17-يوليو-2019

الغواصان مقداد يسار وسكيك يمين

على الشاطئ الذهبي لبحر غزة، يرتدي الشابان رامي مقداد ورامي سكيك، المعدات الخاصة بعملية الغوص الحُر، وهي "البدلة والزعانف والمنظار وحزام الظهر وبندقية الصيد"، ثم يبحران بعد الاتفاق بينهما على خارطة الرحلة وتوزيع الأدوار بين التصوير والصيد.

رامي مقداد ورامي سكيك يغوصان معًا في بحر غزة، أحدهما يصيد والآخر يلتقط الصور

تبدأ رحلة التربص والمطاردة لأسراب الأسماك بين الصخور والشعاب، فلا شيء أروع للغواص مقداد من ظهور سمكة "لوقس" أو "جرع" كبيرة أمام سهم بندقيته البحرية ليسدده نحوها مباشرة، ثم يصعد بها سريعًا إلى سطح الماء منتشيًا، ليلتقط أنفاسه استعدادًا لمطاردة جديدة.

اقرأ/ي أيضًا: محمد وبشير "متشردان" في طبيعة عذراء

"الأسماك عادة ما تختبئ بين شقوق الصخور، وبين الشعاب بمجرد أن تلمحنا، فنضبط حركتنا ثم ننطلق في رحلة المطاردة والتربص بها فور تحركها. أحيانًا نتمكن منها، وأحيانًا أخرى تخطئها سهامنا" يقول مقداد.

وفي غمرة عمليات الكر والفر التي يقوم بها مقداد مع الأسماك، يوثق الغواص سكيك عن بعد مترين لحظات العملية بعدسة كاميرته، إذ يبدو أن عشقه للتصوير والتقاط لحظات الإثارة وتحقيق النجاح يتفوق على عشقه لصيد الأسماك.

يقول سكيك ضاحكًا: "يمكن ما تصدق أحيانًا بترك عملية الصيد ويشرد ذهني في تأمل جمال بعض المخلوقات البحرية التي سرعان ما أجد نفسي تداعبها وتلاطفها خاصة لما تكون المياه صافية. أشعر بسعادةٍ لا مثيل لها في الكون في تلك اللحظات التي لا يقطعها سوى انقطاع نفسي وصعودي لسطح الماء".

يقتنص الغواصان سكيك ومقداد أوقات فراغهما التي تتصادف مع هدوء أمواج البحر وصفاء مياهه للاستمتاع برحلات الغوص، ثم ينشران جميل ما التقطته عدستهما عبر موقع التواصل الاجتماعي، ما جذب كثيرين حولهما لطلب تعلم هذه الهواية التي يمارسها عددٌ قليل من الرجال في مدينة غزة.

الكثير من الاستفسارات حول الطريق لممارسة هذه الهواية يتلقاها الصديقان عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفعهما لإنشاء مجموعةٍ على موقع "فيسبوك" يضم هواة هذه الرياضة. يقول مقداد: "على مدار عدة سنوات ازداد عددنا وبات لدينا الكثير من الخبرة، ما دفعنا لتنظيم دورات في هذه الرياضة بالتعاون مع الاتحاد الفلسطيني للرياضات المائية الذي انضممنا إليه".

يغوص مقداد وسكيك نهارًا، حيث الإثارة أثناء مطاردة الأسماك والمتعة في مشاهدة الطبيعة

ويفضل الصديقان مقداد وسكيك الغوص في النهار، لارتفاع نسبة المخاطرة في المساء، "ففي النهار تعيش جو الإثارة أثناء مطاردة الأسماك وتتمتع بمشاهدة الطبيعة في الأعماق، بينما في الليل تكون الأسماك بطيئة الحركة، وقد نتمكن من الإمساك ببعضها باليد عندما نوجه إضاءة الكشاف إليها مباشرة وهي مختبئة داخل الشقوق الصخرية".

شاهد/ي أيضًا: مطاردة الفقع.. هل عشتم التجربة؟

يعكر على الصديقين استمتاعها برحلات الغوص، تلوثُ مياه البحر بمياه الصرف الصحي غير المعالجة، بسبب استمرار انقطاع الكهرباء، يقول سكيك: "المياه الملوثة تصيبنا بالأمراض الجلدية وتحجب عنا رؤية الطبيعة والأسماك ما يضطرنا لمغادرة البحر في كثير من الأحيان".

"بس كيف؟"

الغواص مقداد يمارس رياضة الغوص الحُر والصيد منذ عام 2005، بعدما كان يمارس هواية الصيد بالصنارة، يقول: "كنت أقضي 7 ساعات في حر الشمس لاصطياد 4 أو 5 سمكات صغار، وفي أحد الأيام شاهدت شابًا يغوص في المنطقة التي اصطاد بها، تضايقت من وجوده وعزمت على مطالبته بالمغادرة فور خروجه لسطح الماء، وما هي إلا ثوانٍ حتى خرج وهو يحمل سمكة كبيرة بيده، وقال لي بصوت تعلوه نشوة الانتصار: بس كيف؟".

رامي مقداد

يُضيف، "ليلتها لم أتذوق طعم النوم، ومن تلك اللحظة قررت تعلم هذه الهواية، وكان لعمي الفضل بعد الله في إتقاني لها، وفي أول يوم غصت فيه وشاهدت الجمال الرهيب في أعماق البحر شعرت بالسعادة، فهذه المشاهد لم أشاهدها في حياتي سوى عبر شاشة التلفاز".

استعار مقداد في البداية أدوات الغوص من أحد أقاربه "زعانف ومنظار" فقط، ولم يكن لديه بندقية صيد، "وفي أول عملية غوص كنت أشاهد الأسماك تمر من جانبي فيما أحاول عبثًا التقاطها بيدي فتفر بعيدًا عني، كنت أروي هذه المشاهد لأهلي وأصدقائي الذين كانوا مذهولين من حكاياتي".

وتابع، "ادّخرتُ المال الذي اشتريتُ به معدات غوصٍ وكاميرا تصوير تحت الماء. ومنذ ذلك الحين وشبكتي تفيض بالأسماك، كانت أكبرها سمكة جرع تزن 17 كغم، فيما باتت عدسة كاميرتي تنقل مشاهد الجمال الإلاهي عبر مواقع التواصل".

"صدفة"

"ما كنت متوقع يكون في هيك جمال في بحر غزة" قال الغواص سكيك واصفًا أول لحظةٍ شاهد فيها أعماق البحر في أول رحلة غوص قام بها في حياته، وكانت بصحبة صديقه وملهمه لهذه الهواية مقداد في عام 2015.

تصل تكلفة معدات الغوص في غزة إلى ألف دولار، وهي مفقودةٌ في أوقاتٍ كثيرة بسبب منع إدخالها لغزة

ويتابع سكيك، "منذ تلك اللحظة بدأت على الفور بتجميع معدات الغطس قطعة إثر قطعة، بسبب ارتفاع أسعارها حتى تمكنت من امتلاكها كلها".

ويشير إلى أنه تعرف إلى مقداد عندما شاهده بالصدفة يغطس في مياه البحر أثناء ممارسته لرياضة السباحة بالزعانف، "من تلك اللحظة قررت ملازمته حتى أتقنت الغوص الحر على يديه وبتنا أصدقاء في ممارسة هوايتنا" كما قال.

رامي سكيك

يحلم الغواصان مقداد وسكيك في رفع العلم الفلسطيني خلال المشاركة في بطولات دولية لصيد الأسماك بالرمح، تقام في بعض الدول المجاورة كمصر.

كثيرًا تكون معدات الغوص مفقودة من السوق بسبب منع استيرادها من قبل الاحتلال الإسرائيلي، كما تزيد تكلفة تجهيز الفرد الواحد بمعدات الغوص عن ألف دولار بعدما كانت لا تتعدى 400 دولار سابقًا، وهذا يحول دون ممارسة كثير من الشبان في غزة لهذه الهواية.


اقرأ/ي أيضًا: 

فيديو | تجوال الربيع.. تعرفوا ع البلاد

كاميرا "عُبيدة جمال" في جناتٍ وعيون

فيديو | جولة في غزة.. تدوين الآثار "سوشليًا" لحمايتها

دلالات: