21-مايو-2023
صحافيون فلسطينيون - Mahmoud Issa/ Getty Images

صحافيون فلسطينيون - Mahmoud Issa/ Getty Images

في متاهة البحث عن شرعية مفقودة نتيجة تجاوز النظام الداخلي لنقابة الصحفيين وعدم إجراء أي انتخابات أو اجتماع هيئة عامة، تحاول الأمانة العامة لنقابة الصحفيين تمرير المؤتمر العام للنقابة وكأنه تجديد لشرعية أمانة عامة تجاوزت القانون لمدة عشر سنوات، دون عقد أي مؤتمر سوى مؤتمر استثنائّي (عُقد في 29 يناير/ كانون ثاني 2023)، لتعديل بعض البنود في النظام الداخلي للنقابة.

عاشت "الأمانة العامة" لنقابة الصحفيين في ثلاث أزمات، الأولى؛ عدم الشعور لدى الوسط الصحفي بالإنجاز الحقيقي، والثانية قضية الحوار ودخول كافة أطياف الجسم الصحفي الفلسطيني للنقابة، والثالثة عقد المؤتمرات بشكل دوري وإجراء الانتخابات

الصوت المرتفع ومواجهة المنتقدين لإجراءات إعادة تجديد انتخاب الأمانة العامة هي الأداة الرئيسة التي استخدمتها الأمانة العامة خلال الفترة الماضية، وأخيرًا تم إحياء نغمة الانقسام وكأنّ الصراع جزء من حالة الانقسام، وليس نتيجة تجاوز النظام الداخلي للنقابة، وعدم إجراء المؤتمر العامّ للنقابة.

خطاب الانقسام يسعى لتوحيد الصف الداخلي وتخويف أي شخص أو جهة من الانتقاد، وإلّا فإنها ستحسب على غزة، بالتالي تجميد المعارضين أو على الأقل تقليل عددهم في الضفة الغربية. ولتجنُّب أي حوار قد يؤدي إلى نتيجة عملية تؤدي إلى شمول أطياف الجسم النقابي في النقابة، وبالتالي خسارة الوضع القائم الذي تستفيد منه "الأمانة العامّة" وتبقى في مواقعها.

أرادت "الأمانة العامة" رفع الصوت ضدّ المنتقدين لإسكاتهم، وأيضًا استخدمت تحالفاتها الحزبية لرفع مستوى التضامن ضدّ ما وصفته بـ "الهجوم" ومنع عقد المؤتمر الذي لن يفضي إلى شيء إلّا إعادة تنصيب "الأمانة العامة" الحالية مع بعض التغييرات الطفيفة. 

مؤتمر بمستوى رفيع وحضور دولي وعربي سيرفع الصوت بشكل أعلى ويعطي شرعية جديدة للأمانة العامة التي واجهت خلال السنوات الماضية سؤال الانتخابات، على أمل أن ترتاح من هذا السؤال خلال الفترة المقبلة.

أتمنى أن تخيب توقعاتي، وأن تستطيع "الأمانة العامة" لنقابة الصحفيين فعل ما لم تستطع فعله خلال السنوات العشر الماضية، وأن تنجز، وأن يحصل التجديد على يد نفس الأشخاص الذين جلسوا في نفس الموقع لأكثر من عقد من الزمن! 

أتمنى أن تخيب توقعاتي، وأن تستطيع "الأمانة العامة" فعل ما لم تستطع فعله خلال السنوات العشر الماضية، وأن تنجز، وتستطيع الانطلاق بروح جديدة، هي مجرد أمنية بأن يحصل التجديد على يد نفس الأشخاص الذين جلسوا في نفس الموقع لأكثر من عقد من الزمن. 

عاشت "الأمانة العامة" في ثلاث أزمات خلال الفترة الماضية، الأولى؛ هي عدم الشعور لدى الوسط الصحفي بالإنجاز الحقيقي، والثانية قضية الحوار ودخول كافة أطياف الجسم الصحفي الفلسطيني للنقابة، والثالثة هي عقد المؤتمرات بشكل دوري وإجراء الانتخابات.

قد تستطيع الأمانة إقناع جمهورها بأنّ الأزمة الثالثة قد حُلّت بعقد المؤتمر العامّ في الوقت الذي تواجه عديد الانتقادات من مختلف الجهات حول المؤتمر الاستثنائي، واعتماد المؤتمر العام على متغيّرات المؤتمر الاستثنائي. وإن استطاعت تجاوز الأزمة الأولى فإنّ أزمة الشّعور بالإنجاز والحضور للنقابة أمام الجسم الصحفي ستبقى قائمة ما دامت "الأمانة العامة" تُفكّر بنفس العقلية ونفس الأشخاص وتتعامل مع الجسم الصحفي بنفس الآليات. لا أناقش بالمناسبة هُنا هل أنجزت الأمانة أم لا، لكن ما أطرحه هو الصورة العامة، حتى وسائل الإعلام الرسمي الذين برقت لديهم مؤخرًا بارقة أمل، لا بقرارات الحكومة تشكيل لجان لبحث مطالب النقابة، لكن لا سقف زمني ولا ضمانات لأن تؤتي اللجان الحكومة أكلها، أمّا عن العاملين في القطاع الخاص والوكالات الدولية فلا آليات محددة لحفظ حقوقهم خاصة مع موجات الفصل والتقليص الأخيرة.

ستبقى الأزمة حاضرة، وسيبقى تمثيل النقابة لكافة الأطياف محل نقاش وأخذ وردّ، وربما هجوم ودفاع 

الأزمة الثانية والتي ستبقى في وجه "الأمانة العامة" هي أزمة التمثيل لكل الجسم الصحفي الفلسطيني، وعدم احتواء النقابة لكافة أطياف الجسم الصحفي الفلسطيني، خطاب الانقسام المستخدم لمنع الاعتراض على إجراءات إعادة الثقة للأمانة العامة سيرتد بأن تصبح النقابة جزءًا من حالة الانقسام وممثلًا لجهة فلسطينية دون الأخرى، وبالتالي تبقى أزمة تمثيل الجسم الصحفي ماثلة أمام النقابة، وإن عدّت نفسها تجاوزتها بأنها تكتسب الصفة الرسمية أمام السلطة الفلسطينية وبعض الجهات العربية والدولية، والتي لم تناقش أصلًا فكرة المؤتمر العام للنقابة وتعدّه شأنًا داخليًا، لكن ستبقى الأزمة حاضرة، وسيبقى تمثيل النقابة لكافة الأطياف محل نقاش وأخذ وردّ، وربما هجوم ودفاع.

يندرج تحت باب الأزمة الأولى والثانية أزمة الحريّات في فلسطين، ومدى رغبة "الأمانة العامة" وقدرتها في أن تقوم بمهمتها الأساسية وهي الدفاع عن حرية التعبير، وألا تكون أداة في يد أحد الأطراف السياسية ضد آخر، وبالتالي يكون التحدي في إقناع الجسم الصحفي بأنّ "الأمانة العامة" تقوم بدورها في هذا المجال بشكل لا يقبل المساومة، وتتحدى فيه الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبنفس الطريقة ونفس الأدوات، وإلّا فإن "الأمانة العامة" ستضع نفسها كأداة هجوم على طرف وتبرير الانتهاك لطرف آخر. 

الأزمة الحقيقية التي بدت بوادرها منذ سنوات ولم تفعل "الأمانة العامة" للنقابة أي شيء لتخفيف أضرارها على الجسم الصحفي، هو التحوّلات التقنية والتكنولوجية الكبيرة وتغيّر الأنماط الاقتصادية لمهنة الصحافة

لكن الأزمة الحقيقية وهي الرابعة التي بدت بوادرها منذ سنوات ولم تفعل "الأمانة العامة" للنقابة أي شيء لتخفيف أضرارها على الجسم الصحفي، هو التحوّلات التقنية والتكنولوجية الكبيرة وتغيّر الأنماط الاقتصادية لمهنة الصحافة، وتراجع الدخل للمؤسسات الصحفية، وإنهاء وتقليص العقود بالمئات للصحفيين الفلسطينيين. صحيح أن الأزمة تواجه في العالم وليس في فلسطين فقط، لكن عدم وجود برامج واضحة لمعالجة الأمر سيُصعّب الأزمة أمام الجسم الصحفي وأمام "الأمانة العامة".

التغيّرات التقنية تجعل من الصحافة مهنة من الماضي، وربما كما حدث لمهن كثيرة سيصبح العمل في الصحافة جزء من التاريخ، خاصة بعد إغلاق معظم النسخ الورقية وتراجع الإنفاق على الصحف ووكالات الأنباء، وتقليص موازنات الإعلام المحلي الخاص، وبات صحفيون كثر خلال السنوات الأخيرة في أحضان البطالة أو اضطروا للخروج من الميدان بشكل جزئي أو كلي، وبالتالي لم يعد هناك صحفيون بالمعنى التقليدي أو على الأقل ستكون فئة قليلة ولا تملك ذات القوة التي ما تزال تحتفظ ببعضها.

إن بقي الوضع على حاله وبقي القائمون يفكرون بالنقابة بنفس الطريقة مهملين التغيّرات وما نتج عنها فسيكون المؤتمر القادم هو مؤتمر عزاء للمهنة 

هذه التغييرات أنتجت تحد جديد للنقابة، قد يتحوّل لأزمة وهو إمكان دخول أي مواطن على خط المهنة دون أي حاجة لأي إجراء إداري أو تنظيمي أو قانوني، وهو ربما ما يعيد أزمة تمثيل النقابة، صحيح أن المجتمع لا يعد هؤلاء صحفيون بالمعنى التقليدي، لكنهم باتوا مصدرًا للمعلومة، ويعملون دون مسؤولية قانونية أو إدارية أو نقابية، وهو ما يضيف سؤال جدوى الانضمام للنقابة إن لم تقدّم خدمات بمستوى مرتفع لأعضائها.

حل الأزمات المرتبطة بالتكنولوجيا مرتبط بشكل أساس بحل الأزمات الأولى، وبالتالي ستبقى "الأمانة العامة" تسير في المكان. أما الصوت المرتفع والحضور بمستويات عالية لن يفيد في إحياء "الأمانة العامة" دون حل مختلف الأزمات التي تواجهها حتى تستطيع السير والإنجاز. وإن بقي الوضع على حاله وبقي القائمون يفكرون بالنقابة بنفس الطريقة مهملين التغيّرات التكنولوجية وما نتج عنها من تغيّرات اقتصادية واجتماعية وإدارية وقانونية فسيكون المؤتمر القادم هو مؤتمر عزاء للمهنة وليس انطلاق، وعندها لن يجدي كثرة المعزِّين ورفعة مستواهم في إحياء الميّت.