06-أكتوبر-2022
توضيحية

"احنا مدرسة خاصة، وأهل الأطفال الآخرين بدفعوا مصاري، وممكن يكون عندهم اعتراض على وجود أطفال مختلفين لاعتقاد الأهل بتأثيرهم على جودة التعليم". كان هذا أحد الردود التي تلقتها لورا ثيدوري وهي تحاول تسجيل طفليها التوأم كنان وكيان (٦سنوات) -المصابان بأطياف توحد- للدراسة.

توجهت لورا لأكثر من ١١ مدرسة خاصة في محافظتي القدس ورام الله والبيرة، إلا أنها لم تجد إلا مدرسة واحدة قبلت استقبال طفليها. وخلال محاولاتها المتكررة لتسجيل طفليها تلقت العديد من الردود من هذه المدارس مثل: "احنا كمدرسة ما منقبل هيك أولاد" و"احنا مهيئين نستقبل، بس ما إلهم مكان، ولا أولوية"، و"احنا مهيئين نستقبل، بس مناهجنا التعليمية فيها ملائمة لسن محدد، وبعدين لازم تلاقوا مدرسة تانية".

توجهت لورا لأكثر من ١١ مدرسة خاصة في محافظتي القدس ورام الله والبيرة، إلا أنها لم تجد إلا مدرسة واحدة قبلت استقبال طفليها، وعدد من هذه المدارس لم يفكر حتى بمقابلة الطفلين

إحدى المدارس طلبت إعادة تقييم وضع كنان وكيان صحيًا، قائلة: "أنتم أكيد غلطانين بالتشخيص، التوحد يشخص بعد عمر 10 سنوات". غير أن عددًا من هذه المدارس لم يفكر حتى بمقابلة هؤلاء الطفلين  لتقييم وضعهم بشكل مبدأي.

حدث هذا كله رغم أن كنان وكيان تخرجا من روضة علاجية خاصة ومرخصة، "أهَّلتهما للاندماج والانضمام للمسيرة التعليمية الأكاديمية ضمن تقييمات ومعايير عالمية" بحسب ثيودوري.

كنان وكيان ليسا فقط اللذان واجها هذا الإقصاء، فالطفل أحمد اطميزه قُبِلَ على مضض ولفترة تجريبية مدتها شهر، فقط بسبب قصر قامته، على أن يتم "تقييم وضعه" واتخاذ قرار بقبوله أو رفضه،  الأمر الذي أثار استياء العائلة، فبحثت عن مدرسة أخرى قبلت به دون شرط.

ولم تكن تجربة الطفلة تيا الترتير (4 سنوات) أفضل من سابقيها، وهي المصابة باضطراب اتصال وتواصل وصعوبات في النطق، إذ حاولت عائلتها تسجيلها في سبع مدارس خاصة في رام الله، لكن طلباتها قوبلت بالرفض، وقد حظيت بفرصة مقابلة لـ20 دقيقة في مدرسة واحدة فقط منهن، جاء على أثرها القرار بأنه "لا يمكن دمجها مع بقية الطلاب في المدرسة".

يقول يزن الترتير، والد تيا، إن مركز الأميرة بسمة أكد أن حالتها ليست أطياف توحد بل اضطراب اتصال وتواصل، مضيفًا  أن  مركزين متخصصين  في القدس ورام الله أوصيا بإدماج تيا ضمن المدارس العادية كجزءٍ من علاجها، لتتعلم مهارات الاتصال والتواصل من الأطفال المحيطين بها، وهو ما أوصت به أيضًا أخصائيةٌ في وزارة التربية والتعليم.

وأضاف، أن المركزين أبديا استعدادها لتقديم تقارير وتوصيات لهذه المدارس من أجل قبولها، إلا أن المدارس التي توجه إليها يزن مع طفلته تيا لم تمنحهم هذه الفرصة. في النهاية، حظيت تيا بالقبول لدى إحدى المدارس الخاصة. ويتطلع والدها لأن يتم التعامل مع طفلته على أساس استثمار بشري وإنساني يُعطي المدرسة التي قبلتها قصة نجاح في كيفية المساهمة في علاجها.

وفي الوقت الذي يبحث فيه أهالي الأطفال ذوي الإعاقة عن رعاية خاصة لأطفالهم ضمن بيئة إدماج آمنة، يثير ذلك تساؤل إن كانت المدارس الخاصة ملزمة باستقبال هؤلاء الأطفال أم لا؟ أجاب على هذا السؤال، زياد عايش رئيس نقابة المدارس الخاصة ورياض الأطفال في محافظة رام الله والبيرة قائلاً إن المدارس الخاصة ملزمة باستقبال أي طالب إلا من لديه إعاقة ذهنية، فهو بحاجة لتقرير طبي يفيد بحالته، وموافقة مسبقة من قبل وزارة التربية والتعليم.

أوضح عايش، أن هناك بندًا في النظام الداخلي لنقابة المدارس الخاصة يُلزم بإدماج كافة الحالات الخاصة مع بقية الطلاب، إلا أنه يحق للمدرسة رفض الطلاب العدوانيين الذين قد يقومون بضرب أي شخص، فهؤلاء بحاجة لمدارس خاصة للإعاقة

وأوضح عايش، أن هناك بندًا في النظام الداخلي لنقابة المدارس الخاصة يُلزم بإدماج كافة الحالات الخاصة مع بقية الطلاب، إلا أنه يحق للمدرسة رفض الطلاب العدوانيين الذين قد يقومون بضرب أي شخص، فهؤلاء بحاجة لمدارس خاصة للإعاقة.

وفي حالة الأطفال كنان وكيان أشار عايش أنه يتوجب على العائلة تقديم تقارير طبية وتقارير من التربية والتعليم والتعليم العالي ولا يمكن الاعتداد بشهادة الروضة المعالجة أو أي مدرسة أخرى. لكن الإشكالية التي لاقتها لورا ثيودوري في عملية قبول طفليها، وفق ما أفادتنا به، أن العديد من المدارس لم تمنحها فرصة لمقابلة أطفالها وتقييمهم أو حتى طلب أي تقارير طبية تفيد بوضع أبنائها ليقرروا فيما بعد قبولهم أو رفضهم.

وبينما تذرعت بعض المدارس بأن طاقمها غير مؤهل للتعامل مع أطفال التوحد، يؤكد عايش وجوب أن تكون المدارس الخاصة مؤهلة للتعامل مع أطفال التوحد والحالات الخاصة.

وتظهر نتائج المسح التي أجراها جهاز الإحصاء المركزي الفلسطيني عام ٢٠٢٠ أن حوالي 10% من الأطفال ذوي الإعاقة في الفئة العمرية 5-17 سنة غير ملتحقين بالتعليم حاليًا. وشكل الذكور النسبة الأعلى من الأطفال غير الملتحقين بالتعليم، بنسبة 69% مقارنة بحوالي 31% من الإناث.

من جانبه، مدير التعليم المدرسي في وزارة التربية والتعليم طارق علاونة يقول إن الإدماج  في المدارس للطلاب ذوي الإعاقة يأتي بعد الصفين التاسع والعاشر، بحيث يكون الطالب التحق بالتعليم الأساسي بما يتناسب مع إعاقته، ثم يتم دمجه بعد ذلك في المدارس الحكومية والخاصة ليستكمل المرحلة الثانوية من دراسته ضمن ظروف موائمة ومناسبة لهم.

مدير التعليم المدرسي في وزارة التربية والتعليم طارق علاونة يقول إن الإدماج  في المدارس للطلاب ذوي الإعاقة يأتي بعد الصفين التاسع والعاشر، 

وأكد علاونة، أنه في الأصل يتوجب على جميع المدارس بكل أنواعها أن تتبنى دمج ما يمكن من ذوي الإعاقة في الصفوف الدراسية العادية، مع مواءمة المباني والكتب ولغة تواصل وكل ما يحتاجه الطلاب من ذوي الإعاقة، لتسهيل تعليمهم وتعلمهم.

وأفاد أنه لا يوجد أي ورقة أو وثيقة يحتاجها ذوو الإعاقة من وزارة التربية والتعليم كشرط لقبولهم في المدارس. أما التقرير الطبي فتصدره جهات الاختصاص الصحية، ويُرفق مع ملف الطالب، "والهدف منه أن تعمل هذه المدرسة لمواءمة مرافقها وطواقمها بما يناسب الحالة الصحية لهذا الطالب".

لكن خلافًا لما يقوله علاونة حول الوقت المناسب لدمج الأطفال ذوي الإعاقة، فإن وضاح ملحيس رئيس فريق التاهيل الطبي في مركز الأميرة بسمة للتأهيل في القدس يؤكد أن التوجه العالمي حاليًا يدفع باتجاه إدماج الأطفال الذين لديهم إعاقات وصعوبات تعلم بسيطة في المدارس العادية منذ السنوات الأولى، وليس بعد الصف العاشر، "ضمن آلية التعليم الجامع، مع تهيئة الظروف لهؤلاء الأطفال وإيجاد طرق أخرى لتقييمهم مختلفة عن طرق تقييم بقية الأطفال" حسب قوله.

وتابع: "مثلاً، الأطفال الذين لديهم مشاكل في النطق يجب إيجاد طريقة أخرى لتقييمهم في اختبار القراءة على سبيل المثال"، مؤكدًا أنه يتوجب على كل مدرسة تتبنى سياسة الإدماج أن يكون لديها معالجٌ وظيفيٌ، ومعالج نطق، وأخصائي تأهيل، وغرفة مصادر، ليتمكنوا من مساعدة الطفل.

وأشار ملحيس إلى أن الإعاقات التي لا يمكن إدماجها في التعليم الأساسي هي الإعاقات الشديدة التي يكون الطفل فيها غير قادر على الامتثال لأي أوامر، أو ليس لديه القدرة على التعلم، وقد وصل لعمر متقدم ومايزال غير قادر على قضاء حاجته بنفسه.

أكد ملحيس، أن الإعاقات التي لا يمكن إدماجها في التعليم الأساسي هي الإعاقات الشديدة التي يكون الطفل فيها غير قادر على الامتثال لأي أوامر، أو ليس لديه القدرة على التعلم، وقد وصل لعمر متقدم ومايزال غير قادر على قضاء حاجته بنفسه

من جانبه، اتحاد ذوي الإعاقة، يرى أيضًا أن الإدماج للأطفال ذوي الإعاقة يجب أن يكون في سن مبكرة ومن السنوات التعليمية الأولى. لكن حمزة ناصر، مدير فرع رام الله والبيرة في الاتحاد يؤكد أن واقع المؤسسات التعليمية يحول دون هذا الإدماج، "فهي ليست مجهزة لا من حيث الأبنية والمرافق ولا حتى الطواقم التعليمية للتعامل مع ذوي الإعاقة، ليس فقط حالات التوحد أو صعوبات التواصل والنطق، وإنما أيضًا المصابين بإعاقات بصرية وسمعية وحركية".

وقال ناصر، إن البنية المجتمعية للطلاب في أعمار صغيرة أيضًا لم يتم تهيئتها للتعامل مع زملاء من ذوي الإعاقة بالشكل الصحيح، "ولذلك يمكن القول إن الدمج يجب أن يكون بعد الصف الرابع وفي أقصاه للصف السادس، لكن يجب أن لا يتعدى الطالب هذا الصف بدون إدماج"، خلافًا لما تراه وزارة التربية والتعليم.

يُذكر أن قانون رقم (4) لسنة 1999م نص في المادة (10) - الفقرة الخامسة في مجال التعليم على ضمان حق ذوي الأعاقة في "الحصول على فرص متكافئة للالتحاق بالمرافق التربوية والتعليمية وفي الجامعات ضمن إطار المناهج المعمول بها في هذه المرافق.

وينص القانون على: "توفير التشخيص التربوي اللازم لتحديد طبيعة الإعاقة وبيان درجتها. وتوفير المناهج والوسائل التربوية والتعليمية والتسهيلات المناسبة. وتوفير التعليم بأنواعه ومستوياته المختلفة للمعوقين بحسب احتياجاتهم. وإعداد المؤهلين تربويًا لتعليم المعوقين كل حسب إعاقته".

ويعلق حمزة ناصر بأن هذا القانون "قديم وينقصه العقوبات الجزائية التي من شأنها حفظ حقوق ذوي الإعاقة".