علينا أن نعترف، شئنا أم أبينا، أننا أمام نهاية حقبة مؤسسات المجتمع المدني التي تأسست ونشأت قبل قدوم السلطة الوطنية الفلسطينية، وزاد انتشارها منذ حقبة التسعينات، وعلى وجه الخصوص تلك المؤسسات الحقوقية الفلسطينية التي ولدت من رحم النضال الوطني الفلسطيني، واقترن وجودها بالعمل الحقوقي الفلسطيني.
يجري البحث الآن عن إنشاء مؤسسات جديدة ترفض التدخل في القضايا الحقوقية المتعلقة بانتهاكات الاحتلال لحقوق الإنسان، ومفصولة تمامًا عن القيم الحقوقية الوطنية
هذه المؤسسات استطاعت أن تقدم خدماتٍ حقوقيةٍ جليلة على المستويين الوطني والدولي، وأزعجت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بما حققته من نتائج. ويجري البحث الآن عن إنشاء مؤسسات جديدة لا يتعدى اهتمامها تقديم الخدمات للسكان، أو الرصد وإصدار البيانات والمواقف، وترفض التدخل في القضايا الحقوقية المتعلقة بانتهاكات الاحتلال لحقوق الإنسان، أو لا أثر أو عمل لها في القدس المحتلة والمناطق المصنفة ج، ومفصولة تمامًا عن القيم الحقوقية الوطنية الفلسطينية، أو ملامسة هموم المواطن.
اقرأ/ي أيضًا: 134 مؤسسة فلسطينية ترفض تمويلاً أوروبيًا مشروطًا
المؤسسات الحقوقية الفلسطينية مستهدفةٌ منذ عدة سنوات، تعرض بعضها إلى ضغوطٍ وحملات تشويهٍ وإساءة سمعة، خاصةً تلك المؤسسات التي استطاعت أن تضع الملف الحقوقي على طاولة الهيئات الحقوقية الدولية، واستطاعت أن تحقق إنجازاتٍ كبيرةٍ في هذا الملف، وبنت فريقًا دوليًا حقوقيًا متضامنًا مع الحقوق الفلسطينية، ومن ثم بدأت الدائرة تتسع لتشمل حملات المقاطعة على ضوء ما حققته من نتائج، وتمت محاربتها لدرجة تأسيس وزارة إسرائيلية خاصة سميت وزارة الشؤون الاستراتيجية التي صنفت حركة المقاطعة والحركة الحقوقية كثاني أخطر تهديد استراتيجي لـ "إسرائيل" بعد التهديد النووي الإيراني، ووضعت تلك الوزراة برنامجًا من بعض ملامحه السعي لإقرار قوانين تجرمها باعتبارها حركاتٍ ومؤسساتٍ "لا سامية"، وتجفيف الموارد المالية الدولية لتلك المؤسسات، ونجحت هذه الجهود للأسف في خلق مصاعب تواجه عمل هذه المؤسسات.
الرغبة في التخلص من وجود هذه المؤسسات لم يتوقف عند هذا الحد، بل أصبح ممول هذه المؤسسات هو المستهدف، وتعرض الممولون الدوليون إلى ضغوط شديدة قادتها وزارة الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية وراصد المنظمات الأهلية - NGO Monitor، هدفها تتبع مؤسسات المجتمع الفلسطيني والتحريض عليها، واستطاعت هذه الجهات أن تدفع جهاتٍ ممولة غربية لفرض شروط سياسية على التمويل.
تعرض الممولون الدوليون إلى ضغوط شديدة إسرائيلية هدفها تتبع مؤسسات المجتمع الفلسطيني والتحريض عليها
بدأ الضغط بما يسمى وثيقة مكافحة الإرهاب الأميركية - ATC، حيث فرضت وكالة التنمية الأميركية التوقيع على وثيقة مكافحة الإرهاب التي تتضمن معظم الفصائل الفلسطينية، فاتخذت المؤسسات الأهلية الفلسطينية موقفًا رافضًا للوثيقة، ولم تتقدم بطلبات للحصول على تمويل منها، فنشأت على الفور مؤسساتٌ جديدةٌ رأت في ذلك فرصة تمويل جديد في ظل مقاطعة المؤسسات الحقوقية والأهلية العريقة للتمويل، وأصبح لدينا فئة جديدة من المؤسسات تعمل بالمال المشروط، ولم يتم على الإطلاق محاربتها أو التشهير بها أو نبذها، وبدت تشبه أية مؤسسة أخرى من المؤسسات القائمة.
اقرأ/ي أيضًا: عريقات للأوروبيين: شروطكم لتمويل منظماتنا الأهلية مرفوضة
المؤسسات الحقوقية الفلسطينية بقيت قائمة وقوية وتعتمد على المال غير المشروط -نسبيًا- المقدم من قبل الاتحاد الأوروبي ومن قبل بعض الدول الأوروبية، وهذا يشكل أكبر مصدر لتمويل مؤسسات المجتمع المدني، لذا أصبح الاتحاد الأوروبي ودوله هدفًا لحملات التحريض والضغوط الإسرائيلية لوقف تمويل المؤسسات الحقوقية، ولفرض شرط توقيع وثيقة الإرهاب على المؤسسات الفلسطينية.
يوجد تشابهٌ في المبدأ بين غالبية الدول من حيث طلب التوقيع على هذه الوثيقة، لكن هناك اختلافٌ في التفاصيل، فمثلاً تتبنى الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول الاسكندفانية موقفًا عالميًا فحواه أن أية جهة تتلقى تمويلاً، مسؤولة عن ضمان عدم تحويل أي أموال لأية جهة ضمن قوائم العقوبات الأوروبية دون أن تكون هذه الجهة الممولة -إن أخلَّت بالشرط- عرضة للملاحقة القضائية.
ولائحة العقوبات الأوروبية تضم سبعة تنظيمات سياسية وعسكرية، لكنها حتى هذه اللحظة لا تضم أية شخصيةٍ فلسطينيةٍ من أي فصيل كان، حتى الإسلامية منها. ولا تضم القائمة أيضًا أية جمعية فلسطينية على الإطلاق. أما القائمة الأمريكية فتضم فصائل وجمعيات وشركات قطاع خاص وأشخاصًا أيضًا، وهي غير قابلة للحصر، ومخالفتها تستوجب الملاحقة القضائية بل التعويض.
اللائحة الأوروبية تشمل 7 تنظيمات فلسطينية لكنها لا تضم شخصيات ومخالفتها لا توجب عقوبات
ما سبق يعني أن أية منظمة أهلية فلسطينية تحصل على تمويل أوروبي يحظر عليها أن تصرف قرشًا واحدًا على أي من الفصائل السبعة المذكورة على القائمة التي لا يمكن تحديثها إلا بموافقة 27 دولة أوروبية، لكن لا يحظر عليها التعامل مع الأشخاص الأعضاء في هذه الفصائل. يعني، يُحظَر إصدار شيك لصالح حركة حماس، لكن يمكن أن يتقدم رئيس الحركة لأي نشاط تنظمه المنظمة الأهلية، وبالتالي لا يتطلب تنفيذ الأنشطة أي مسح على الأفراد أو القاعات أو الجمعيات التي سينفذ بها، على خلاف شروط التمويل الأمريكي USAID الذي كان وما زال يشترط منذ سنوات طويلة أن يتم إجراء مسح أمني يشمل المؤسسات والشركات والأفراد والمستفيدين من المشروع لضمان عدم وجودهم على قوائم الإرهاب، وكثيرًا ما كان يرفض حتى مشاركة أشخاص في هذه الأنشطة.
اقرأ/ي أيضًا: لا تكسروا شوكة مؤسسات المجتمع المدني
حصلت مئات الجمعيات على منح أمريكية بهذه الشروط، ونفذت آلاف الأنشطة على هذا الأساس خلال العقد الأخير، ولم تخرج أصواتٌ تعارض التمويل سوى الموقف الذي اتخذته الجمعيات الحقوقية الفلسطينية بمقاطعة التمويل ليس من باب فرض الشروط السياسية فحسب، بل لأن التمويل يفرض تمييزًا بين متلقي الخدمات على أساس انتمائهم السياسي.
عقود الاتحاد الأوروبي عالمية، وليست للاتحاد عقود خاصة بفلسطين، ولها دليل عمليات عالمي (PRAG)، وكان الدليل المعمول به حتى عام 2018 يضم فقرة تلزم الموقعين على العقود بعدم تحويل الأموال لأي من التنظيمات المدرجة على القائمة، مع وجود بند في العقود يشير إلى هذا الدليل، أي أن شرط عدم تحويل الأموال للتنظيمات قديم لكنه كان بين السطور، وتم إقرار عقود جديدة وضع فيها بندٌ صريحٌ منسوخٌ من ذلك الدليل.
أثار الطلب من المؤسسات الفلسطينية التوقيع على هذا العقد، ورغم اختلاف الشروط عن الوثيقة الأمريكية، عاصفة لم تثر على هذه الشروط من قبل، سواءً التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية أو تفرضها كندا، أو تلك التي تفرضها وكالة التمية السويديةSIDA ، وفتح نقاش التمويل الأوروبي على مصراعيه، فجرى حوارٌ داخليٌ معمقٌ داخل مؤسسات المجتمع المدني، وحوارٌ لا يقل عنه عمقًا مع الاتحاد الأوروبي، وكان رواد الحوار مؤسسات حقوقية وطنية لها تاريخٌ حافلٌ في العمل الأهلي، ولها من المصداقية والفاعلية ما يؤهلها لخوض الحوار، ومع ذلك لم يتوصلوا إلى نتيجة واحدة حاسمة، وبدا أن هناك وجهتي نظر حول التعامل مع الشرط الأوروبي الخاص بوثيقة مكافحة الإرهاب، دون الخروج بقرار يشكل مرجعية.
حوار المنظمات الأهلية حول شروط التمويل الأوروبي أنتج وجهتي نظر دون أن يخرج بقرار يشكل مرجعية
وجهة النظر الأولى تبنت موقفًا ايدولوجيًا رافضًا للشروط والتوقيع على هذه المنحة رفضًا تامًا، بل يقول بعضهم إنها جزءٌ من "صفقة القرن"، حيث يحمل رأيهم دوافع سياسية أكثر من كونها حقوقية، وتمترسوا بقوة بالرفض، وتبنوا موقفًا مبدئيًا بذلك، مع أن باب الحوار بينهم وبين الاتحاد الاوروبي ما زال متواصلًا، وقد يصلا في المستقبل إلى نتيجة مرضية للطرفين، أو تنهى العلاقة بين الطرفين، ولديهم الاستعداد للسير في هذا الخيار المبدئي لو انهارت مؤسساتهم، فهذه الشروط تتبناها أيضًا باقي الدول الأوروبية مصدر التمويل الرئيسي لهم.
اقرأ/ي أيضًا: مجتمعنا المدني أغصانٌ بلا جذور
أما وجهة النظر الأخرى فترى أن ما يجري يأتي تحت ضغط إسرائيلي على أوروبا لوسم المؤسسات الأهلية بالإرهاب، بدليل رفضها التوقيع المنحة الأوروبية رغم شروطها المخففة. وترى أن "إسرائيل" تراهن أن ترفض هذه المنظمات التوقيع على المنحة وتخسر ممولها الرئيسي وتنهار، فتريح رأسها من القضايا التي ترفعها هذه المنظمات على المستوى الدولي، خاصة في لجان الأمم المتحدة والجنايات الدولية والمحاكم الوطنية الأوروبية، أو تلك التي نجحت فيها أمام المحاكم الإسرائيلية في منع هدم مئات البيوت، أو مصادرة آلاف الدونمات، أو استعادة عشرات جثامين الشهداء المحتجزة في مقابر الأرقام.
ورغم صعوبة الموقف، اختارت هذه المؤسسات، وهي ذات ماض عريق، موقفًا برغماتيًا يهدف إلى إفشال المخطط الإسرائيلي لإغلاقها أو التحريض عليها، باعتبارها داعمة للإرهاب، فاختارت القبول بالمنحة الأوروبية مع التحفظ عليها، بعد أن حصلت على توضيحاتٍ تضمن عدم المساس بوطنية برامجها أو التمييز بين المواطنين سياسيًا في الخدمات التي تقدمها. وبذلك تجلى لدينا موقفان وطنيان بامتياز، لكنهما متعارضان، رغم أن الحوار أحيانًا والتراشق أحيانًا أخرى ما زال قائمًا بين الرؤيتين، لكن الخطورة تكمن في شق المجتمع، خاصةً مجلس منظمات حقوق الإنسان، أو شبكة المنظمات الأهلية التي تبنت موقفًا رافضًا للغة التخوين وداعمًا لاستمرار الحوار.
تجلى لدينا موقفان وطنيان بامتياز، لكنهما متعارضان، رغم أن الحوار أحيانًا والتراشق أحيانًا أخرى ما زال قائمًا بين الرؤيتين
اللافت للانتباه في ظل هذا التباين، بروز فاعل ثالث في الأزمة، هويته أو الجهات التي تقف خلفه مجهولة على ما يبدو للمؤسسات الأهلية الفلسطينية، لكنه شن حملة تحريضية وتشهيرية كبيرة ضد المؤسسات التي وقعت على المنحة الأوروبية، استهدفت على وجه الخصوص ثلاث مؤسسات وشخوص القائمين عليها، من أصل عشر مؤسساتٍ وقعت على المنح الأوروبية.
اقرأ/ي أيضًا: سيداو في صحافة ما بعد الحقيقة
واللافت للانتباه، أن المؤسسات التي استهدفت الحملة هي تلك المؤسسات التي تنصب برامج عملها على مدينة القدس، مثل مركز القدس للمساعدة القانونية الذي يقوم مشروعه -الموُقَّع مع الاتحاد الأوروبي- على تحالفٍ يضم خمس مؤسساتٍ حقوقيةٍ في مدينة القدس من أجل خلق آليةٍ موحدةٍ لتقديم المساعدة القانونية لأهالي القدس، وعنوان مشروعهم ومضمونه وطني بامتياز يهدف إلى التصدي لسياسة التهجير القسري الإسرائيلية لفلسطينيي القدس.
هكذا يتبين أن الفاعل أو الفاعلين المجهولين الذين شنوا حملات التحريض والتهديد للمؤسسات الموقعة يريدون بضربة واحدة محكمة أن يحققوا عدة أهداف، أهمها سحب هذه المؤسسات توقيعها على المنحة وبالتالي شل عملها في القدس، وتكريس واقع المدينة باعتبارها "العاصمة الأبدية لدولة إسرائيل"، حيث سيفقد الفلسطينيون فيها هذه الأدوات الفاعلة.
تهدف حملات التحريض أيضًا، لأن تنهار هذه المؤسسات وتفقد قدرتها على التحرك في برامجها التي تزعج سلطات الاحتلال، إضافة لتأجيج الصراع بين المؤسسات الأهلية ليبدو كأن هذا التحريض تقف وراءه بعض مؤسسات المجتمع المدني، وهذا أمرٌ يبدو أنه ليس دقيقًا، وبالتالي لا يكون الصراع مع السياسة الإسرائيلية التي تمارس ضغوطًا على الاتحاد الأوروبي، ولا لتغيير الشرط الأوروبي أو منع توسيعه في المرات القادمة، ليشمل الجمعيات والشركات والأفراد على غرار بعض المانحين الآخرين.
لا شكَّ أن المرحلة التي تمر بها مؤسسات المجتمع المدني خطيرة ومعقدة، وتتطلب الانتقال من مرحلة الحوار داخل مؤسسات المجتمع المدني إلى الحوار الوطني الأشمل، أي الحوار الذي تشارك فيه كل الأطراف الوطنية، وفي مقدمتها منظمة التحرير، وكذلك الحكومة التي لا يجوز أن تبقى صامتة وكأن الأمر لا يعنيها.
المرحلة التي تمر بها مؤسسات المجتمع المدني خطيرة ومعقدة، وتتطلب الانتقال من مرحلة الحوار داخل مؤسسات المجتمع المدني إلى الحوار الوطني الأشمل
هذا الحوار يجب أن يشارك فيه القطاع الأهلي والقطاع الخاص والفصائل الفلسطينية تامة بما فيها حركة حماس، وكذلك شخصيات مجتمعية، بل يمكن توسيعه بمشاركة شخصيات حقوقية دولية متضامنة مع الشعب الفلسطيني. حوارٌ يتم فيه تشخيص المشكلة وفرص معالجتها، وتقييم السياسات القائمة والسياسات القادمة.
اقرأ/ي أيضًا: العمل الأهلي الفلسطيني: كرة في ملعب التمويل
نحتاج أن يؤسس هذا الحوار لمرحلةٍ جديدة من عمل مؤسسات المجتمع المدني، تجعلها قادرة على الاعتماد على المال الوطني الذي يشارك فيه دافع الضرائب والقطاع الخاص، فالعمل الأهلي ومهما كان لدينا عليه من انتقادات، لكنه قدم للشعب الفلسطيني ما لم يقدمه أي طرف آخر، وبالتالي من غير المقبول انهياره، وهذا لن يتحقق إلا بالحوار الوطني.
أعتقد أن الحوار العميق والمثمر لا يمكن أن يكون صحيًا تحت سيف التهديد، ولا يمكن إطلاقه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يفتي الناس في كل شيء، من مرض السرطان وحتى صناعة المفاعلات النووية. المطلوب حوارٌ مسؤولٌ لا يقود إلى سياسة دفع مؤسسات المجتمع المدني على الانتحار، فليس الهدف خلق قطيعة مع الاتحاد الأوروبي أو أي من الجهات الداعمة للشعب الفلسطيني، بل يمكن تحويل الطاقة التي نحرقها في الصراع الداخلي إلى طاقةٍ لمواجهة الحملات الإسرائيلية المناهضة لمؤسسات المجتمع المدني.
مئات الرسائل الضاغطة والتحريضية على مؤسسات المجتمع المدني وجهتها "إسرائيل" إلى المؤسسات الدولية والبرلمان الأوروبي، ومنها رسالة من وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلية جلعاد أردان إلى وزير السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي والبرلمانات، يدعي فيها أن المؤسسات الفلسطينية تضغط للسماح لها بتحويل أموال دافع الضرائب الأوروبي لما وصفها بأنها "منظمات إرهابية".
مئات الرسائل الضاغطة والتحريضية على مؤسسات المجتمع المدني وجهتها "إسرائيل" إلى المؤسسات الدولية والبرلمان الأوروبي
في المقابل، لا يزال الصوت الفلسطيني في هذا الشأن باهتًا، مع أننا لا يخجلنا إطلاقًا أن نكون شعبا نابذًا للإرهاب، فالنضال الوطني الفلسطيني ليس إرهابًا، بل هو نضالٌ مشروعٌ وتقره القوانين الدولية وقرارات الأمم المتحدة، ضمن معايير وضوابط. فلماذا لا نستفيد من تجربة حركة حماس حين قررت أن تستخدم القانون الدولي في الدفاع عن نفسها وتوجهت إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان لتزيل صفة الارهاب عن نفسها في قائمة الاتحاد الأوروبي؟ لقد نجحت حماس في المرحلة الأولى فعلاً، وما زال أمامها مرحلتان. ولماذا لا توجه هذه الطاقة التي ثارت من أجل التمويل وحصصه وشروطه من أجل إثارة قضايا قادة المجتمع المدني المعتقلين في السجون الإسرائيلية باعتبارهم معتقلي رأي؟
علينا أن نبقى مجتمعًا مدنيًا قويًا وطنيًا موحدًا. ظاهرةٌ طبيعيةٌ أن يحصل بيننا الاختلاف، لكن من غير الطبيعي أن يحصل الانقسام، وأن يأخذ أبعادًا مدمرة. الوضع الطبيعي أن تبقى المبادئ السامية موحدة لدى الجميع، وأن تختلف في نفس الوقت القيم، فالقيم تتعلق بالوسائل والأهداف. ومن الطبيعي أن يحصل الاختلاف، لكن المبادئ واحدة للجميع ومن الممنوع المس بها، لذا لا يجوز أن يتحول اختلاف القيم إلى اختلاف مبادئ، ويخون طرفٌ طرفًا آخر، فالكل ينطلق من رؤيته للمصلحة العامة ومبادئها.
اقرأ/ي أيضًا: