23-ديسمبر-2023
دخان جرّاء قصف إسرائيلي أثناء المعاركة مع المقاومة في بيت حانون - Mostafa Alkharouf/ Getty Images

دخان جرّاء قصف إسرائيلي أثناء المعاركة مع المقاومة في بيت حانون - Mostafa Alkharouf/ Getty Images

الترا فلسطين | ترجمة فريق التحرير

"لم يكن هناك سوى وميض من الضوء. ضوء أبيض ساطع غمر الغرفة بأكملها. ثم جاء ضجيج يصم الآذان حرفيًا، بعد ذلك لم يعد الجنود والضباط قادرين على سماع بعضهم البعض. وقبل أن يتمكنوا من فهم ما حدث، بدأ وابل رصاص متواصل، أصيب قائد القوة في يده. وكان جندي آخر ملقى على الأرض، وكان رفاقه يجدون صعوبة في معرفة ما إذا كان حيًا أم ميتًا. وقد استمر إطلاق النار، وفجأة كان من الممكن رؤية حجم الخطر: انهار الجدار الذي كان يحميهم. لقد تعرضوا بالكامل لنيران العدو"، كانت هذه الكلمات جزءًا من رواية الرائد في جيش الاحتلال إيتان ترجمان، لبعض من جرى في كمين بيت حانون القاسي، الذي أوقع فيه مقاتلو كتائب القسام، قوّة من جيش الاحتلال.

نشرت "هآرتس" تقريرًا لمراسلها امير تيفون، سلّط فيه الضوء على كمين بيت حانون الذي يعدّ واحدًا من أقسى الكمائن التي تعرّض لها جنود جيش الاحتلال، وأسفر عن مقتل وإصابة 13 ضابطًا وجنديًا، بعضهم وصفت جراحه بالخطيرة 

وجاء في تقرير لـ "هآرتس" بعنوان: "لقد انهار الجدار، وسقط المقاتلون" أن مقاتلين من كتائب القسام أوقعوا قوة من الخدمة الاحتياطية في الجيش الإسرائيلي في كمين محكم ببيت حانون، وبين من وقعوا في الكمين طبيب أسنان في جيش الاحتلال سقط من الطابق الثالث، وفنيّ تكنولوجيا كان يقود قوة الإنقاذ، وفي النهاية دفعت القوة ثمنًا باهظًا.

وبحسب المنشور على قناة كتائب القسام على تيليغرام، فإنّ نحو 40 بلاغًا عسكريًا صدّرته الكتائب لتنفيذ عناصرها استهدافات ضدّ جنود الاحتلال في منطقة بيت حانون لوحدها، منذ بدء الهجوم البري الإسرائيلي، وتنوعت هذه البلاغات بين استدراج قوات واستهدافها، ونصب كمائن، وتفخيخ فتحات أنفاق، واستهداف مبانٍ تحصّن بها جنود الاحتلال، أو تفجير آليّات متوغلة.

وكان الرائد إيتان ترجمان (38 عامًا) وهو طبيب أسنان وضابط قتال في الاحتياط، يقف قرب جدار عندما انفجرت قذيفة "آر بي جي" في غرفة داخل منزل تحصّنوا داخله. وبحسب "هآرتس" كان لديه وقت لسماع الانفجار ورؤية الضوء، وبعد ذلك مباشرة شعر بنفسه يسقط. وكانت الغرفة التي يختبئ فيها الجنود، في قلب بيت حانون شمال قطاع غزة، تقع في الطابق الثالث من أحد المنازل، وقد سقط ترجمان وجنديان آخران من الطابق الثالث، ووجدا نفسيهما في فناء مجاور.

وقال ترجمان الأسبوع الماضي في حوار مع "هآرتس": "لقد سقطت في أجزاء من الثانية، وأثناء سقوطي رأيت شريط حياتي أمام عيني.. لقد كنت مقتنعًا بعدم نجاتي من القتل، ولكن بعد أن اصطدمت بالأرض، وشعرت بظهري، وأدركت أنني على قيد الحياة، حاولت النهوض والمشي، لكن الرصاص كان يتطاير حولي طوال الوقت".

وقع ترجمان في خط النار بين أفراد فرقته وقوة من كتائب القسام أطلقت الصواريخ على المنزل الذي كانوا يتحصّن الجنود فيه. ومع كسر فقرتين في ظهره وكسور في يديه أيضًا، تمكن من النهوض والمشي، دون أن يعرف إلى أين يذهب بالضبط. وفجأة، وصلت يد من المبنى المجاور وسحبته بالقوة إلى الداخل.

بحسب رواية ترجمان، فإنّ ذلك حدث ذلك في بيت حانون يوم الخميس (16 نوفمبر) حوالي الساعة الثانية بعد الظهر، وذلك حين دخلت سرية تابعة للواء 12، وهو لواء احتياطي يعمل منذ بداية الحرب في قطاع غزة، في معركة شرسة ضد قوة حماس في وسط القرية. وكانت هذه المعركة التي لم يتم الكشف عنها على في وسائل الإعلام الإسرائيلية حتى الآن، واحدة من أصعب المعارك في الأسابيع الأولى من القتال في شمال غزة. وهي معركة بدأت بمفاجأة كاملة، وكشفت عن صعوبات فريدة يواجهها جيش الاحتلال الإسرائيلي في معارك شرسة بقطاع غزة.

وعلى الجهة الأخرى، وبالعودة إلى بلاغات كتائب القسام يوم (16 نوفمبر) نجد أنّها نشرت بلاغًا عبر قناتها في "تيليغرام" يفيد "بتمكن مقاتليها من الإجهاز على قوة متحصنة داخل مبنى في بيت حانون بـ12 قذيفة "ياسين TBG" مضادة للتحصينات، ما أدى إلى تدمير المبنى بشكل كامل وانهياره على القوة المستهدفة وسقوطهم جميعًا ما بين قتيل وجريح".

وروى الجندي آري كوزنيتسكي (30 عامًا)، المتخصص في التكنولوجيا المتقدمة من سكان نتانيا، وقائد فريق في الفصيل: "لقد تركني (كمين بيت حانون) بشعور صعبٍ للغاية. لم أفهم كيف يمكن أن يحدث شيء كهذا". ووصف المعارك في بيت حانون بـ "لعبة القط والفأر" أي أننا "نعمل داخل القرية، ونتنقل بين المنازل، وننفذ مهمّات، لكنهم يختبئون في الأنفاق ويبحثون عن فرصة لإطلاق النار علينا. أطلقنا نارًا كثيرة وأصبنا العديد من الأهداف، لكن في معظم المناطق لم نر رجال حماس بأعيننا".

أمّا "أورييل"، قائد فريق في السرية التابعة لجيش الاحتلال، والذي يعمل في مؤسسة أمنية ولم يُنشر اسمه الكامل، فقد وصف روتين معركة مماثلة بالقول: "نحن نتجول في الخارج، وهم في الأنفاق. لقد استمروا في ملاحقتنا؛ نحن جيش وهم يستخدمون أساليب حرب العصابات. خلال أسبوعين لم نر أي مدنيين على الإطلاق. بيت حانون فارغة تمامًا. نحن فقط هناك، ورجال حماس في الأوكار أسفلنا".

وفي 13 نوفمبر، قُتل مقاتل من الكتيبة، وأصيب خمسة آخرون في معركة دارت في مجمع مدارس UNRA، وهو الحادث الذي أوضح للجميع مدى الخطر الذي كانوا فيه. "بعد هذا الحادث، شعرت كان هذا العمل ساخنًا. قال ترجمان: "اعتقدت أن معركتنا القادمة ستكون أكثر صعوبة". وقال غولدشتاين، قائد السرية، أيضًا: "حتى اللحظة التي يصاب فيها الأشخاص الذين تعرفهم، فأنت لا تفهم الوضع تمامًا. وفجأة تدرك أن هذا يمكن أن يحدث لك أيضًا".

وبالعودة إلى البلاغات التي نشرتها كتائب القسام عن بيت حانون يوم 13 نوفمبر على قناتها في تيليغرام، يتبيّن استهداف قوة خاصة متحصنة في مبنى بقذيفة "TBG"، وتدمير دبابتين شمال بيت حانون بقذائف "الياسين105"، وقنص جندي وإصابته إصابة مباشرة.

ووفقًا لتقرير "هآرتس" فإنه وفي صباح يوم 16 نوفمبر، انضمت سرية المقاتلين إلى عملية تشارك في تنفيذها عدة كتائب في مهمة معقدة تهدف لتفجير شبكة من أنفاق حماس في قلب القرية. وقد تواجدت هناك قوات الهندسة والمدرعات وقائد اللواء 12. وأوضح الجندي أوريل أن "القوة الهندسية كانت مسؤولة عن تفجير المدخل المركزي لنفق، وكانت مهمتنا تأمينه من الجنوب، وقد وصلنا إلى منزل مكون من ثلاثة طوابق، وتمركزنا، ووجدنا مواقع لإطلاق النار. وصعدت إلى الطابق الثالث مع جنود آخرين وفرقة القيادة التي ضمت غولدشتاين. يتذكر قائلًا: "كان هناك توتر في الأجواء، وكنّا بالتأكيد قلقين من احتمال حدوث شيء ما أثناء وجودنا هناك".

وفي ذلك اليوم، وبالفعل، نشرت كتائب القسام بلاغًا مرفقًا بالفيديو تضمّن مشاهد لتفخيخ فتحة أحد الأنفاق في بيت حانون واستدراج قوة من سلاح الهندسة الإسرائيلي للمكان وتفجيره. البلاغ أشار إلى أن الاحتلال اعترف بمقتل 5 جنود بينهم ضابط.

لم ينضم الجندي آري كوزنيتسكي للعملية في نفس المنزل بحسب "هآرتس" وتم تعيينه كقائد لقوة الإنقاذ، وكان يجلس في منزل مجاور شمالاً. واستغلت القوة وجود ثقوب في الجدران بين المنازل للسماح بمسار حركة محمي نسبيًا في حال دعت الحاجة إلى إخلاء الجرحى. يتذكر تلك اللحظات قائلًا: "كان لدي شعور بأنه سيكون هناك اشتباك، وأتذكر أيضًا أنني تحدثت عنه في الليلة السابقة مع ترجمان"، وقد "كان من الواضح بالنسبة لي أن رجال حماس سيحاولون حماية هذا النفق الذي يمر تحت وسط القرية. ربما كانوا يفهمون ما كان يحدث. كنّا نعلم أنهم سيهاجمون، لكننا لم نعرف بالضبط كيف وأين ومتى".

كنّا نعلم أنهم سيهاجمون، لكننا لم نعرف بالضبط كيف وأين ومتى؟!

ويضيف: بدأت الإجابة على هذه الأسئلة عند الساعة 13:45، عندما خرجت مجموعة مسلحة من نفق جنوب المنزل، وأطلقت صاروخ "آر بي جي" على الطابق الثالث. ونتيجة الانفجار انهار الجدار الجنوبي من الأرضية؛ وسقط ترجمان وجنديان آخران على الأرض. وفي الوقت نفسه، أطلق رجال حماس صاروخًا آخر على الغرفة المكشوفة. وأصيب قائد السرية غولدشتاين بشظايا في جميع أنحاء جسده، بما في ذلك يديه. وأصيب خمسة جنود كانوا على الأرض (يوناتان رانوف، وساعر نحميا، وإيليا سوسنر، ودفير أبراهام، ويوسي شلومو) بجروح خطيرة، وأصيب عدد آخر من الجنود والضباط بدرجات متفاوتة الخطورة. واستغل عناصر القسام الذين صوروا الهجوم على المنزل، انهيار الجدار الخارجي لإطلاق النار دون توقف على القوة. وفي الوقت نفسه، حاول واحد منهم على الأقل التحرك نحو الفناء.

يواصل الجندي روايته لتلك اللحظات أثناء الكمين الذي تعرضوا له: "في هذه المرحلة كان لدينا مشهدان خطيران في نفس الوقت، كنا على الأرض التي تعرضت للضرب بالصواريخ، وكان هناك العديد من الجرحى، بعضهم في حالة خطيرة، وواصل رجال حماس إطلاق النار علينا. وفي الفناء كان الرجال الذين سقطوا ولم نعرف بالضبط ما حدث لهم. لقد وقع قائد الفريق هو ومقاتلو فريقه في وضع صعب؛ الجدار الذي انهار كان ملجأنا الوحيد من مسلحي حماس".

استمرت المعركة والإنقاذ حوالي 50 دقيقة. وتم إجلاء الجنود الجرحى من خلال الفتحات الموجودة في الجدران، وهي عملية معقدة نسبيًا لم يشهدها الجنود من قبل، عن ذلك قال أوريل:"يبدو الأمر بسيطًا، تتخيل ثقبًا كبيرًا في الحائط تمر عبره للتو. لكن في الواقع، بجانب الثقب توجد خزانة أو سرير، وعليك أن تحمل شخصًا على نقالة في الزاوية الصحيحة تمامًا، ومع استمرار تبادل إطلاق النار مع مسلحي حماس، تحولت عملية الإنقاذ إلى عملية تشارك فيها عدة كتائب، كما استنفرت القوات المنخرطة في مهام أخرى للمساعدة في رد النيران على مسلحي حماس، وإخراج الجرحى من مكان الحادث، وإجراء اتصالات مع سلاح الجو في المنطقة لإرسال طائرة بدون طيار هجومية للمساعدة في مهاجمة المسلحين.

وبحسب اعترافات جيش الاحتلال فقد "أصيب في كمين بيت حانون 13 ضابطًا وجنديًا بجروح بعضهم خطيرة، لكن لم يقتل أحد".