24-يونيو-2018

حتمًا "سكارليت جوهانسن" أجمل من أن تدعم "إسرائيل"، هكذا نعتقد! لأنه يصعب علينا تمييز الخير من الشرّ دون الاعتماد على ما تقدّمه لنا حاسة البصر، الاتّكاء على حاسة البصر سهل ومريح ولا يتطلّب الكثير من الجهد.

تراهن "إسرائيل" على عجز البشر -غالبًا- عن تمييز الأشياء دون الاعتماد على هذه الحاسّة، لذلك تبدع في خلق "القصص الجميلة" ومنحها كافّة التفاصيل التي يحتاجها المُطّلع حتى تعجبه.

    حين تضيع قضايانا السياسيّة في نشرات الاقتصاد التي تقول أرقامًا وإحصائيّات يدّعي الاحتلال أنّه الحل لمشاكلها!   

تضع "إسرائيل" الكثير من مساحيق التجميل. ووجه جوهانسون الجميل ليس إلّا الشكل المبسّط للعبة الجمال الإسرائيلية، هذه.

لماذا نسترجع قصة سكارليت جوهانسن بعد كل هذه السنوات من قرار الممثلة الهوليودية مغادرة منظّمة "أوكسفام" الخيرية من أجل مواصلة تمثيل شركة "صودا ستريم" الإسرائيلية؟ الممثلة التي اختارت في العام 2014 أن تستقيل من منصبها كسفيرة للمنظمة الإغاثية بعد خلاف بينها وبين "أوكسفام"، رأت  فيه الأخيرة أنّ ترويج جوهانسون للشركة الإسرائيلية التي تقيم مصانعها في مستوطنة "معاليه أدوميم" لا يتماشى مع دورها كسفيرة عالميّة لها.

في شباط/ فبراير 2017، انتقلت الشركة الإسرائيلية إلى مستوى جديد من لعبة تجميل القصص البشعة، فقررت إضافة ملصق بالعلم الإسرائيلي على كافة منتجاتها التي تُباع في 45 دولة حول العالم مرفقًا بعبارة "هذا المُنتج مُصنّع على يد يهود وعرب يعملون معًا في ظلّ التعايش والسلام".

حسنًا، هل كذبت الشركة؟ وفقًا للمفهوم البسيط للكذب، ربما لا تبدو العبارة التي أرفقتها الشركة كاذبة، بمعنى أن المنتج مُصنّع حقًّا على يد يهود و"عرب"، وهؤلاء العمّال يعملون معًا، والمصنع مثله مثل أيّ مكان عمل يتعاون فيه العُمّال أحيانًا، ويتنافرون أحيانًا، ولكن يظلّ "السلام" الذي تفرضه بيئة العمل هو الأساس. هذه الصورة التي قد تلتقطها كاميرا أيّ صحفي لعاملات محجّبات في مصنع إسرائيلي ليست كاذبة ولكن استخدامها هو الكاذب.

الغريب وقتها أنّ الخلاف بين الممثلة الأمريكية والمنظمة الخيرية كان مرتكزًا على ذات الصورة التي حاول كل طرف نفي فكرة الآخر من خلالها.  فبينما اعتبرت "أوكسفام" أن المستوطنات تزيد الفقر وتنكر حقوق المجتمعات الفلسطينية التي تعمل المنظمة على دعمها، فإن جوهانسن اعتبرت العكس تمامًا؛ فالنسبة لها مصانع الشركة تخلق فرص عمل للفلسطينيين، وتساوي بينهم وبين "زملائهم الإسرائيليين" في الأجور، وهي بالتالي تشكّل نموذجًا لـ "السلام والتعايش والأمل في منطقة صراع".

ليس مُهمًا الرسالة التي تريد إيصالها، المهم هو الرسالة التي تريد محوها، ويبدو اجتثاث القصة والبدء من أخرها لا من أولها هو الأسلوب الأمثل لفعل ذلك. عندها تبدو صورة العاملة الفلسطينية في مصنع إسرائيلي صورة مناسبة للحديث عن "السلام" في المنطقة، هذا طبعًا إن لم يعد ملتقط الصورة ليبحث عن نشأة المصنع وملكيّته، عندها يُفاجأ أنّه مقامٌ على أرض مسروقة من أقارب هذه العاملة أو جيرانها أو أحد معارفها!

لا غرابة إذًا أنّ لقمة عيش الفلسطينيين تأكلهم قبل أن يأكلوها، حالهم حال الكثير من الشعوب التي تضيع قضاياها السياسية وقصصها الإنسانية في النشرات الاقتصادية التي دائمًا تنقل لنا أرقامًا وإحصاءات تخبرنا أنّ الاحتلال لا يسعى فقط لإثبات أنه ليس المشكلة في المنطقة، بل أنه الحل لمشاكلها!


اقرأ/ي أيضًا:

نظرة جديدة لفلسطين قبل النكبة: الاقتصاد والمجتمع

الاستيطان: الاقتصاد يتفوق على الأيدولوجيا

جيجي حديد.. الجمال في مواجهة الاحتلال

دلالات: