الترا فلسطين | فريق التحرير
منذ توليه منصب وزير الأمن القومي، يواصل الإرهابي ايتمار بن غفير عملية "تسليح شعب إسرائيل" كما يُسميها، استمرارًا لسياسة بدأت في عام 2015، على أثر موجة عمليات الطعن والدهس آنذاك، غير أن عمليات التسليح في عهد ايتمار بن غفير تسير بوتيرة أسرع وعلى نطاق أوسع، وسط تخفيف كبير جدًا في القيود على حمل السلاح. في "إسرائيل"، بدأت -أصوات مازالت خافتة نسبيًا- تدق ناقوس الخطر تجاه هذه السياسة، خوفًا من توجيه فوهات البنادق ضد الإسرائيليين أنفسهم.
"قوات الطوارئ" هذه يطلقون عليها في إسرائيل اسم "جيش بن غفير"، فهي تتكون من آلاف المستوطنين الذين يسكنون في بؤر استيطانية ومستوطنات كبيرة تعرف بأنها معاقل التنظيمات الإرهابية، وأبرزها تنظيم "تدفيع الثمن"
وزارة الأمن القومي، التي يقودها الإرهابي ايتمار بن غفير، حصلت مؤخرًا على ميزانية إضافية بقيمة 637 مليون شيكل مخصصة لتشكيل مئات المجموعات المسلحة في المستوطنات المقامة في الضفة، تحت مسمى "قوات الطوارئ"، على أن تتولى وزارة الأمن القومي بنفسها مسؤولية شراء الأسلحة والذخائر والمعدات ذات الصلة بتشكيل هذه المجموعات.
وبحسب تقرير لموقع "كالكلسيت" الاقتصادي العبري، فإن وزارة الأمن القومي أبرمت عقودًا ستحصل بموجبها على 40 ألف بندقية حربية من طراز M16، وأكثر من 5.5 مليون رصاصة، وأكثر من 20 ألف طقم حماية من الخوذات والسترات الواقية، وقد تم حتى الآن شراء 25.500 قطعة M16 من العدد الإجمالي المتفق عليه.
"قوات الطوارئ" هذه يطلقون عليها في إسرائيل اسم "جيش بن غفير"، فهي تتكون من آلاف المستوطنين الذين يسكنون في بؤر استيطانية ومستوطنات كبيرة تعرف بأنها معاقل التنظيمات الإرهابية، وأبرزها تنظيم "تدفيع الثمن"، وهذه التنيظمات واظبت منذ سنوات على تنفيذ عمليات ضد أملاك الفلسطينيين ومنازلهم، أدت لارتقاء شهداء، وتهجير قرى فلسطينية كاملة في وسط الضفة الغربية وجنوبها. ويحظى ايتمار بن غفير بشعبية واسعة بين هؤلاء الإرهابيين، بل إنه عمل محاميًا لتنظيم "تدفيع الثمن" وترافع عن نشطائه الذين ألقي القبض عليهم في حالات استثنائية.
سياسة تسليح المستوطنين هذه، أو "تسليح شعب إسرائيل" كما يسميها ايتمار بن غفير، أثارت انتباه الولايات المتحدة ودول أوروبية، وتواصلوا بشأنها مع حكومة الاحتلال، بل إن إدارة بايدن هددت إسرائيل بوقف إرسال الأسلحة إذا استمرت عملية تسليح المستوطنين، لكن هذا التهديد لم يُنفذ رغم ظهور ايتمار بن غفير وقادة في الشرطة في صور وفيديوهات بعد ذلك وهم يشرفون على تسليح مزيد من المستوطنين.
ولا يقتصر دور شرطة الاحتلال على عمليات التسليح، بل يشمل التدريب أيضًا، كما أنه لا يقتصر على المستوطنين في الضفة الغربية، بل امتدّ مؤخرًا ليشمل تدريب وتمويل متطرفين يهود داخل الخط الأخضر. ففي شهر في شهر آذار/مارس 2023، كشفت الإذاعة العامة الإسرائيلية أن الشرطة درّبت ومولت مجموعة من المستوطنين لتشكيل قوة تكون جاهزة للتعامل مع وقوع "اضطرابات" وفق وصفها في شهر رمضان على غرار تلك التي شهدتها مدينة اللد في عام 2021.
المجموعة المذكورة تضم مستوطنين يحملون أفكارًا متطرفة دينيًا وقوميًا، ويطلقون على أنفسهم تسمية "النواة التوراتية"، وهم من قتلوا الشهيد موسى حسونة في مواجهات أيار/مايو 2021، كما شاركوا في الاعتداء على منازل أبناء اللد الأصليين في هذه الفترة. وهذه المجموعة أيضًا مُنحت اسم "كتيبة طوارئ".
تسليح المستوطنين بالتبرعات أيضًا
وإلى جانب الدعم الحكومي الكبير لعمليات تسليح المستوطنين تحت مسمى "قوات الطوارئ"، فإن تسليح المستوطنين يحظى بتبرعات كبيرة من "أصدقاء مستوطنات شمال الضفة الغربية" كما وصفهم رئيس المجلس الإقليمي لهذه المستوطنات يوسي دغان، وهؤلاء، وفقًا لقوله، من منطقة مانهاتن في نيويورك، ومدينة ميامي في ولاية فلوريدا، ومدينة لوس أنجلوس في ولاية كاليفورنيا، وكذلك من مدينة تورنتو في كندا، وموناكو وباريس في فرنسا، ولندن في إنجلترا أيضًا.
وبيّن يوسي دغان، أن عملية التمويل هذه بملايين الشواكل أثمرت عن إطلاق نظام إنذار ومراقبة يتكون من عشرات الطائرات الحرارية بدون طيار في المستوطنات، وتوزيع 300 بندقية هجومية ومئات البنادق من طراز "روني"، مؤكدًا أن هذه العملية تتم بالتنسيق مع الجيش الإسرائيلي.
قوات الطوارئ وتدفيع الثمن.. وجهان لعملة واحدة
وتبرز خطورة "قوات الطوارئ" ودورها الهجومي لا "الدفاعي" عند ملاحظة العلاقة الوثيقة التي تجمع أفراد هذه القوات مع إرهابيي "تدفيع الثمن"، هذه الجماعة التي نفذت جريمة حرق الشهيد محمد أبو خضير حيًا، ومحرقة عائلة دوابشة التي أسفرت عن استشهاد سعد دوابشة وزوجته ريهام وطفلهما علي، وإصابة طفلهما الآخر أحمد بحروق شديد.
الصحفي المتخصص في الشأن الإسرائيلي أنس أبو عرقوب، أوضح لـ الترا فلسطين أن "قوات الطوارئ" في المستوطنات، تقع تحت إمرة ضابط أمن المستوطنة، وفي العادة يكون ضابط الأمن من الخدمة الاحتياط في الجيش، امتلك خبرات عسكرية أثناء خدمته في وحدات قتالية، يقتصر وجود قوات الطوارئ على المناطق المحاذية لقطاع غزة والحدود مع لبنان والمستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية، لكن بعد عملية "طوفان الأقصى" تقرر توسيع نطاق انتشار "قوات الطوارئ" لتشمل حتى البؤر الاستيطانية المقامة بشكل مخالف للقانون الإسرائيلي، وبدون ترخيص من الجيش.
وأكد أنس أبو عرقوب وجود علاقة بين تنظيم "تدفيع الثمن" الإرهابي و"وحدات الطوارئ"، كان أحد تجلياتها مشاركة قائد وحدة الطورىء في مستوطنة "هار براخا" مع مجموعة من الإرهابيين أثناء تنفيذهم اعتداءات على قرية بورين جنوب نابلس، حيث ظهر في مقطع فيديو وهو يسلم قنبلة غاز لإرهابي ليقوم الأخير بإطلاقها على فلسطينيين الأخير لها في القرية، وقد تم توثيق ذلك بكاميرا ناشط في منظمة "ييش دين" الحقوقية الإسرائيلية، نُشر بتاريخ 22 تشرين أول/أكتوبر 2022.
حادثة ضابط أمن مستوطنة "هار براخا" تكررت بعد شهر واحد فقط مع ضابط أمن مستوطنة "شيلو" أيضًا. في الحالة الأولى أعلن الاحتلال وقف ضابط الأمن عن العمل، ولكن بعد أيام فقط عاد لعمله. وفي الحالة الثانية قال الاحتلال إنه عزل ضابط الأمن، ولكن لم يتبين مدى صحة الادعاء حول معاقبته.
وأشار أنس أبو عرقوب أن شهر أيلول/سبتمبر الماضي شهد تشكيل مليشيا منفصلة عن قوات الطوارئ، حملت مسمى "دوريات حراسة"، وكانت مهمتها تشكيل دوريات على الطريق المؤدي للمستوطنات المقامة على أراضي نابلس. وجاء تشكيل هذه الدوريات بعد اجتماع عقده حاخامات المستوطنات في نابلس، مع رئيس مجلس المستوطنات في شمال الضفة يوسي دغان، ورؤساء المستوطنات، وقادة وحدات الطوارئ.
مخاوف إسرائيلية من تسليح المستوطنين
حديثًا، ظهرت أصواتٌ داخل إسرائيل ضد سياسة تسليح المستوطنين، فمن جانبٍ تُشكل هذه السياسة "حرجًا" لإسرائيل أمام حلفائها، ومن جانب آخر يُخشى من أن تنقلب هذه السياسة ضد الإسرائيليين أنفسهم، كون نشطاء الإرهاب اليهودي الذين يُسلحهم ايتمار بن غفير ينتمون إلى اليمين المتطرف، وهم على عداء شديد لنشطاء اليسار، بل كثيرًا ما يتهمونهم بالخيانة بسبب معارضتهم لاحتلال الضفة الغربية وسياسة التوسع الاستيطاني. وزاد هذا العداء بين الطرفين بالتزامن مع خطة الإصلاحات القضائية التي نفذتها حكومة اليمين المتطرف في عام 2023 حتى توقفها بعد عملية طوفان الأقصى وإطلاق العدوان على قطاع غزة.
عضو الكنيست عوفر كاسيف، قال في مقابلة مع القناة 14 الإسرائيلية، إن "قوات الطوارئ" تهدف إلى خوض حرب أهلية يعمل فيها اليمين على القضاء على نشطاء اليسار.
ووصف عوفر كاسيف "قوات الطوارئ" بأنها "مليشيا فاشية رهن صدور التعليمات"، مؤكدًا أن على الجميع تذكر كلامه بأن نشطاء اليسار الإسرائيليين سيكونون مستهدفين إلى جانب عملية التطهير العرقي في الضفة الغربية التي يستعد لها ايتمار بن غفير.
وقال عوفر كاسيف: "لقد تحول المجتمع الإسرائيلي لمجتمع فاشي، الآن هناك آلاف الفاشيين المسلحين ويستخدمون هذا السلاح ضدنا، ربما يكون ذلك بعد شهر أو ربما بعد الانتخابات، ففي حال خسر اليمين لن يقبلوا بالنتيجة. نحن نقترب من حرب أهلية".
قال عوفر كاسيف: "لقد تحول المجتمع الإسرائيلي لمجتمع فاشي، الآن هناك آلاف الفاشيين المسلحين ويستخدمون هذا السلاح ضدنا، ربما يكون ذلك بعد شهر أو ربما بعد الانتخابات، ففي حال خسر اليمين لن يقبلوا بالنتيجة"
ونشرت صحيفة "هآرتس" مقالاً تحليليًا للكاتبة داليا شيندلين، وصفت فيه تسليح المستوطنين بأنها "سياسة أمنية مروعة". وتطرقت الكاتبة في مقالها إلى "الخطأ القاتل" الذي وقع أثناء عملية راموت في القدس يوم الخميس الماضي، عندما قتل جنودٌ المستوطن الذي بادر إلى قتل منفذي العملية، ظنًا منهم أنه أحد المنفذين، عندما رأوه يحمل سلاحًا ويطلق النار رغم أنه بالزي المدني، ورغم أنه ألقى سلاحه وخلع قميصه وجلس أرضًا ليظهر أنه لا يحمل أي متفجرات، إلا أن أحد الجنود واصل إطلاق النار عليه وقتله.
وأشار المقال إلى تصريحات لنتنياهو بعد عملية من هذه العملية، إذ سأله صحفيون إن كانت "المأساة" ستدفعه إلى وقفة للتفكير حول سياسة إطلاق النار وتسليح "المدنيين"، فأجاب بأن الحادثة تؤكد أن المدنيين المسلحين يوقفون "الهجمات الإرهابية". وعلق على مقتل المستوطن برصاص الجنود بعد بالقول "هذه هي الحياة". كما وصفه بأنه "بطل".
وفي تصريحاته قال نتنياهو إن هناك عشرات المراة التي قام فيها "المدنيون" بإيقاف "هجمات إرهابية". لكن هذا الادعاء تنفيه كاتبة المقال داليا شيندلين، وتقول إنه "ليس مدعومًا بالبيّنات".
وأوضحت شيندلين، أن سياسة تسليح المستوطنين بدأت منذ عام 2015، على أثر موجة عمليات الطعن والدهس، وفي ذلك الوقت حاول الصحفي حاييم هار زهاف التحقق من الادعاء بأن المزيد من الأسلحة في أيدي المدنيين سيساعد في مكافحة العمليات، وتوصل أن هذا الادعاء ضعيف.
وفي عام 2018، تقدمت منظمات مجتمع مدني إسرائيلية بالتماس إلى المحكمة العليا، طلبت فيه إلغاء السياسة التي تخفف القيود على تسليح المستوطنين، وبررت طلبها بأن الحكومة فشلت في تقديم أدلة كافية بأن "المدنيين" المسلحين يوقفون العمليات. على أثر ذلك، قدمت الحكومة أرقامًا تظهر أن 5% من العمليات أوقفها "مدنيون"، غير أن الحقيقة تقول إن جزءًا من هذه العمليات أوقفها "حراس أمن" وليس "مدنيين"، وهؤلاء بطبيعة الحال يحملون أسلحة.
وواصلت داليا شيندلين في مقالها تفنيد المزاعم حول دور المستوطنين المسلحين في وقف العمليات، وأوضحت أنها بحثت في 9 عمليات استهدفت مستوطنين بعد شهر أيار/مايو 2023، ووجدت أن عمليتين فقط من العمليات التسعة وردت معلومات بأن من أوقف العملية هم مستوطنون، "لكن حتى في هاتين العمليات قد تكون الادعاءات كاذبة" بحسب شيندلين، فبالعودة إلى عام 2017، حيث وقعت عملية في القدس أدت لعدد من القتلى، وقالت التقارير الأولية إن من أوقف العملية مستوطنون، قبل أن يتبين لاحقًا أنهم جنود.
وفي حالات أخرى، تبين أن الذين أوقفوا العملية بعضهم جنودٌ والبعض الآخرون "مدنيون"، وهذا يعني، وفقًا لداليا شيندلين، أن "المدنيين" قد يكونوا غير ضروريين لوقف العملية.