين الأولى مشاركة الأطفال فيها بحفاوة، بل ذهب كثيرون لتسمية هذه الانتفاضة بانتفاضة "أطفال الحجارة"، وفي هذا تقريع للاحتلال الذي كان يواجه أيادي الأطفال الغضة التي تلقي الحجارة على المحتلين بأعتى الأسلحة.

اقرأ/ي أيضًا: "عيني".. عن الأطفال الحالمين بالحياة

عنفوان الطفولة وهواجس الأطفال وأحلامهم مواضيع حضرت بقوة في السينما الفلسطينية التي صوّرت تلك الانتفاضة؛ ومنها فيلم "أطفال الحجارة" أخرجه جورج خليفي وزياد الفاهوم، وكذلك فيلم "أطفال جبل النار" من إخراج مي المصري عام 1988. وفيلم "دار ودور" لرشيد مشهراوي 1990، وفيلم "بيت من ورق" لهاني أبو أسعد.

وترصد هذه الأفلام في مجملها مجموعة من أطفال الانتفاضة الذين يشاركون فيها، متحدثين عن نشوتهم في مواجهة المحتل وجهًا لوجه وحجرًا لبندقية، وفيه أيضًا إشارة لما يعتمل داخلهم من هواجس فرضها عليهم واقع الانتفاضة كالشهادة والاستشهاد والقمع واعتقال الآباء، والأمل بمستقبل أفضل.

ثيمة المرأة المنتفضة 

شاركت المرأة الفلسطينية الرجل في معركة التحرر طوال مسيرة الثورات الفلسطينية منذ الثورة الكبرى عام 1936 إلى يومنا هذا، فهي الأم المنجبة للأبطال والمقاومين، والحبيبة والزوجة المشاركة في مسيرة الحرية والانعتاق من قيود المحتل، وهذا ما احتفت به السينما الفلسطينية بكثافة، فتطالعنا أفلام تسجّل الدور الريادي للمرأة الفلسطينية في الانتفاضة، ونرى ذلك في أفلام: "نشيد الحجر" 1990 لميشيل خليفي، وفيلم "نائلة والانتفاضة" 2017، لجوليا باشا، وفيلم "فلسطين 87" 2019، لبلال الخطيب.

اقرأ/ي أيضًا: 3000 ليلة.. نسوية الحركة الأسيرة

إذ تروي هذه الأفلام بصريًا حكايات الناشطات النسويات في الانتفاضة الأولى، وتسلط الضوء على دور النساء الريادي والأساسي أثناءها، وعلى تراجع ذلك الدور مع حلول اتفاقية أوسلو.

ثيمة حظر التجوال

فيما تعيش عواصم العالم اليوم ظروفًا استثنائية صعبة وتشهد حظرًا للتجوال وقيودًا على الحركة وإغلاقًا للحدود بسبب وباء كورونا، عاشت الأراضي الفلسطينية المحتلة مثل هذه الظروف وأقسى قبل 33 عامًا! حين كانت تفرض قوات الجيش الاسرائيلي المحتل حظرًا للتجوال داخل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية وتجوب الشوارع والأحياء بالجيبات العسكرية مخاطبة الفلسطينيين عبر مكبرات الصوت بلغة عربية مطعمة بالعبرية بعبارات "ممنوع التجول حتى إشعار آخر"، وكانت تنصب أيضًا حواجز التفتيش على مداخل ومخارج المدن والقرى وتمنع الحركة من مدينة إلى أخرى بغية السيطرة والضبط وإخماد جذوة الانتفاضة الجماهيرية المشتعلة.

وقد سلط فيلمان روائيان لرشيد مشهراوي "حتى إشعار آخر" و"حظر تجول" 1994 الضوء على ممارسات المحتل التعسّفية بحق الإنسان الفلسطيني وحرمانه من العيش حياة طبيعية تضمن الكرامة الانسانية وحرية الحركة والتنقل التي تعد واحدة من أساسيات حقوق الإنسان وفق الميثاق العالمي لحقوق الانسان.

كما حضرت مشاهد بصرية واقعية كالتوقيف والحجز والتفتيش على الحواجز الإسرائيلية في أفلام فلسطينية عديدة.

ثيمة المقاومة الشعبية السلمية

الانتفاضة الأولى وإنْ سُمّيت بـ "انتفاضة الحجارة" إلا أن الشعب مارس أساليب إبداعية أخرى في المقاومة؛ فقد تحوّلت البيوت إلى مدارس، في ما عُرف بالتعليم المنزلي، كما تحوّلت أسطح المنازل لمزارع لأهم ما يحتاجه الناس من خضروات لتحقيق شيء من الاكتفاء الذاتي.

تظهر هذه الثيمة جلية في أفلام "حكايات من انتفاضة الحجارة" لمريم شاهين وفيلم "المطلوبون 18" الذي استمد فيه مخرجه عامر الشوملي مادته السينمائية من حكاية طريفة من حكايات الانتفاضة مستحضرًا روح هذه الانتفاضة وحالة الرفض الشعبي الجمعي لممارسات الاحتلال القمعية وقرار مقاطعة منتجاته وعلى رأسها الحليب الإسرائيلي. ويروي الفيلم حكاية أهالي بيت ساحور (قرب بيت لحم) حين قاموا بشراء 18 بقرة، وهذا ما دفع الجيش الإسرائيلي لملاحقة الأبقار من بيت لآخر ومن مزرعة لأخرى بتهمة تهديد أمن إسرائيل!  

اقرأ/ي أيضًا: المطلوبون الـ18.. أبقار في شرفة الوطن

عبّرت هذه الأفلام عن النواة الفلسطينية الأولى لنظرية "الاكتفاء الذاتي والانفكاك عن اقتصاد المحتل" فكأنها تذكّرنا بروح المهاتما غاندي إذ تجول في أرجاء فلسطين المنتفضة في زمن الانتفاضة الأولى بوصفها حراكًا إنسانيًا عادلًا.

أخيرًا بقي أن نقول بأن غالبية "سينما الانتفاضة" جاءت وثائقية تسجل أحداث الانتفاضة اليومية بواقعية وصدق، وترصد أبعادها أو تستدعي شهادات أشخاص شاركوا فيها، وحتى الروائي منها جاء ذا حركة سريعة وإيقاع دراماتيكي يتناسب مع سرعة الأحداث وتطوراتها على الأرض الفلسطينية. 


اقرأ/ي أيضًا:

7 أفلام فلسطينية وصلت العالمية

"ببغاء" فيلم يحكي الوجع الفلسطيني

8 أفلام أجنبيّة تناولت القضيّة الفلسطينيّة

"غزة سِرف كلوب" عن الأحلام التي تحفر لتحقق ذاتها