29-أبريل-2024
الجدار الإسرائيلي يلتهم أراضي قرية عكّابة شمال طولكرم

يقف أهالي قرية عكّابة أقصى شمال طولكرم، محدقين بحسرة في أفقها الغربي يستطلعون مستوطنة "حرميش" القريبة جدًا والمقامة على أراضي البلدات المجاورة، يفصلها عنهم جدار الفصل العنصري الذي التهم ألفي دونم من أراضي قريتهم، بما يعادل 80 في المئة من إجماليّ مساحتها، وقد حرمهم الاحتلال جني محاصيلها أو الاقتراب منها بعد عملية طوفان الأقصى يوم السابع من أكتوبر.

"فقدنا الكثير الكثير في هذه الحرب. لدي 40 دونم زيتون تحوي 250 شجرة، لم نصلها نهائيًا ولم نجن ثمارها"

هاني عمارنة (65 عامًا)، مزارع يعتاش مع أبنائه من زراعة أرضه بالقمح والشعير لإطعام مواشيه، لكنّه لم يتمكن من زراعتها "بأي شيء" هذا الموسم، ويضطر الآن لشراء الأعلاف بعد بيع بعض المواشي بأسعار زهيدة، لتوفير المال مثل بقية فلاحي القرية.

المزارع هاني عمارنة
المزارع هاني عمارنة

"فقدنا الكثير الكثير في هذه الحرب. لدي 40 دونم زيتون تحوي 250 شجرة، لم نصلها نهائيًا ولم نجن ثمارها. الأرض مليئة بالعشب، إن جاء الصيف وشبّت فيها النار ستحرقها جميعًا، وشجرة الزيتون إن احترقت لن تعود إلى حالها قبل 10 سنوات" يقول هاني عمارنة.

المزارع محفوظ عمارنة
المزارع محفوظ عمارنة

محفوظ عمارنة (69 عامًا)، يملك مع إخوته 150 دونمًا داخل الجدار يعتمدون عليها كليًا كدخل لهم وحرموا من دخولها أيضًا. يقول: "رزقنا الوحيد داخل الجدار، فيها زيتون ونزرع البندورة والملوخية والدخان، الآن لم يبق لي ولأولادي مصدر رزق، حالنا على الله".

خوف من العودة لنقطة الصفر

عايش المزارعون في عكابة كابوسًا لازمهم لسنوات، بعدما سلبهم الاحتلال حق وصولهم إلى أراضيهم بعد بناء الجدار عليها عام 2002، واستطاعوا بعد تمسك مشهود بأرضهم، ومرافعات منهكة في أروقة محاكم الاحتلال عام 2006 انتزاعَ حق دخولها (جزئيًا) عبر تصاريح بأوقات محددة، لكن الاحتلال منعهم من دخولها مجددًا منذ تشرين أول/أكتوبر 2023.

12 مزارعًا فقط من أصل 150 مزارعًا حالفهم الحظ بدخول أراضيهم لثلاثة أيام لقطف الزيتون الذي يحتاج عادة حوالي شهرين. ودخل المزارعون أراضيهم عبر تصاريح من سلطات الاحتلال، كانت جارية الصلاحية قبل السابع من أكتوبر، بينما لم تُجدد تصاريح البقية، وهو ما حدث في بقية الأراضي التي اعتاد أصحابها دخولها عبر تصاريح في المناطق العازلة بالضفة، وفق هيئة مقاومة الجدار والاستيطان.

يشرح تيسير عمارنة (60 سنة)، رئيس مجلس قروي عكّابة وأحد مزارعيها، فداحة ما تخلفه انتهاكات الاحتلال بحقهم قائلاً: "في الأيام الثلاثة لم أجنٍ سوى أربع تنكات زيت، علمًا أني كنت أجني 150 إلى 180 تنكة في المواسم الوفيرة سابقًا. خسارتي للزيتون وحده باهظة، تعمل لموسم كامل، وفي النهاية تخرج بلا شيء، حتى مونة الدار ما تجيبها".

تيسير عمارنة، رئيس مجلس قروي عكابة 
تيسير عمارنة، رئيس مجلس قروي عكابة

وتابع تيسير عمارنة، "أغلب المزارعين لم يحصلوا على حبة زيتون واحدة، بتقديري خسرنا في القرية هذا العام12-10  طن زيت ألقيت على الأرض، لو استمر هذا الوضع للصيف ستندلع الحرائق كما حدث عام 2005 حين كنا ممنوعين من دخول أراضينا فالتهمت النيران 1500 دونم من أراضي الزيتون، ورغم إعادة تأهيلها لم يعد إنتاجها كما كان، كوننا لا نتواصل معها يوميًا".

الاستيطان يهدد حياة المزارعين أيضًا

يقتطع جدار الفصل 17 ألف دونم من محافظة طولكرم لوحدها وفقًا لوحدة النشر والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان. ويؤكد عاهد زنابيط، مدير الإغاثة الزراعية في شمال الضفة، أن الاحتلال يمنع أصحاب هذه الأراضي من دخولها بعد 7 أكتوبر، عدا عن منع أصحاب الأراضي بجانب الجدار في الضفة من الاقتراب لأراضيهم بحدود 500-200م، ما أدى لتلف المحاصيل أو سرقة المستوطنين لها.

وأوضح عاهد زنابيط، أن جنودًا إسرائيليين أطلقوا النار على المزارعين حين حاولوا الاقتراب من مزارعهم في أكثر من منطقة، "ما عرض حياتهم للخطر" مبينًا، أن الجنود أطلقوا أيضًا القنابل صوب المزارعين، ما أدى لاحتراق دفيئاتهم، وإتلاف شبكات الري، وإحراق المراعي، محدثًا خسائر جسيمة، "وعندما أقول إن الخسائر بالملايين لا أبالغ، بل تفوق الملايين" أضاف زنابيط.

عاهد زنابيط، مدير الإغاثة الزراعية في شمال الضفة
عاهد زنابيط، مدير الإغاثة الزراعية في شمال الضفة

وعلى مدار سنوات تمسك المزارعون في شمال طولكرم بأراضيهم المهددة بالمصادرة رغم انتهاكات الاحتلال بحقهم، "لذا يُعد المزارع المتواجد في المناطق المهددة بالمصادرة خط دفاع أول، أو وزير دفاع، وبالتالي قلع المزارعين منها مقصود لإبعادهم" وفق عاهد زنابيط.

من جانبه، مدير مكتب الشمال في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان مراد شتيوي، أشار إلى أن الاحتلال نفذ سياسة المناطق العازلة في المناطق القريبة من الجدار والمستوطنات، تطبيقًا لقرار وزير المالية الاسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، بتوسعة المناطق العازلة بحجة أمنية، وأضاف، "لكن الهدف الأساسي الأكثر خطورة بالنسبة لنا هو السيطرة على المزيد من الأراضي، مستغلًا العدوان على غزة وانشغال العالم بقضايا إقليمية لتنفيذ مخططاته الاستيطانية".

وقال اشتيوي: "نوجِّه المواطن الذي منع من دخول أرضه إلى الارتباط الفلسطيني ليسهّل له عملية الدخول". فيما أفاد المزارعون بأن الارتباط لم يفلح في مساعدتهم في دخول أراضيهم، معبرين عن قهرهم وعجزهم، وهو ما أكد عاهد زنابيط تكراره مع كثير من المزارعين تبعًا لتواصله معهم.

يقول أمير داوود، مدير عام التوثيق والنشر بالهيئة، إنهم سيواصلون متابعة الملفات القانونية للأراضي في محاكم الاحتلال "رغم الوضع الكارثي، لأنها وبنسب كبيرة لم تعد تنظر في القضايا الفلسطينية، وأجلت كثيرًا منها بحجة الحرب وقوانين الطوارئ، عدا عن تواطئها مع المستوى السياسي في كثير من الأحيان، فالقاضي هو الجلاد، ونحاول التسلل بين الثغرات القانونية".

منذ شهر تشرين أول/أكتوبر 2023، حرم الاحتلال المواطنين في الضفة الغربية من الوصول إلى نصف مليون دونم من أراضيهم (أغلبها مساحات زيتون)

وبين أمير داوود، أن تركيز الهيئة سينصب على دعم "صمود المزارعين"، عبر محاولة تعويض الأضرار المادية التي ألحقتها اعتداءات المستوطنين وجيش الاحتلال بهم.

ومنذ شهر تشرين أول/أكتوبر 2023، حرم الاحتلال المواطنين في الضفة الغربية من الوصول إلى نصف مليون دونم من أراضيهم (أغلبها مساحات زيتون) وفق أمير داوود، علمًا أن 270 ألف دونم منها معزولة خلف الجدار، فيما منع المستوطنون وجيشهم الفلسطينيين من الوصول إلى 230 ألف دونم أخرى خارج الجدار، وقد شهد هذا العام استيلاء الاحتلال على أكبر رقعة من أراضي الفلسطينيين في الضفة الغربية منذ 30 عامًا.