مع كل فصل شتاء، تنشط صفحات على موقع "فيسبوك"، تنشر معلومات وتحديثات عن الأحوال الجوية تحمل مسميات مختلفة لمؤسسيها، لكنّ كثيرًا من تلك الصفحات تقدم معلومات غير دقيقة لمتابعيها، ما يؤدي إلى إرباك المواطنين ويدفعهم إلى الهجوم على هذه الجهات، ليدفع ثمن ذلك راصدون شبان ذوو مصداقية عالية يذهبون ضحايا لأخطاء آخرين هواة.
وسبق أن نشرت صفحات للأحوال الجوية معلومات عن ثلوج تراكمية على مستويات منخفضة، ما جعل متابعيها يتوجهون إلى الأسواق لشراء كميات كبيرة من المواد التموينية واتخاذ كافة الاحتياطات، لتكون المفاجأة بأن المنخفض لم يكن بتلك القوة.
"فيسبوك" يغص في كل شتاء بصفحات تنشط في رصد أحوال الطقس، لكن كثيرًا منها تنشر أخبارًا كاذبة تُربك المواطنين وتثير غضبهم
هذا الشتاء، كان الفلسطينيون على موعد مع أخبار متفاوتة حول الطقس، مصدرها راصدون جويون على "فيسبوك"، ما أثار غضبًا وسخرية على الموقع ذاته، فقيل إن "ﻓﻠﺴﻄﻴﻦ ﺗﺴﺘﻌﺪ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﺟﻴﻨﻴﺲ ﺑﺼﻔﺘﻬﺎ ﺑﻠﺪ ﺍﻟﻤﻠﻴﻮﻥ ﺭﺍﺻﺪ ﺟﻮﻱ".
اقرأ/ي أيضًا: الشتاء في لهجتنا العامية
مدير عام الأرصاد الجوية يوسف أبو أسعد، يوضح لـ"الترا فلسطين" أن هناك فرقًا بين الراصد والمتنبئ الجوي، فمهمة الأول قياس العناصر الجوية المختلفة في المحطات المنتشرة في الوطن كل ثلاث ساعات وعلى مدار 24 ساعة، وتسجيلها بما يسمى النشرة السطحية، وهذه تكون ذات طبيعة شيفرية دولية متعامل بها في منظمة الأرصاد الجوية العالمية، ويتم إرسالها عبر الهاتف إلى المقر العام في رام الله، إذ يتم دراسة وتحليل هذه المعلومات بطرق خاصة لإعداد النشرة الجوية.
أما المتنبئ الجوي فيأخذ البيانات سواء من محطات رصد جوي أو محطات عديدة على مستوى الدولة، ويقوم بتحليل هذه البيانات ومن ثم رسمها على خريطة جوية، يتم من خلالها تحديد الكتل الهوائية والمنخفضات الجوية.
وأشار إلى أن المتنبئ الجوي متخصص في علم الأرصاد الجوية، وهو علم يقوم بدراسة فيزياء الجو، وفي حال لم يتوفر في السوق المحلي خريجو أرصاد جوية، تكون الخيارات البديلة من خريجي الفيزياء والرياضيات، إذ يتم تأهيلهم في مراكز إقليمية تابعة لمنظمة الأرصاد الجوية العالمية في مجال التنبؤات الجوية لمدة 2-3 سنوات.
وقال أبو أسعد، إن من لا تتوفر فيهم تلك الخصائص نطلق عليهم "هواة طقس"، مضيفًا أن دائرة الأرصاد عانت من الإرباك الذي تسبب به هواة طقس يقومون بإصدار نشرات جوية ليس لها علاقة بالعلم.
الأرصاد الجوية الرسمية تقول إنها تلقت شكاوى من مواطنين بسبب إرباك "هواة الطقس"، فتقدمت بمشروع إلى قانون لمجلس الوزراء لتنظيم هذا القطاع
وبيّن أبو أسعد أن دائرة الأرصاد الجوية قدمت مسودة مشروع قانون لمجلس الوزراء منذ عام لمناقشته، بهدف تنظيم عمل الأرصاد الجوية، ويتضمن فرض عقوبات على من يصدر نشرات خارج نطاق ما يصدر عن دائرة الأرصاد الجوية الرسمية.
اقرأ/ي أيضًأ: أين توزعت مياه الأمطار هذا الشتاء؟
يقول أبو أسعد، إن تقديم هذه المسودة تم بعد تلقي دائرة الأرصاد شكاوى من مواطنين بسبب الإرباك الذي أحدثه "هواة الطقس" في السنوات الماضية، لكن كثيرًا من المتابعين رأوا في ذلك قمعًا لراصدين جويين مهنيين واعتبروا الخطوة غير مفيدة.
الراصد الجوي الشاب قصي الحلايقة، مدير موقع "طقس الوطن"، رأى في مشروع القانون المذكور محاولة لنقل الديكتاتورية إلى العلوم، "وهو أمر غير مقبول"، متسائلاً "لماذا لا تحتوي دائرة الأرصاد الجوية الراصدين الشباب وتتعاون معهم؟ ولماذا لا تطور أدواتها من أجل الوصول إلى الجمهور بشكل أفضل وعلى نطاق أوسع". وأشار إلى أن الأرصاد الجوية في العالم الآن شركات خاصة، وبالتالي فإن تمرير هذا القانون يمثل "عودة للخلف".
وقال الحلايقة في حديثه لـ"الترا فلسطين"، إن الأخطاء على صفحات "فيسبوك" لا تحدث فقط في مجال الأرصاد الجوية، بل في الأخبار المتعلقة بأحداث أخرى كبيرة، مبينًا أن طاقم العمل في موقع "طقس الوطن" – مثلاً - يعمل بأقل الإمكانيات ويبذل جهودًا مضاعفة من أجل تقديم معلومات دقيقة، ويعتمد على المصطلحات العالمية بشكل دقيق، لكن لا يحصل على مردود مادي، وإذا وقعت أي أخطاء من قبل صفحات هواة فإن الطاقم يتعرض للهجوم.
ورأى الحلايقة أن بعض الجهات الإعلامية تتحمل جزءًا من مسؤولية الإرباك الذي يحدث، وذلك من خلال نقل أخبار عن مصادر غير موثوقة تدرك هذه الجهات أنها ليست صحيحة، لكنها تنشرها وتمنحها تمويلاً على صفحاتها في موقع "فيسبوك" من أجل تحصيل مشاهدات. وأضاف، "بعض المواقع أخذت الأخبار من موقعنا ونسبتها للراصد الجوي الإسرائيلي من أجل تحصيل المزيد من المشاهدات".
قصي الحلايقة: الإعلام شريك في حالة الإرباك في مجال الأرصاد الجوية، والأخطاء على صفحات فيسبوك لا تحدث فقط في أخبار الطقس
يقول الطالب في جامعة بيرزيت عبدالله درويش، إن بعض الصفحات المختصة بالطقس تنشط في فصل الشتاء فقط، وتهدف للحصول على عدد أكبر من المتابعين، لكن التهويل عند قدوم منخفض جوي أربك متابعي تلك الصفحات.
وتابع، "العام الماضي نشرت إحدى الصفحات معلومات عن منخفض قطبي عميق يصل في تاريخ محدد، وفي اليوم التالي من ذلك التاريخ كان لدي امتحان نهائي، فوضعت الكتاب جانبًا متوقعًا تعطيل الدوام، إلا أن إرسال الطلبة برسائل لصفحة الجامعة على فيسبوك حول تعطيل الدوام، دفع الإدارة لإصدار بيان تؤكد فيه أن الامتحانات في موعدها ما لم تتساقط الثلوج، وهو ما حدث".
ويرى درويش أنه لا يمكن اتهام كل شخص يطلق على نفسه صفة "متنبئ"، أو "مختص"، أو "راصد جوي" بعدم المصداقية، قائلا إن هناك متابعين يقيّمون تنبؤات هؤلاء، ويجدون توقعاتهم قريبة من الحالة الجوية، لكن البعض عندما يرى كلمة ثلوج دون قراءة بقية المعلومة أو متابعة كل التحديثات يظن أن الثلوج ستهطل على كل فلسطين.
اقرأ/ي أيضًا: هل تصبح الأمطار حدثًا سارًا في غزة هذا الشتاء؟
المزارع علي خلف من بلدة برقين قضاء جنين، أشار إلى أنه وعموم المزارعين يتابعون على الدوام النشرات الجوية لاتخاذ سبل الحماية، لا سيما إذا كانت موجة صقيع ستضرب المنطقة، للخروج بأقل الخسائر الممكنة.
وقال خلف لـ"الترا فلسطين" إنه يستقي معلوماته عن الأحوال الجوية من المحطات الإخبارية، وموقع طقس فلسطين والرادار الإسرائيلي، وتتضمن تلك النشرات تحذيرات للمزارعين قبل 12 ساعة من قدوم المنخفضات الجوية والصقيع، فيحذر المزارع الآخرين لحماية مزروعاتهم، مضيفًا أن المزارع دائمًا يأخذ أسوأ الحالات، حتى إذا كانت النشرات لا تشير إلى قدوم منخفض جوي.
وبعد كل منخفض جوي ينحرف عن مساره، أو منخفض يأتي أقل مما هو متوقع، ينقسم الفلسطينيون على موقع "فيسبوك" بين مدافع عن الراصدين ومنتقد لهم. يقول المدافعون إنه لا يمكن وضع الراصدين جميعًا في كفة واحدة، وإن بينهم من كان دقيقًا في حديثه، وهناك من اتّبع التهويل والمبالغة. فيما يذهب آخرون إلى الهجوم بشكل عام ووصفهم بـ"هواة جمع اللايكات والمبالغة"، والسخرية منهم بالقول إنهم يختبئون خوفًا من ردة فعل الناس.
"الترا فلسطين" رصد لكم جانبًا من ردود الأفعال على المنخفض الجوي أواخر شهر يناير/كانون الثاني، الذي قال مواطنون إنه جاء أضعف مما كان متوقعًا من قبل الراصدين.
اقرأ/ي أيضًا:
محمد وبشير متشردان في طبيعة عذراء
كاميرا عبيدة جمال في جنات وعيون