01-أكتوبر-2023
لحظة استشهاد الطفل محمد الدرة

الشهيد محمد الدرة في حضن والده الذي حاول صدّ الرصاص عنه - 2000

الترا فلسطين | فريق التحرير

ثمّة مشاهد عصيبة تظلّ محفورة في الذاكرة الفلسطينية، لكنّ لحظات ما قبل استشهاد الطفل محمد الدرة الذي حاول والده جمال صدّ رصاص الجنود الإسرائيليين، قد تكون من أكثر مشاهد انتفاضة الأقصى التي تركت تأثيرًا ليس في فلسطين والعالم العربي فقط، بل في العالم كلّه، وكانت دليلًا يؤشّر إلى فظاعة الجرائم الإسرائيلية.

الطفل الذي خرج يوم (30 أيلول/ سبتمبر 2000)، في نزهة مع والده جمال لشراء مركبة، انتهى به المطاف وهو يحاول الاحتماء بوالده من رصاص الجنود، قرب مفترق مستوطنة "نيتساريم"

وعشية مرور 23 سنة على الجريمة الإسرائيلية، استعاد التلفزيون العربي تفاصيل الجريمة المروّعة ببث حلقة خاصة ضمن برنامج "كنت هناك"، بالاستناد لرواية والد الطفل، ومصوّر القناة الفرنسية الثانية طلال أبو عفيفة، وكذلك ضابط الإسعاف.

ويتناول الوثائقي في 25 دقيقة تفاصيل ما جرى في اليوم الثالث لاقتحام رئيس حزب الليكود الإسرائيلي آنذاك، أريئيل شارون، باحات المسجد الأقصى يوم (28 أيلول/ سبتمبر 2000)، الأمر الذي فجّر انتفاضة سرعان ما امتدّت لحارات البلدة القديمة في القدس، ومنها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، ويشير إلى الموقف الإسرائيلي من جريمة قتل الطفل محمد الدرة، ولتغيير الروايات الإسرائيلية حول الجريمة وتحميل المسؤولية للفلسطينيين، بما في ذلك اتّهام المصور طلال أبو رحمة باختلاق المشاهد وتمثيلها.

نزهة انتهت بابن مسجّى في حضن والده

يقول جمال الدرة، والد الطفل محمد إنه كان وعد ابنه بأخذه في نزهة إلى سوق السيارات في شارع صلاح الدين بمدينة غزة، يومها لم يجدوا المركبة التي كانت في خاطر الطفل محمد، فعاد الأب وابنه أدراجهم، لكنه وجدوا الطريق مغلقًا بالحجارة، فتحوّلوا للمنطقة الشرقية، وأخذوا طريق المنطار، وعند مدخل مستوطنة نتساريم، كان الرصاص كثيفًا، ولم يكن أمامهم إلّا الاحتماء بما يجدونه أمامهم.

عن تلك اللحظات، يروي مصوّر القناة الفرنسية الثانية طلال أبو عفيفة، أنّ معظم الشبان والأطفال كانوا في الخلف، يلقون الحجارة تجاه النقطة العسكرية، ولم يكن في "الساحة" غير الطفل (محمد) ووالده (جمال) الذي استغاث كثيرًا بينما كان الاثنان يتعرضان لرصاص كثيف.

وأضاف المصوّر أبو عفيفة: انتزعت الكاميرا عن الحامل، وبدأت أنظر لمعرفة من أين يأتي الرصاص المستمر، الذي استهدف آخرين كانوا على الأرض، ولم أدر ما يتوجّب عليّ فعله، واصلت التصوير والصراخ "مات الولد.. مات.. إسعاف".

إقرار إسرائيلي بالجريمة تبعه تهرّب

بعد جريمة قتل الطفل محمد الدرة التي هزّت العالم، أقرّ رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي آنذاك، غيورا آيلاند بارتكابها، وقال إن الموقع العسكري كان محاطًا بمئات الفلسطينيين، وأن الجنود الإسرائيليين حاولوا الدفاع عن النفس.

لكن "إسرائيل" وأمام فداحة الجريمة وبشاعتها، بدأت بعد ذلك تتهرّب من تحمّل مسؤولية اغتيال الطفل محمد الدرة، ورفضت الإقرار بارتكابها، وبدأت حملة تشكيك في صحة الفيديو، وادّعاء أن المصوّر اختلقه، ما دفع القناة الفرنسية لاستدعاء مصوِّرها إلى باريس، للتحقيق معه بشأن ظروف التقاط الفيديو الذي يوثّق الجريمة.

من مكان استشهاد الطفل محمد الدرة قبل 23 سنة
لحظة استشهاد الطفل محمد الدرة قبل 23 سنة

وإضافة لمشهد الطفل محمد الدرة وصرخّات المصوّر "مات الولد.. مات"، يتذّكر الفلسطينيون مشاهد باتت أيقونية في مسيرة نضالهم ضدّ الاحتلال، منها قتل الطفلة إيمان حجو، ومجابهة الطفل فارس عودة لدبابة إسرائيلية بالحجر، وكذلك لحظة استهداف عائلة غالية على شاطئ بحر غزة، والاستهداف المباشر للزميلة الصحافية شيرين أبو عاقلة (2022)، والمشترك بين هذه المشاهد، أنّ مرتكبها حاول في كل مرّة، التهرّب من فعلته، وإلصاقها بآخرين، أو حتى تبرير الجريمة، وجميعها وفقًا لقانونيين، جرائم حرب لا تسقط بالتقادم.

2276  طفلًا فلسطينيًا قتلتهم "إسرائيل" منذ استشهاد الطفل محمد الدرة 

وبحسب إحصائيّات رسمية فلسطينية، فإن 2276  طفلًا فلسطينيًا قتلتهم "إسرائيل" منذ استشهاد الطفل محمد الدرة، 727 منهم خلال انتفاضة الأقصى. وتبيّن الإحصائيّات أن عام 2002 سجّل استشهاد 192 طفلًا، فيما كان عام 2014 الأكثر دموية على الأطفال باستشهاد 546 طفلًا فلسطينيًا.

وبرنامج "كنت هناك" الذي يبثّه "التلفزيون العربي" برنامج وثائقي يروي قصص أحداث عصفت بالعالم العربي ودول أوروبية، وتروي كل حلقة من حلقاته أهم الأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية التي أحدثت تأثيرًا على العالم العربي، وتروي قصة الحدث من وجهة نظر أشخاص شاركوا في الأحداث أو كانوا شهود عيان عليها، راوية بعيدة عن التحليل، قريبة من الجانب الإنساني والمعايشة الواقعية.