15-مايو-2024
يشتكي البدو من صعوبة العيش في جبال الضفة بعد أن كانوا يعيشون في الأغوار التي هجّرهم الاحتلال منها

كانوا يعيشون في الأغوار، ووجدوا أنفسهم في جبال لا تناسبهم بعد أن هجّرهم الاحتلال من مناطق رعيهم وعيشهم

فوق قمم جبال بلدة المزرعة الشرقية شرق رام الله، تتناثر خيام البدو الفلسطينيين، بعدما أجبرهم الاحتلال الإسرائيلي بعد السابع من أكتوبر، على النزوح من تجمّعاتهم البدوية التي عاشوا فيها عشرات السنين في مناطق الأغوار.

بعد السابع من أكتوبر، سرّعت منظومة الاحتلال عمليّة تهجير البدو الفلسطينيين من الأغوار، ووجدوا أنفسهم في بيئة جبلية بالضفة، لا تناسب نمط عيشهم، ولا تتوفر فيها المراعي الكافية لأغنامهم

هذه الجبال والطبيعة غير مألوفة بالنسبة لهم، ويقولون إنّ "المنطقة لا تشبههم ولا يشبهونها"، لكن ضيق الحال وما تعرضوا لها من هجمات المستوطنين الإرهابيين، دفعهم مجبرين للعيش في هذا المكان.

طبيعة صعبة على البدو، ولا تناسبهم الجبال التي هُجّروا لها من الأغوار
طبيعة صعبة على البدو، ولا تناسبهم الجبال التي هجرّهم الاحتلال لها من الأغوار

ولا تتوفّر أدنى مقومات العيش للبدو هُنا، بعد أن لملموا متاعهم على عجل، من تجمعات واد السيق والقبون والمعرجات وغيرها، قبل أن ينتهي بهم الحال هنا، في نكبة مستمرّة.

بعض هذه العائلات كالكعابنة مثلًا تعود جذورها إلى النقب، وكان أجدادهم قد هُجّروا منه إبان النكبة عام 1948 وسكنوا في تجمعات الأغوار، أما اليوم فالأحفاد يعيشون تجربة لجوء جديدة.

يرفض موسى كعابنة (25 عامًا) التصوير، يقول إن له ذكريات سيئة مع عدسات الكاميرا، عندما كان المستوطنون يداهمون تجمعهم البدوي على طريق المعرجات لتصوير الخيام والبركسات والأغنام، قبل أن تداهمها جرافات الإدارة المدنية لتنفيذ عمليات الهدم، أو قوات الشرطة لمصادرة الأغنام، بادّعاء أنها مسروقة.

يقول بكر إن المستوطنين الذين أقاموا بؤرة رعوية قربهم، ليسوا رعاة في حقيقة الأمر، فهو يرعى الأغنام من صغره، ويعرف الراعي الحقيقي ومن يتستّر خلف ذلك
يقول بكر مهانية إن المستوطنين الذين أقاموا بؤرة رعوية قربهم، ليسوا رعاة في حقيقة الأمر، فهو يرعى الأغنام من صغره، ويعرف الراعي الحقيقي ومن يتستّر خلف ذلك

الهدم والمصادرة والسرقات، كانت من بين الأساليب التي مارستها قوات الاحتلال والمستوطنون في عملية تبادل للأدوار لسنوات عدة، ومع ذلك ظلت عائلة "موسى" صامدة في تجمع "مغاير الدير" قرب طريق المعرجات شرق رام الله.

لكن الحال اختلف بعد السابع من أكتوبر. يروي موسى لـ "الترا فلسطين"، بأن المستوطنين شرعوا بشن هجمات إرهابية عليهم، وهددوهم بشكل حرفي "بالحرق"، وهو ما دفعهم للرحيل، تاركين خلفهم خيامهم والبركسات ومشارب الأغنام والسياج والكثير من الأمتعة التي استولى عليها المستوطنون.

تظهر مدينة روابي الحديثة، خلف خيمة "موسى" في المكان الذي انتقلوا إليه قرب المزرعة الشرقية
تظهر مدينة روابي الحديثة، خلف خيمة "موسى" في المكان الذي انتقلوا إليه قرب المزرعة الشرقية (الترا فلسطين)

في البعيد تظهر مدينة روابي، خلف خيمة "موسى"، وفي الأيام الأخيرة داهمتهم الأمطار، فلم يستعدوا جيّدًا بعد لطبيعة هذه المنطقة، التي يقول عنها إنها "باردة" وتختلف عن الطقس الذي اعتادوه في الأغوار، حتى أنهم في المعرجات كان لديهم كهوف تسترهم أيام الشتاء، أما هذه "الشوادر البلاستيكية" فلا تقيهم من شيء.

تظهر مدينة روابي الحديثة، خلف خيمة "موسى" في المكان الذي انتقلوا إليه قرب المزرعة الشرقية
لا مساحات للرعي هُنا يقول البدو الذين هجّرتهم إسرائيل من الأغوار بعد 7 أكتوبر، والطبيعة لا تناسبهم

"من يوم ما انخلقت وأنا غاد (هناك)"، هذا ما قاله موسى عن تجمّع "مغاير الدير" لدى سؤاله عن ذكرياته في تلك المنطقة.

ويضيف كعابنة أن الوضع هنا صعب فلا مساحات للرعي، والأرض ليست ملكهم، وفي أي يوم قد يطلب صاحب الأرض مغادرتهم منها كي يقوم بتعميرها.

وفي جبل التل، المقابل لبلدة سنجل شمال رام الله، تعيش 7 أسر من عائلة المهانية، التي تعود جذورها إلى بلدة يطا جنوب الخليل، وهجرت من تجمع راس المعرجات شرق رام الله، قبل نحو عام.

ودون أن يظهر وجهه للكاميرا، يروي بكر مهانية (31 عامًا) لـ"الترا فلسطين" قصة نزوحهم جرّاء هجمات المستوطنين الإرهابية المتكررة عليهم.

عائلة المهانية تعود جذورها لبلدة يطا جنوب الخليل، وهجرت من تجمع راس المعرجات شرق رام الله
بكر من عائلة المهانية التي تعود جذورها لبلدة يطا جنوب الخليل، وهجرت من تجمّع راس المعرجات شرق رام الله

يقول مهانية إن "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال هدمت مرات عدة تجمعهم، وفي كل مرة كانوا يقومون بإعادة البناء، حتى حضر مجموعة من المستوطنين وأقاموا بؤرة استيطانية رعوية.

يقول بكر إن المستوطنين الذين أقاموا بؤرة رعوية قربهم، ليسوا رعاة في حقيقة الأمر، فهو يرعى الأغنام من صغره، ويعرف الراعي الحقيقي ومن يتستّر خلف ذلك لتنفيذ مخططات استيطانية.

ويؤكد بكر مهانية، بأن أصعب ما مورس عليهم هو تضييق المساحات ومنعهم من الخروج للرعي، والهجمات المتكررة عليهم. حتى إنهم في آخر الأيام لم يتمكنوا من النوم، فالبعض يسهر طوال الليل، والبعض يضطر للمناوبة والحماية خلال النهار.

مساحات رعي أغنام البدو غير متوفّرة
مساحات رعي أغنام البدو غير متوفّرة في الأماكن التي نزحوا لها

وعلى هاتفه الجوال، وثّق مهانية بعض مشاهد هجمات المستوطنين وطواقم "الإدارة المدنية" الإسرائيلية المعززة بقوات الشرطة. ينظر لهذه المشاهدة قائلًا إن تلك المنطقة صارت ذكرى بالنسبة إليهم، والاحتلال لن يسمح لهم بالعودة إليها.

أما الجبال التي يعيشون فيها اليوم، فهي قاسية خلال الشتاء، ولا مستقر لهم فيها، خصوصًا أنّ التوسع العمراني مستمر للقرى والبلدات القريبة، ويبقى مصيرهم مجهولًا مع استحالة رجوعهم لتجمّعاتهم البدوية.

خارطة
التجمعات المهجرة قسرًا

ويقول مدير دائرة الرصد والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داود، لـ "الترا فلسطين"، إنه بعد السابع من أكتوبر فُرضت على التجمعات البدوية الفلسطينية عمليات الترحيل القسري، نتيجة إلى الإجراءات المباشرة لفرض بيئة قهرية طاردة على يد الاحتلال، أو من خلال إرهاب مليشيات المستعمرين بفرضها على المواطنين الفلسطينيين في هذه المناطق. وأضاف داود، أن هذه الممارسات أدت إلى تهجير 25 تجمعًا بدويًا فلسطينيًا تتكون من 220 عائلة تشمل 1277 فردًا من أماكن سكنهم إلى أماكن أخرى.