أرض كنعان.. التسمية الأولى
فلسطين، تلك الأرض التاريخية التي شهدت العديد من الحضارات والشعوب، تمتاز بتاريخها العريق والمليء بالأحداث والتحولات. كانت تُعرف في البداية بأرض كنعان نسبة إلى الكنعانيين الذين استوطنوها منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد. مع مرور الزمن، تغيرت التسميات وتبدلت الحدود، ولكن بقيت فلسطين شامخة في قلب التاريخ والجغرافيا. هنا سنعرض أسباب تسمية فلسطين بهذا الاسم والتاريخ الذي حملته عبر العصور المختلفة.
أُطلق على فلسطين اسم أرض كنعان نسبة لأول شعب عربي عاش وأقام فيها، وهو أقدم اسم لفلسطين، حيث أقاموا فيها حوالي 200 مدينة، وظلت فلسطين تسمى أرض كنعان حتى عام 1200 قبل الميلاد.
ويعود أصل كلمة فلسطين إلى (فلستيبا) كما ذُكر في السجلات الآشورية إذ يذكر عن أحد الملوك الأشوريين إخضاع قواته لـ (فلستو) وإجبار أهلها على دفع الضرائب سنة 800 قبل الميلاد.
أصل تسمية فلسطين
ويعود أصل كلمة فلسطين إلى (فلستيبا) كما ذُكر في السجلات الآشورية إذ يذكر عن أحد الملوك الأشوريين إخضاع قواته لـ (فلستو) وإجبار أهلها على دفع الضرائب سنة 800 قبل الميلاد. وأطلقه كذلك عليها الكتاب اليونانيين على الفلسطينيين الذين سيطروا على هذه الأرض في القرن الثاني عشر قبل الميلاد، والتي تقع على الساحل الجنوبي بين يافا وغزة، وتعود صيغة التسمية إلى المؤرخ هيرودوتس إذ تعود لأسس آرامية في ذكره لفلسطين "بالستين" التي كان يقصد بها شريط الأراضي الساحلية الذي يسكنه الفلسطينيون في الجزء الجنوبي من سوريا الممتدة حتى سيناء جنوبًا وغور الأردن شرقًا.
وأصبح اسم فلسطين في العهد الروماني يُطلق على كل الأراضي المقدسة، ومنذ عهد هدريان كان يُشار إليه دائمًا في تقارير الحجاج المسيحيين. وأطلق الرومان في القرن الثاني بعد الميلاد مصطلح سوريا فلسطين على المنطقة الجنوبية من محافظة سوريا، والتي اتخذت طريقها للغة العربية، حين استخدمت لوصف المنطقة منذ العصر الإسلامي، ولكن لم يكن هذا الاسم متداول رسميًا في العصر الروماني، حتى انتهاء حكم الدولة العثمانية، ولم يرد ذكر كلمة فلسطين في أي من الكتب المقدسة، لذلك فقد اختلف في أصل الكلمة ومن أطلقها على مدى عصور، فمنهم من اعتقد أنها مشتقة من الكلمة المصرية العبرية بيلشيت، والتي استخدمت لوصف سكان منطقة الشمال الشرقي من مصر.
أما في العهد الإسلامي فكانت فلسطين جزءًا من بلاد الشام في بداية عهد الخلافة الإسلامية، وبعد أن فتُحت الشام في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، ويقول ياقوت الحموي في معجم البلدان أن فلسطين هي آخر كور الشام من ناحية مصر، قصبتها بيت المقدس، ومن أشهر مدنها عسقلان، والرملة، وغزة، وقيسارية، ونابلس، وبيت جبرين. وأثناء التقسيمات الإدارية للدولة الإسلامية وبلاد الشام عُرفت فلسطين باسم جند فلسطين وجند تعني معسكر أو محافظة عسكرية، وظلت منذ تلك الفترة فلسطين تحمل هذا الاسم. كما يُقال أيضا أن اسم فلسطين مشتق من مقطعي فلس وطين ومعناه احتراف الزراعة، أو نسبة لشعب بلست.
آراء أخرى حول التسمية
ويقول الدكتور الباحث في علم الاجتماع التاريخي شائم الهمزاني، أن أصل التسمية ثمودي، والمقصود بالمقطع فلس: متقاطع، ومصلب، أو معابر، والمصطلح طي معناه الترحال، والقوافل، والمهاجر، ومعنى المقطع إيه أو إيل: إله، حاكم، قاهر.
وبهذا تكون فلس طي إيه ، بمعنى إله متقاطع الترحال، أو نسبة لإله قبيلة طيء العربية القحطانية النجدية الفلس، وله علاقة بمكان أو مركز اسمه فلس، وبأن فلسطينيًا هو اسم أطلق على أهل هذا المكان من القبائل الأخرى، وأن الفلس، وهو على شكل رجل عملاق، كان مكانه في منطقة تقاطع خطوط التجارة قديمًا. وهو يمثل مرحلة وحدة الآلهة الوثنية أو عقيدة التوحيد الوثني وأنه انتقل مع انتقال الثموديين إلى فلسطين. كما أُطلق على فلسطين، أسماء أخرى غير مرتبطة بأحداث سياسية أو تاريخية مثل البلاد المقدسة، أرض الموعد، بلاد الأجداد والآباء، أرض الرباط، بيت المقدس، فلسطين العربية من البحر إلى النهر.
فلسطين الجغرافيا والتاريخ
تقع فلسطين في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، غرب نهر الأردن، وقطاع غزة الذي يقع على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، والقدس المحتلة. وقد ارتبط مصطلح فلسطين بهذه المنطقة، والتي يعتقد بأنها تشمل الأردن، ولكن تم تغيير هذه المنطقة الجغرافية بسبب الوضع السياسي خلال ثلاث آلاف سنة، ويسكنها كل من المسلمين والمسيحيين واليهود.
عمل سكان فلسطين بالزراعة، والصناعة مثل صناعة الفخار عام 5500 قبل الميلاد، والأدوات النحاسية في الفترة ما بين 4000-3150 قبل الميلاد، وفي صناعة الأدوات البرونزية في 3150-1200 قبل الميلاد، والحديدية في 1200-320 قبل الميلاد. وقد سكنت فلسطين وما جاورها قبائل وأقوام عربية متعددة هاجروا من جزيرة العرب، منهم: الكنعانيون، والعموريون، والآراميون، وأقاموا فيها مختلف الحضارات كما اخترع الكنعانيون الكتابة، وأقاموا المدن الكبيرة في فلسطين وسموها بأسمائهم وبقيت كذلك حتى يومنا هذا.
وقد حاولت مجموعات عرقية مختلفة منهم الهكسوس 1750- 1500 ق.م، والفرس 520 ق.م، والإغريق بقيادة الإسكندر 332 ق.م، والرومان في القرن الأول الميلادي غزو فلسطين والمناطق المجاورة واستطاعوا السيطرة عليها لبعض الوقت، لكنهم كانوا دومًا يُطردون منها وتعود البلاد إلى أهلها.
وفي سنة 636 للميلاد، تمكنت جيوش الفتح الإسلامي من تحرير فلسطين وصارت جزءًا من الدولة العربية الإسلامية، وشهدت فلسطين في عهد الدولة العربية الإسلامية انتعاشًا وازدهارًا بعد ما عانته فترة الحروب الصليبية وبقيت مزدهرة في التاريخ العربي وفي عهد الحكم العثماني الذي دام أربعة قرون.
تاريخ الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال
في القرن التاسع عشر بدأت الحركة الصهيونية بمحاولات لإنشاء وطن لليهود في فلسطين وقامت بتوجيه اليهود إلى فلسطين من روسيا للاستيطان الزراعي فيها في الفترة 1862 و1884، وأنشأت العديد من المستوطنات بدعم من الأثرياء اليهود مثل البارون ليونيل روتشيلد. وفعليًا وبعد المؤتمر الصهيوني العالمي الأول الذي عُقد بمدينة بازل السويسرية سنة 1897، بدأت الحركة الصهيونية محاولات السيطرة على فلسطين من خلال زيادة أعداد المهاجرين اليهود إليها وإقامة مستوطنات جديدة لاستيعابهم.
في 16 أيار/مايو 1916 وقعت اتفاقية سايكس بيكو والتي جعلت فلسطين تحت الانتداب البريطاني بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفي 2 تشرين ثاني/نوفمبر 1917؛ أصدر وزير خارجية بريطانيا آرثر جيمس بلفور تصريحًا ينص على إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين. وعملت بريطانيا على تقديم التسهيلات والدعم للمهاجرين اليهود إلى فلسطين وزيادة عدد المستوطنات اليهودية فيها.
قام الفلسطينيون بالتصدي للتحركات الصهيونية والبريطانية من خلال المقاومة المسلحة والمظاهرات؛ فكانت ثورة عام 1921، وثورة البراق 1929، وثورة عام 1936 التي تجددت عام 1937 واستمرت حتى عام 1939. ولكن بريطانيا ظلت تصادر الأراضي وتعطيها لليهود، ثم أصدرت الأمم المتحدة قرار التقسيم في 29 تشرين ثاني/نوفمبر 1947 والذي ينص على إنشاء دولتين مستقلتين عربية ويهودية.
في نهاية عام 1947، وبعد قرار تقسيم فلسطين، انطلقت المواجهات الأولى بين أهل البلاد والحركة الصهيونية، و15 أيار/مايو 1948 تصاعد الحرب العربية مع الحركة الصهيونية، بعد أن اشتدت المقاومة وانسحبت بريطانيا رسميًا من فلسطين، وكان من نتائجها قيام دولة إسرائيل واحتلال الجزء الأكبر من فلسطين، وأدت إلى نزوح الكثير من الفلسطينيين خارج مدنهم وقراهم بسبب الضغط الذي مارسته الجماعات والمنظمات الصهيونية والمجازر وعاش الشعب العربي الفلسطيني لاجئًا في المخيمات المنتشرة في الدول المجاورة.
وبعد حرب عام 1948 لم يبق من فلسطين إلا الضفة الغربية والتي كانت تحت الإدارة الأردنية وقطاع غزة تحت الإدارة المصرية. واستمر الفلسطينيون بمقاومة الاحتلال، إذ نفذت سلسلة عمليات في 1951- 1956 ردت عليها إسرائيل باعتداءات وحشية راح ضحيتها عدد كبير من الفلسطينيين. وفي تشرين الثاني/نوفمبر من العام 1956 شاركت إسرائيل في عدوان ثلاثي ضم بريطانيا وفرنسا ضد مصر، واحتلت خلاله قطاع غزة وشبه جزيرة سيناء، ثم انسحبت منها في آذار/مارس عام 1957 تحت ضغوط دولية.
في كانون الثاني/يناير عام 1965 انطلقت الثورة الفلسطينية المسلحة. وبعد العدوان الذي شنته اسرائيل على مصر والأردن وما تبقى من الأراضي الفلسطينية في 5 حزيران/يونيو 1967 احتلت الضفة الغربية وقطاع غزة بالإضافة إلى شبه جزيرة سيناء في مصر ومرتفعات الجولان السورية، وهاجر عشرات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني قسرًا إلى خارج فلسطين مرة أخرى.
لم تتوقف مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، رغم الآلاف من الشهداء. ففي أواخر عام 1987 انطلقت الانتفاضة الفلسطينية التي عُرفت باسم انتفاضة الحجارة والتي انتهت بتوقيع اتفاقية إعلان المبادئ أو ما عُرف باتفاق أوسلو في 13 أيلول/سبتمبر عام 1993. وقد نص اتفاق أوسلو على قيام أول سلطة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية لمدة خمسة أعوام لتقام بعدها دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، في تنازل رسمي من قبل قيادة السلطة عن 78% من فلسطين التاريخية. إلا أن إسرائيل لم تلتزم بهذه الاتفاقيات، بل وزادت من عمليات الاستيطان في الضفة الغربية، لتسرع في تهويد مدينة القدس، الأمر الذي أدى إلى الانتفاضة الثانية والتي عُرفت بانتفاضة الأقصى. إذ انطلقت في 28 أيلول عام 2000، بعد اقتحام أريئيل شارون المسجد الأقصى، وفيها قتلت إسرائيل آلاف الفلسطينيين، وجرحت عشرات الآلاف، وآسرت آلاف أخرى داخل سجونها، وأعادت إسرائيل احتلال المدن التي كان سلمتها للسلطة في اتفاق أوسلو، وحرمت الفلسطينيين من التنقل بحرية، وأقامت جدار الفصل العنصري على آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين، وخاصةً الزراعية منها والتي تقع ضمن الأحواض المائية.
وخلال انتفاضة الأقصى؛ استمر الشعب الفلسطيني بالصمود والمقاومة في وجه الاحتلال الأمر الذي دفع بإسرائيل إلى إعلان نيتها بالانسحاب من قطاع غزة في شباط 2004، وهو ما حصل فعليا في 15 آب من العام 2005، حيث أزالت إسرائيل 21 مستوطنة وانسحبت من القطاع على الرغم من استمرار سيطرتهم على حدود القطاع البرية والبحرية والجوية.