29-أكتوبر-2023
غزة

"Getty" يواصل الاحتلال الإسرائيلي قصفه الهمجي على غزة

الترا فلسطين| فريق التحرير

انعزل قطاع غزة عن العالم الخارجي مساء الجمعة، بعد انقطاع شبكة الاتصالات بسبب قصف العدوان الإسرائيلي الممنهج للقطاع، في مسعى منه لإضفاء المزيد من التعتيم على المجازر والفظائع التي يرتكبها بحق أهالي غزة.

 لكن ما لبثت أن عادت شبكات الاتصال للعمل بشكل جزئي وتدريجي صباح الأحد، فما هي أسباب قطع الاتصالات، وكيف عاد القطاع للتواصل مع العالم الخارجي ولو بشكل جزئي، وكيف نجحت بعض وسائل الإعلام في التواصل مع مراسليها خلال فترة الانقطاع؟

قصفٌ وعزلةٌ وظلام

في مساء الجمعة الـ27 تشرين الأول/أكتوبر، واصلت قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائمها بقصف مكثّف وشرس على مناطق قطاع غزة المحاصر، والذي قُطعت عنه الكهرباء منذ بداية حرب غزة 2023، وزاد الأوضاع مأساوية هو قطع الاتصالات عنه بشكل تام، ما أسفر عن عزلته عن العالم الخارجي من جهة، وقطع الاتصالات داخل القطاع، ما زاد من صعوبة إسعاف المصابين، وعلى سبيل المثال أصبح التواصل مع الأطقم الطبية للإبلاغ عن أماكن ضحايا القصف تحت الأنقاض شبه مستحيل.

تناولنا في تقرير سابق بألترا فلسطين تفاصيل انقطاع شبكات الاتصال عن القطاع، فوفقًا لمرصد الإنترنت "نت بلوكس"، فإن "بيانات الشبكة الحية أظهرت انهيار الاتصال في قطاع غزة مع تأثير كبير على شركة بالتل، وسط تقارير عن قصف عنيف؛ الشركة هي آخر مشغل رئيسي متبقٍ يقدم الخدمة مع تراجع الاتصال"

كما أعلنت شركة "أوريدو فلسطين"، عن انقطاع خدماتها عن قطاع غزة، بسبب "توقف خطوط الرئيسية المغذية لكافة شبكات الاتصالات". وكذا قالت شركة "جوال"، التي أكدت إن القصف "الشديد في الساعة الأخيرة، تسبب بتدمير جميع المسارات الدولية المتبقية التي تصل غزة بالعالم الخارجي، بالإضافة للمسارات المدمرة سابقًا خلال العدوان".

تحذيرات ومخاوف

الاستهداف المقصود من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي لمشغلات الاتصال أسفر عن انقطاع غزة عن العالم الخارجي، ما خلّف ردود فعل غاضبة على الصعيدين الدولي والأممي، كما شهد هذا الحدث اهتمامًا من بعض وسائل الإعلام الغربية، حيث نقلت صحيفة الغارديان عن رئيس وزراء اسكتلندا حمزة يوسف فقدانه التواصل مع والدي زوجته، واللذان يحاصران في قطاع غزة شأنهما شأن أكثر من مليوني فلسطيني، إذ قال رئيس الوزراء الأسكتلندي: "من الواضح أننا لم نسمع منهم منذ شدة القصف الليلة الماضية "الجمعة"، ويمكنك أن تتخيل مدى قلقنا الشديد، ولكي نكون صادقين، لا نعرف ما إذا كانوا على قيد الحياة أم ميتين".

كذلك أسفر قطع الاتصالات في غزة عن تنديد واسع دوليًا ومن قبل العديد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة،  فعلى سبيل المثال قالت وزيرة الحقوق الاجتماعية الإسبانية بالإنابة إيوني بيلارا، إن "قطع إسرائيل الاتصالات عن غزة هدفه ارتكاب المزيد من الفظائع والإفلات من العقاب"، فيما حذّرت وكالات تتبع للأمم المتحدة من وقع قطع الاتصال من قبل قوات الاحتلال، وأبدت خشيتها على مصير أهالي قطاع غزة المقطوعين عن العالم الخارجي، وكشفت عن فقدان تواصلها مع موظفيها وطواقمها في القطاع، أبرز هذه التحذيرات والمخاوف من قطع شبكة الاتصالات تجدونها في هذا التقرير.

الحلول البديلة

انقطعت غزة عن العالم الخارجي يومي الجمعة والسبت، ومع ذلك يظهر بعض الصحفيون في شبكات التلفزة بمداخلاتهم من داخل القطاع، ويكون الظهور مرئيًا أو صوتيًا في أغلب الأحيان. هؤلاء تمكنوا من إجراء الاتصالات ولو بصعوبة مع العالم الخارجي، فهم لا يعتمدون فقط في اتصالاتهم على شبكتي الاتصال المحليتين "أوريدو وجوال"، بعضهم لديه شرائح هواتف دولية وتم تفعيل خاصّية التجوال فيها، وآخرون وهم نادرون كانوا يمتلكون أجهزة اتصال مرتبطة بشكل مباشر بالأقمار الصناعية.

كذلك عانت بعض المحطات الفضائية في تقديم البث المتلفز، فحسب تقرير لبي بي سي البريطانية، فإن البث عبر القنوات الفضائية كان ممكنًا بشكل محدود بالاعتماد على البث التقليدي عبر الأقمار الصناعية، بحيث تنتقل الإشارة، صوتًا وصورة من غزة عبر قناة بث محددة لكن في اتجاه واحد. يصل صوت المراسل وصورته، لكنه لا يستطيع استقبال صوت أو صورة من القناة التي يراسلها إلا عن طريق هاتف بالتوازي مع البث، يكون موصولا بالأقمار الصناعية مباشرة ولا يعتمد على شبكات الاتصال العادية في حال انقطاع الاتصالات. وهو ما يفسر لنا إمساك بعض المراسلين التلفزيونيين لهواتف محمولة أو أجهزة لا سلكية  خلال القيام بمداخلاتهم.

غزة
مراسل التلفزيون العربي باسل خلف يستخدم هاتفه في نقل صوت المسعفين خلال فترة انقطاع الاتصالات

ومن أبرز الحلول البديلة التي تم المطالبة بها كانت شبكة اتصالات "ستارلينك"، حيث ساهم إيلون ماسك في إيصال خدمة الإنترنت عبر الأقمار الصناعة إلى أوكرانيا، في أعقاب الحرب الروسية على كييف، وأصبحت الخدمة أساسية للجيش الأوكراني، ليطالب المغردون على موقع إكس إيلون ماسك مالك شبكة الاتصالات هذه إلى تنفيذ إجراء مماثل في غزة.

وهنا قال الملياردير ومالك منصة "إكس" وستارلنك إيلون ماسك، أنه سيعمل على إيصال الإنترنت إلى منظمات الإغاثة المعترف بها في قطاع غزة، لترد قوات الاحتلال عبر وزير الاتصالات: "ستستخدم إسرائيل كل الوسائل المتاحة لها لمحاربة ذلك. سوف تستخدمها حماس في أنشطتها"، مهددًا بقطع التواصل مع شركة "ستارلينك"، وهو أمر يؤكد بوضوح أن قوات الاحتلال تقصّدت قطع الاتصالات عن القطاع. المزيد من التفاصيل عن قدرة إيلون ماسك إيصال الإنترنت إلى غزة، وإمكانية حدوث ذلك تقنيًا، تجدونها في هذا التقرير.

العودة التدريجية

الاتصالات عادت بشكل تدريجي صباح الأحد، بعد سلسلة من التصليحات التي أجرتها شركات الاتصال قدر المستطاع من إمكانيات، حيث أعلنت شركة الاتصالات "جوال"، عودة خدمات الاتصال والإنترنت للعمل بشكل تدريجي في قطاع غزة. وقالت الشركة في منشور على منصة إكس: تعلن عن عودة خدمات الاتصال "الثابت والخلوي والإنترنت" للعمل بشكل تدريجي، والتي تم فصلها عن قطاع غزة نتيجة للعدوان يوم الجمعة 27/10/2023". وأضافت "أما بخصوص الشبكة الداخلية في القطاع، وبالرغم من خطورة الوضع الميداني فإن طواقمها الفنية كانت ولا زالت تعمل كل ما بوسعها لإصلاح ما أمكن من الأضرار التي حلت بالشبكة، قدر المستطاع وضمن ما هو متوفر من إمكانيات".

 كذلك أكد مرصد نيت بلوكس المختص برصد الوصول إلى شبكة الإنترنت وصول الشبكة من جديد للقطاع، فجاء في تغريدة نشرها المرصد: "تظهر بيانات الشبكة في الوقت الفعلي أنه تتم استعادة الاتصال بالإنترنت في قطاع غزة، تعطلت الخدمة يوم الجمعة وسط قصف عنيف من قبل إسرائيل، مما أدى إلى عزل معظم السكان عن العالم الخارجي في لحظة حرجة".

وفقًا لهذه المعطيات، ومع استمرار الحملة الشرسة التي تقوم بها قوات الاحتلال، والتي تستهدف بها المدنيين والبنى التحتية، يبدو أن قطاع الاتصالات في قطاع غزة سيبقى تحت تهديد دائم، وحتى الحلول الإسعافية التي استطاعت إعادة الاتصالات تدريجيًا وبشكل جزئي، قد لا تكون كافية مع مواصلة الاحتلال لاستهدافه لبنية الاتصالات التحتية، لينضم قطاع الاتصالات إلى مفاصل أساسية أخرى في الحياة حُرم منها الغزّيين، أو على الأقل لم تعد متوافرة بشكل مضمون، فالقطاع محاصر يعاني أهاليه من شدة النقص في المياه والغذاء والوقود والأدوية، وكلّ ذلك يحدث أمام مرأى العالم كلّه دون أي تحرّك فاعل لكبح جماح الاحتلال في ارتكاب جرائمه ضدّ الإنسانية.