14-ديسمبر-2023
مؤيدون لحماس

إيهود باراك: حماس حركة أيديولوجية، وهي موجودة في أحلام الناس وفي قلوبهم وفي عقولهم".

الترا فلسطين | فريق التحرير

أعلن الاحتلال منذ بدء عدوانه على قطاع غزة في السابع من تشرين الأول\أكتوبر عن هدف حربه، وهو القضاء على حركة حماس، وكرر هذا الادعاء طوال فترة الحرب على لسان رئيس وزرائه وجميع المسؤولين في حكومته، وامتد هذا الأمر حتى وصل البيت الأبيض في واشنطن، الذي أيد تل أبيب في مسعاها للقضاء على المقاومة. 

ولكن مع استمرار الحرب لأكثر من شهرين، بدأ الخطاب الدولي وبعض الأصوات الإسرائيلية تشكك في قدرة "إسرائيل" على تحقيق ذلك، وتحول الحديث إلى أن استمرارية أيدولوجية المقاومة مرتبط بالتزامن وجانبًا إلى جنب مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي، ولهذا يتعين إنهاء السبب الأساسي لوجود حماس للقضاء عليها، وهو الاحتلال. 

مختص: حماس تحظى بدعم كبير في غزة، وتتمتع بعلاقات تعليمية ورعاية اجتماعية ودينية عميقة، فضلاً عن كونها حكومة الأمر الواقع في غزة

حماس فكرة وأيدولوجيا

قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، خلال شهر أكتوبر الماضي، إنه لا يمكن القضاء على حركة حماس بشكل كامل، فهي حركة "أيديولوجية، وهي موجودة في أحلام الناس وفي قلوبهم وفي عقولهم".

فيما أدلى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بتصريحات تُعتبر الأشد تجاه "إسرائيل" منذ عملية طوفان الأقصى، وقال إن حركة حماس "فكرة وأيديولوجيا لا يمكن قتلها، وهي قوة عسكرية في قطاع غزة"، مؤكدًا أن على "إسرائيل" أن لا تفكر في إعادة احتلال قطاع غزة.

السنوار مع مقاتل
تتمتع حماس بالقدرة على إعادة التنظيم.

تغير لهجة بوريل، تزامن مع مواقف لمسؤولين أوروبيين حملت تغيرًا عن المواقف الرسمية المعلنة منذ بدء الحرب على غزة، ويعود هذا، بحسب المختصين، ومن بينهم الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن حسين إبيش، إلى أن "حماس ليست مجموعة من الأفراد، أو مجموعة من المعدات والبنية التحتية، بل هي "علامة تجارية"، وطالما هناك مجموعة من الفلسطينيين الأحياء الذين يريدون أن يطلقوا على أنفسهم اسم حماس، فإن حماس لا تزال موجود.

فيما قال كبير محلل شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا راين بوهل في شبكة RANE، خلال لقاء مع CNBC، إن "حماس تتمتع، مثلها مثل كافة المنظمات المسلحة، بالقدرة على إعادة تنظيم واستبدال المقاتلين والقيادة المفقودة طالما ظلت الدوافع الاجتماعية والسياسية الأعمق تجاه أيديولوجيتها موجودة"، وأضاف أن الطريقة الوحيدة الممكنة لتوقف حماس عن الوجود هي اختفاء تلك الدوافع الأيديولوجية أو استبدال المنظمة بجماعة مسلحة منافسة.

استطلاع للرأي:  ارتفعت نسب دعم حماس في الضفة الغربية إلى 3 أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب. 

إلى جانب ذلك قال دانييل بايمان، مدير برنامج الدراسات الأمنية بجامعة جورج تاون، في ذات اللقاء، إن حماس تحظى بدعم كبير في غزة، وتتمتع بعلاقات تعليمية ورعاية اجتماعية ودينية عميقة، فضلاً عن كونها حكومة الأمر الواقع في غزة. كل هذا يعني أن "إسرائيل" يمكن أن تقتل العديد من قادة حماس، ولكنها لا تزال غير قادرة على القضاء على المنظمة.

وكل هذا يعني أنه لا يمكن قتل الفكرة والأيديولوجية، حتى لو تم استخدام أفظع الوسائل القتالية، وقد علق على هذا الداعية الإسلامي والمحاضر عصام تليمة، في مقال له،  قائلًا إن القوّة العسكرية، مهما كانت قوة تدميرها، لا تنهي فكرة، "والأفكار والأيديولوجيات لا تنتهي بالحلّ الأمنيّ أو العسكريّ، وقد جرّبت أنظمة ودول، على مدار التاريخ، أن تمحو فكرة، أو رأيًا بالقوّة، وباء ذلك بالفشل، وبقيت الفكرة". 

فيما قال مردخاي كيدار، المتخصص الإسرائيلي في الثقافة العربية والإسلامية، خلال لقاء في الإعلام العبري إنه "لو بقي حمساويًا وحيدًا، مقطوع القدمين واليد، وله في اليد الأخرى إصبعين، فسوف يقف على أثر مسجد مدمر، ويرفع علامة النصر بإصبعيه، كدليل على  فوزه، لماذا؟ لأنه أولادهم سيكملون وأحفادهم سيكملون المسيرة". 

فلسطيني ملثم يحمل طفلاً مصابًا يرفع علامة النصر أثناء إجلائه من الاشتباكات على طول السياج شرق خانيونس.1 يونيو، 2018.
فلسطيني ملثم يحمل طفلاً مصابًا يرفع علامة النصر أثناء اشتباكات على طول السياج شرق خانيونس.1 يونيو، 2018.

المقاومة مستمرة باستمرار الاحتلال

قال دافيد كاميرون، وزير الخارجية البريطاني، في وقت سابق، إن "إسرائيل لن تكون آمنة أبدًا، ما لم يكن هناك أمن واستقرار للشعب الفلسطيني على المدى الطويل".

وأظهرت تحليلات الخبراء والمختصين بالتزامن مع ما أدلى به جوزيب بويل ودافيد كاميرون، أن لإنهاء حماس يجب على "إسرائيل" أن تنهي أسباب وجود حماس، وهو الاحتلال، وفي حين يحاول المسؤولون الغربيون توجيه الهجوم على المستوطنين الإسرائيليين في المستوطنات، والتركيز على ضرورة منع احتلال غزة وبناء المزيد من المستوطنات، فإن "لهجة جديد" تظهر إلى السطح  تدين "إسرائيل" في عنفها ضد الفلسطينيين، وأن هذا العنف هو الذي يدفع إلى وجود مقاومة مسلحة لدى الفلسطينيين، إذ لا يمكن تدمير أيدولوجية حماس دون وجود حل سياسي يرضي الفلسطينيين.

فقد أجاب المؤرخ الإيراني رشيد خالدي، في لقاء مع صحيفة إل باس الإسبانية، على سؤال ما الذي أرادت أن تحقق حماس بعملية طوفان الأقصى، بـ"لا أعرف هدفهم بالتحديد، ولكن  كانت هناك عملية تطبيع وغياب تام لأي أفق سياسي للفلسطينيين"، مضيفًا أن الذي تعرضه "إسرائيل" وتدفع ثمنه الولايات المتحدة وأسلحته هو المزيد من الاستيلاء وسرقة الأراضي، والمزيد من إخراج الناس من منازلهم، والمزيد من القمع، وحقوق أقل، ولا تقرير مصير، ولا نهاية للاحتلال. 

المزيد من القمع
يمارس الاحتلال جميع أشكال العنف تجاه الفلسطينيين.

وأشار إلى أن "إسرائيل ترغب في القضاء على حماس كمؤسسة، وكهيكل سياسي وديني وثقافي، وكهيكل عسكري، ولكن بحسب اعتقاده، لا يستطيعون القيام بالأمرين الأولين. مؤكدًا أنه لو قتل الاحتلال جميع قادة حماس، أو قتلوا جميع المسلحين، فإن حماس سوف تظل قوة سياسية، سواء احتل الإسرائيليون غزة أو غادروها، ولذا فإن تدمير حماس كمؤسسة سياسية، وتدمير حماس كفكرة، أمر مستحيل، وتدمير قدراتها العسكرية قد يكون على نطاق وفترة محدودين.

وقالت تهاني مصطفى، كبيرة المحللين الفلسطينيين في مجموعة الأزمات الدولية، للعربي الجديد، إن إسرائيل تحاول القضاء على حركة حماس بأكملها وتدمير شرعيتها ودعمها وبنيتها التحتية ووجودها المادي. مضيفة: "ومع ذلك، فإنه يسيء فهم السياق الذي ظهرت فيه حماس، والذي كان بمثابة رد فعل على الاحتلال العسكري. حماس لا تمثل أي شيء غير مسبوق على الإطلاق أو أي شيء غير مفاجئ".

مؤكدة أن حماس في جوهرها هي "مقاومة منظمة للاحتلال الإسرائيلي، وحتى قبل حماس وبعد حماس، سيستمر الفلسطينيون في مقاومة الاحتلال بكل أشكاله".

وهذا ما تتجاهله "إسرائيل"، فهي تواصل معالجة أعراض احتلالها العسكري للأراضي الفلسطينية، وما تلا ذلك من تهديدات لأمنها، بدلاً من معالجة القضية، بحسب تهاني مصطفى، مضيفة أنه حتى لو اختفت حماس، فمن المرجح أن تستمر الجماعات الفلسطينية المسلحة الجديدة في الظهور لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي.

كما امتد دعم حركة حماس إلى الضفة الغربية، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه "المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية" بالتعاون مع مؤسسة "كونراد أديناور" في رام الله، عن ارتفاع "نسب دعم حماس في الضفة الغربية 3 أضعاف ما كانت عليه قبل الحرب".

ووفقًا للاستطلاع فقد ارتفعت نسبة تأييد العمل المسلح لمواجهة الاحتلال، حيث يرى أكثر من 60% من الفلسطينيين الذين شملهم أن "المقاومة هي الطريق الأمثل لإنهاء الاحتلال".

العمل المسلح كمقاومة
يرى أكثر من 60% من الفلسطينيين أن "المقاومة هي الطريق الأمثل لإنهاء الاحتلال".

جنود خائفون مقابل مقاومين شجعان

لقد أثبت الاحتلال مرارًا وتكرارًا على أنه غير قادر على تحقيق النصر في الحروب ضد حماس، أو إنهاء هذه الحروب بالسبل العسكرية.

وذكر إيمير هادزيكادونيتش في مقال له، أنه نظرًا للأنماط التاريخية للصراع بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله وحماس على مدى السنوات الأربعين الماضية، فإنه يمكن التنبؤ بكيفية تطور هذا الصراع الحالي، إذ أن فرص "إسرائيل" في الفوز بالحرب ضد حماس ضئيلة. ويرى أن بنيامين نتنياهو وضع نفسه في الزاوية بشعار "تدمير حماس" كهدف، تمامًا كما وضع بيغن وأولمرت نفسيهما في الزاوية بشعار "تدمير منظمة التحرير الفلسطينية" أو "تدمير حزب الله". كلاهما "ربحا معاركهما"، لكنهما خسرا حروبهما في نهاية المطاف، وانسحبا من القتال دون أن يحققا أهدافهما المعلنة. 

ومع اقتراب الحرب على غزة إلى 69 يومًا، فإن الاحتلال أعلن عن أنه تكبد أكبر خسائره هذا الأسبوع، بعد مقتل أكثر من 10 جنود، وذلك في مؤشر على تزايد الخسائر وعدم قدرة الاحتلال على إضعاف قدرة المقاومة الفلسطينية عسكريًا. 

وتشير الأرقام التي تعلنها فصائل المقاومة إلى أن الاحتلال يخسر آلية و6 أفراد بين قتيل وجريح كل ساعة و20 دقيقة.

إن التحديات التي تواجه الاحتلال في قطاع غزة تظهر بوضوح في ضوء التقارير الحالية، فقد رأت صحيفة "هآرتس" العبرية أنّ فعاليّة التفوّق الاستخباري التكنولوجي الإسرائيلي تتراجع على نحو يسفر عن مزيد من الخسائر في القوات المتوغلة في قطاع غزة. 

ولكي يتمكن جيش الاحتلال من السيطرة على القطاع وإخضاعه، فكان من الضرورة أن يكون مشاته على الأرض، وأن يقاتلوا وجهًا لوجه مع مقاتلي المقاومة، ولكن بحسب الكاتب ماركوس تينوريو، في مقال لـميدل إيست مونيتور، فإن الجيش الإسرائيلي يجد صعوبة في استنتاج معلومات دقيقة حول عدد وتدريب مقاتلي المقاومة وبنيتها التحتية، بما في ذلك الأنفاق التي تستخدمها، كما أن المقاومة تقاتل في مناطق تعرفها جيدًا، بعكس الجيش الإسرائيلي، الذي يتسبب في اتخاذ "إسرائيل" لاحتياطات غير معتادة، مما يزيد من التوتر ويقلل من الثقة في صفوف القوات الإسرائيلية.

مضيفًا أن الجانب النفسي للصراع أيضًا يظهر بوضوح، حيث يبدو أن الجنود الإسرائيليين يواجهون تحديات نفسية كبيرة تتراوح من الإجهاد إلى مخاوف الموت وزيادة في حوادث الإصابات الناتجة عن "النيران الصديقة". يضيف إلى ذلك التحدي الأكبر الذي يتمثل في خوض صراع قتالي عن قرب مع مقاتلي المقاومة الفلسطينيين، الذين يظهرون شجاعة وإصرارًا على التضحية يجعلهم يتفوقون في هذه المواجهة.