في صيف 2021، توقّفت "البوسطة" التي تُقلّني من سجن "مجدو" إلى سجن "النقب" أمام سجن "جلبوع". بعد انتظار طويل فُتح باب "البوسطة" ليدخل علينا عدد من الأسرى الذين سيتم نقلهم من سجون الشمال إلى سجون الجنوب.
انتبهت لأحد الأسرى، أمعنت النظر في وجهه، هل أعرفه؟ هل عشتُ معه سابقًا؟ هل التقيت به في أحد السجون؟
ركزت نظري أكثر وأكثر، هل هو "نادر" أم لا؟!
بدا وجهه شاحبًا، وغزا الشيب رأسه، إنّه هو، لقد عرفته من عينيه المتعبتين الواثقتين، ومن ابتسامته المميّزة التي تخترق كل ألمه ووجعه، وتخرج دافئة كشروق الشمس.
إنه هو، الأسير نادر صدقة أو "نادر السامري" كما نعرفه في الأسر.
اقتربت منه، عانقته رغم القيود التي تكبّل أيدينا وأقدامنا.
بدأنا نتبادل الحديث والأسئلة، فآخر لقاء جمعنا كان عام 2014 في سجن "شطة"، لذا كان هناك العديد من الذكريات والتغيّرات.
"البوسطة" تتحرّك، استمرّت حركتها لعشرين ساعة إلى أن وصلنا "معبار" سجن "الرملة"، وهناك أنزلونا لنقضي بضع ساعات في أقفاص صُممت لامتهان الإنسان والحطّ من كرامته.
في القفص المحاذي لنا، وضع السّجان مجموعة من الأسرى الأطفال، وهؤلاء يطلق عليهم في السّجون "الأشبال".
ما إن رآهم نادر حتى سارع للحديث معهم وحوارهم، والاطمئنان عليهم، والسؤال عن ما ينقصهم، سمع قصصهم، وحثّهم على الصمود والثبات.
ببراءة، سأل أحد الأسرى "الأشبال" نادر:
- كم سنة لك في السجن؟
- أجابه نادر: 17.
ردّ الشبل مستفسرًا:
- سبعطاشر يوم؟
أجابه نادر بابتسامة:
- لا.
أعاد الشبل السؤال:
- سبعطاشر شهر؟
صمت نادر قليلًا، ثم سأله: أنت مواليد أي عام؟
قال الطفل الشبل: مواليد 2005.
ابتسم نادر وقال: أنا في السِّجن قبل ميلادك بعام. أي أنك وُلدت وأنا في السجن، أنا في السِّجن منذ 17 سنة.
صُدم الطفل الشبل، وعمّ الصّمت..
اقرأ/ي أيضًا: