نشرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، تقريرًا مطوّلًا، تناول المزارع الاستيطانيّة الإسرائيلية الهادفة لطرد الفلسطينيين، وتضمّن شهادات "مخيفة" عن اعتداءات، ينفذها مستوطنون مسلّحون في الضفة الغربية، وذلك تحت عنوان "سنأتي من كل اتجاه، ونشن عليكم الحرب".
تنتشر في الضفة الغربية 90 مزرعة رعوية استيطانية، أقيم أكثر من 20 منها العام الماضي وحده، تهدف "إسرائيل" من ورائها لتهجير الفلسطينيين.
وكتبت الصحيفة الإسرائيلية، أنّ "مزرعة الرّعاة الاستيطانيّة الصغيرة" التي أنشئت جنوب الخليل، تشرح قصّة هذه المزارع. فمنذ وصول المستوطنين، "طار النوم" من أعين الفلاحين الفلسطينيين الذين يعيشون في كهوف وأكواخ محفورة في الصخر بمسافر يطا، إذ ليلًا؛ يداهمهم المستوطنون المسلحون ويرهبونهم، يأخذون طعام المواشي، ويسكبون المياه الشحيحة أصلًا، ويسرقون المقتنيات، ومنها "الحمار الخاص بهم"، ويقول أحد السّكان، إن المستوطنين "يسعون لبثّ الخوف في نفوسنا.. يريدون الرحيل منا".
وأوضحت الصحيفة: "بدأت آخر فصول الكابوس قبل شهر، تقريبًا، كان الوقت مبكرًا في المساء، ولم تكن الشمس قد غربت بعد فوق التلال في الغرب، عندما رأى المزارعون في مسافر يطا، جنوب جبل الخليل، قافلة من الشاحنات وسيارات الجيب تتحرك على طريق ترابي. قلوبهم لم تستبشر خيرًا، إنهم يعرفون هذه الممارسة بالفعل. وكانت كل مركبة تجر عربة تحمل المعدّات، وكل ما يلزم لإنشاء مزرعة استيطانية للرعاة: أغنام وأكوام من القش وقضبان حديدية ومعدّات بناء".
اقرأ/ي أيضًا: باختصار.. هذا ما يجري في مسافر يطا
يقول معدّ التقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت": عندما ذهبنا هذا الأسبوع إلى صهيب أبو عرام الذي يسكن خربة الحلاوة، توقفنا للحظات أمام التلة التي أقيمت عليها المزرعة الاستيطانية. يوجد بالفعل سياج، وخيمة مركزية، وخيمة أصغر تستخدم على الأرجح للعيش، وخزّان مياه، وأكوام قش، وألواح طاقة شمسية، وأحصينا شاحنتين وثلاثة رجال.
وفي يوم احتلال المستوطنين للتل، يقول أبو عرام: كان الطريق مغلقًا، اعترضتنا شاحنة من الغرب وشاحنة أخرى من الشرق. كان المستوطنون الذين يرتدون القبعات الدينية والمسلحين ببنادق طويلة، يتأكدون من عدم اقتراب أحد. ويضيف: "ثم بنوا خيمة، وأنزلوا حوالي 250 خروفًا من العربات. ولم يأتوا إلى هذا التل عبثًا أبدًا. هناك بئر ماء على هذا التل، هذا بئرنا، ومن هناك نسقي قطعاننا، ومن هناك نحصل على الماء إلى بيوتنا".
ومنذ اليوم الأوّل لصعود المستوطنين على التلّ، لم يعد يُسمح لصهيب أبو عرام بالوصول إلى البئر. ويقول إنّ الشرطة الإسرائيلية أخبرته بأنها ستقوم بإبلاغه بالتطوّرات.
ويقطن سكان المنطقة في كهوف محفورة في الصخر، وفي أكواخ حجرية وبيوت من الصفيح. وتقول الصحيفة إن "معظم الإسرائيليين لا يعرفون شيئًا عن مصاعب الحياة التي يعيشها الفلسطينيون في المنطقة، وعن الفقر، كما أنه ليس عبثًا أن مسافة السفر هنا من مكان إلى آخر يتم حسابها وفقًا لـ’سرعة الحمار’".
ومنذ اندلاع الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تم وضع حواجز جديدة وإقامة سواتر ترابية تسد الطرق، وتجعل من الصعب على المركبات التحرك. فيحدث، على سبيل المثال، أنه من أجل إحضار الطعام إلى القطيع أو الماء، يلزم القيام برحلة مدتها نصف يوم، تتضمن تغيير عدة مركبات، هذا دون الحديث عن صعوبات كسب الرزق بعد منع العمّال من الدخول إلى الخط الأخضر، وصعوبة شراء المواد الغذائية الأساسية وزيادة الاعتماد على منظمات الإغاثة والتبرعات.
وقبل قدوم المستوطنين للاستيطان في التلّة القريبة، حاول جيش الاحتلال طرد السّكان من المكان، وأعلنته "إسرائيل" منطقة تدريبات عسكرية بعد حرب حزيران/يونيو 1967، وفي عام 1999 أجبرت سكان 19 قرية صغيرة منتشرة في المنطقة على إخلائها، لكنّهم قدّموا التماسًا إلى المحكمة العليا، التي أصدرت أمرًا مؤقتًا بالسماح لهم بالعودة إلى منازلهم.
وفي أيار/ مايو 2022، رفضت المحكمة العليا الالتماس ضدّ أمر الإخلاء، و"إسرائيل ليست في عجلة من أمرها لإجلائهم"، وربما يكون ذلك لأن دول الاتحاد الأوروبي وحكومة الولايات المتحدة تراقبان ما يحدث في هذا المكان النائي ويضغطون على إسرائيل للامتناع عن طرد الفلسطينيين، وربما لأن "إسرائيل" ليست مضطرة إلى التحرّك رسميًا لإجبار الفلاحين على مغادرة منازلهم، وهذا هو الغرض من مزرعة الرعاة الاستيطانية، وفق "يديعوت أحرونوت".
وبحسب "يديعوت أحرونوت"، يوجد حوالي 90 مزرعة رعوية استيطانية في جميع أنحاء الضفة الغربية، أنشئ 20 منها العام الماضي وحده، والمستوطنون الذين يقطنونها يتواجدون على مساحة تصل إلى نحو 650 ألف دونم، معظمها في مناطق (ج) بالضفة الغربية، والهدف الأساس هو "طرد الفلسطينيين من مناطق الرعي والزراعة والاستيلاء على المنطقة بأكملها"، ما تسبب بتهجير نحو 35 تجمّعًا فلسطينيًا بسبب عنف المستوطنين.
وأعلن الأميركيون والأوروبيون فرض عقوبات على ستة من أصحاب المزارع الرعوية الاستيطانية، لكن ذلك لم يمنع وزير المالية الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموتريتش من التصريح بأنه بعد عودة ترامب إلى البيت الأبيض، "سيكون عام 2025 عام السيادة في يهودا والسامرة (الاسم التوراتي للضفة الغربية)".
وتحكي المزرعة الاستيطانية التي أنشئت قبل شهر في المنطقة النائية جنوب الخليل، القصة الكبيرة، وفق الصحيفة الإسرائيلية. ومنذ تأسيسها، يعاني الفلسطينيون من المضايقات بشكل شبه يومي. ويقول أبو عرام إنه اتصل بـ "الإدارة المدنية" الإسرائيلية والشرطة ذلك المساء، موضحًا "قلت لهم إن المستوطنين احتلوا واستوطنوا أرضًا زراعية تابعة لنا. ولدينا أوراق تثبت ملكيتنا الأرض". وأضاف: "قالت لي الشرطة: تعال إلى مركز الشرطة في كريات أربع في الصباح وقدم شكوى".
شخصية أخرى من هناك، هي أبو عاصم، الذي تحدث للصحيفة الإسرائيلية، وكان يشير نحو التل الذي أقيمت فيه المزرعة الاستيطانية، قائلًا: "استغرق الأمر بضعة أيام لتجميع الأشخاص الذين لديهم أرض هناك، وذهبنا إلى الشرطة لتقديم شكوى. وقالت لي الشرطة: سنبلغك بالتطورات".
وعرض أبو عاصم نماذج الشكوى المقدمة في 20 تشرين الأول/أكتوبر. ويقول إنه ليس لديه أي فكرة عمّا إذا كانت الشرطة الإسرائيلية، قد اتخذت أي إجراء، ولم يبلغه أحد بذلك.
أبو عاصم من قرية جنبا لديه زيتون هناك. يقول إن لديه أيضًا ثلاث دونمات من الزيتون هناك. وقد جلب المستوطنون أغنامهم لتأكل الأشجار ويدمرونها. ولكن هنا بدأت المشكلة للتو؛ وبعد أربعة أيام من احتلالهم التل جاءوا إلى منازلنا. في البداية دخلوا منزلي، لأنني أول منزل في القرية، وعبثوا فيه. لقد قاموا بالعبث بخزانة الملابس وسرقوا الفرش والبطانيات والوسائد"، مضيفًا: "لقد سرقوا الفرشات، وأخذوا وسائد الأطفال وبطانياتهم. سرقوا حمار جارنا. افهموا، الحمار هو سيارتنا".
ويعيش في هذه الخربة 100 شخص، معظمهم من الأطفال. وحتى شهر مضى، كان في القرية 7 حمير. الآن هناك 6 فقط. ياسر الجار الذي سرق منه الحمار، يقول إنها خسارة كبرى. يعرف المستوطنون مدى أهمية الحمار بالنسبة لنا، ولهذا السبب يسرقون الحمير. يكلف الحمار 1500-2000 شيكل، حسب عمره. نركبه إلى الطبيب، للتسوق، في كل مكان.
حتى الحمير سرقها المستوطنون
"هذا الحمار الذي سرقوه، كنت أسميه فستق كان عمره 6 أشهر فقط، وكانت حياته كلّها أمامه. يمكن للحمار أن يعمل حتى سن الثامنة أو العاشرة، واعتقدت أن ’فستق سيكون معنا’ لسنوات عديدة أخرى، ليس فقط أن حمارنا سُرق، بل هناك خوف. في تلك الليلة تحدثوا بكلمات بذيئة، وأيقظوا جميع الأطفال وقالوا إنه من الآن فصاعدًا سنشن عليكم حربًا"، بحسب ما ورد.
"لقد عدت للتوّ سيرًا على الأقدام من خربة الفخيت"، يقول محمد أبو عرام، ويضيف: "كنت أسير على الطريق الرئيسي، الطريق الترابي الذي يسير عليه الجميع، وجاء أمامي خمسة مستوطنين سيرًا على الأقدام، خرجوا من الطريق المزرعة الاستيطانية هناك، من المكان الجديد، ودون أن يتحدثوا معي، هاجموني على الفور، وركلوني وصفعوني على وجهي وسرقوا هاتفي، ومنذ ذلك الحين لا نسير في هذا الطريق بمفردنا، على الأقل مع شخصين أو ثلاثة. حتى يكون بإمكاننا الاعتناء ببعضنا البعض".
عيسى إسماعيل أحمد من خربة الفخيت، يخبئ الحمار في المغارة، يقول: "لقد رتبت له مكانًا مريحًا، وكل يوم نخرجه قليلًا، ونعطيه الطعام والماء، وفي المساء ندخله إلى الداخل. أخشى أن يُسرق مني أو لا قدر الله أن تُطْلَق النار عليه".
مكان النوم والمطبخ موجودان في الكهف. وفي الخارج تزرع زوجته الفلفل والبامية والسبانخ والزعتر والمريمية. لديه 450 خروفًا و29 ماعزًا وجملًا واحدًا، ولكن منذ أن ظهرت المزرعة الاستيطانية الجديدة على التل المقابل، فهو لا يأخذ أغنامه للرعي.
يقول: "لم أنتقل إلى أي مكان منذ وصولهم. خوفًا من أنني بالكاد أستطيع التنفس. وأخشى أن يأتوا إلينا ليلًا، ويعبثوا المنزل ويسرقوا مقتنياتنا. في الأيام القليلة الأولى حاولت الخروج مع القطيع، لكن المستوطنين خرجوا إلينا مباشرة، ورشقوا الغنم بالحجارة وهددوني، ومنذ ذلك الحين لم أتحرك ولو مترًا، وتعلمت أنه لا يُسمح لي بالخروج مع القطيع".
يضيف عيسى: "اشتريت 20 بالة من القش، تزن كل منها نصف طن. سعر طن القش 1400 شيكل. وعندما أحضرت البالات، جاء مستوطن ومعه 200 رأس من الغنم. وخلفه كانت هناك شاحنة تقل خمسة مستوطنين ومركبة أخرى مع رجلين يرتديان الزي العسكري، قام المستوطن الذي أحضر القطيع بتقطيع بالات القش واحدة تلو الأخرى، ثم نثر القش على الأرض، وترك أغنامه تأكل كل شيء. ذهبت بالسيارة مع الجنود، واعتقدت أن الجيش سيساعدني، فقلت انظروا ماذا يفعلون بي، فأجاب أحدهم: لا نرى أي مشكلة. ويوم الخميس الماضي، جاء مستوطن من هناك وفتح صنبور خزان المياه، وترك المياه تتدفق. ولم أقل كلمة واحدة؛ لأنني كنت خائفًا من أن يقول إنني هاجمته. لقد أحضرنا ثلاثة أكواب من المياه من يطا مقابل مبلغ 300 شيكل على الجرار، ربما يكفي ليومين، إنه مال لا نملكه، ولكن فلتذهب إلى الجحيم، فالخوف هو الشيء الكبير. الأطفال يخافون الذهاب إلى المدرسة؛ لأن مستوطنين من التلة الجديدة أوقفوا الحافلة وأخافوا الأطفال".
وجاء في شهادة ناصر عابد الذي يجمع ثمانية تلاميذ، ويوزعهم في خربة الحلاوة ومغاير العبيد على متن سيارة: "قبل حوالي أسبوعين في طريق العودة من المدرسة الواقعة في البخيت، وعلى الطريق كانت هناك شاحنة وبجانبها ثلاثة مستوطنين. اضطررت للتوقف. كان أحدهم يحمل سلاحًا طويلًا، واقترب مني آخر من خلال النافذة، وسألني إذا كان لدينا ماء. قلت: لا يوجد ماء، وليس لدي سوى أطفال في السيارة. ذهب المستوطن إلى صندوق الحافلة، بينما كان ينظر داخل السيارة إلى الأطفال. كانوا خائفين، خائفين من التنفس، من النطق بكلمة. كان أحد الأطفال يحمل زجاجة ماء، فأخذوها منه. من صندوق السيارة أخذوا قنية ماء وعلبة غاز صغيرة وعلبة قهوة، نفس السيارة التي كانت واقفة هناك على الطريق، تأتي إلينا أيضًا في الليل لتخويفنا، وتوجّه أضواء ساطعة نحو منازلنا".
ويعرض أهالي القرية مقطع فيديو التقطته الكاميرا الأمنية للمدرسة في الفخيت يوم السبت الماضي. ويظهر فيه 6 مستوطنين بوجوه ظاهرة، يدخلون مجمع المدرسة سيرًا على الأقدام، ويقومون بجولة فيه. يقول سائق الحافلة نصار: "لم يكن هناك أطفال في ذلك الوقت، لكن الرسالة واضحة. إنهم مثل أصحاب المكان. يأتون أثناء النهار، وليس في الليل، وبدون أقنعة. لقد أظهروا أنه يمكنهم الذهاب إلى أي مكان، إنهم يدخلون إلى أي مكان، حتى إلى المدرسة."
وفي شهادة سلامة مخامرة من مغاير العبيد الذي يبلغ من العمر 60 عامًا، وهو أب لثلاثة أبناء وسبع بنات: "مساء يوم السبت قبل أسبوعين، وصل مستوطن شاب مسلح بسلاح طويل إلى مجمع الكهف الذي تعيش فيه العائلة. ركب مركبة رباعية الدفع وسار في المنطقة الواقعة بين الحظيرة والمنزل، ما أثار الغبار. ويشير إلى أن "بناتي وزوجة مصلح، ابني الأكبر، كانوا يجلسون هنا في الخارج هربوا إلى الكهف بسبب الخوف. وبسبب الضغط، تعثرت زوجة مصلح وسقطت. وكانت تحمل طفلها البالغ من العمر 8 أشهر بين يديها، والذي سقط وتلقى ضربة على رأسه. وكان في المستشفى. في الخليل لمدة 5 أيام، دفعنا ما يقرب من 5,500 شيكل مقابل العلاج وقال الأطباء إنه يجب عليّ الحضور للمتابعة، وكل زيارة إلى المستشفى تكلف 300 شيكل. إنه خوف يصعب وصفه، خوف. من كل لحظة".
ويضيف مخامرة: "انظروا كيف تورّم كاحلي ساقي اليسرى، وأنا بالكاد أستطيع الوقوف عليه. بالأمس خرجنا مع الأغنام هنا، بالقرب من المنزل. لدي 200 رأس من الغنم وليس لدي المال لشراء الأعلاف والمياه لإطعامهم، عليهم أن يأكلوا في المرعى، لذلك خرجت بهذه الطريقة هنا، بالقرب من التل الجديد، جاءوا على الفور بالشاحنة، ونزلوا من السيارة، والتقطوا صورًا لي وللخروف وصرخوا، وهددوا بقتلهم. ركضوا ورائي وركضت على الصخور، لم أعد شابًا، صرخت لكي تسرع الخراف، ومن الضغط وقعت بقوة وسمعت طرقًا في العظم". ويقول إنه لم يذهب للطبيب، فهو يخشى أن يترك العائلة وحدها، تحسّبًا لقدوم المستوطنين.
ورغم ذلك يقول صهيب أبو عرام، إنّهم سيبقون في أرضهم ولا نيّة عندهم للتراجع، والخروج منها وليس لهم مكان سواها يذهبون إليه، فهم يعيشون هناك منذ أجيال "أسلافنا عاشوا هنا في الكهوف وسنستمر في العيش فيها. ليس الأمر أن هذا المكان ملك لنا، بل نحن ننتمي إليه".