13-أبريل-2020

يبدو أن الاعلام ليس وسيلة نقل معلومات عن جهود مكافحة كورونا، بل هي الوسيلة الأهم فلسطينيًا لمحاربتها، لذا اشتد التنافس عليها، فنشر معلومات حول عدد الإصابات والحالات المتعافاة يجري حوله تنافس من مستويات عده، ويبدو أحيانًا ان الإرباك هو سيد الموقف.

بدت جائحة كورونا حلبة تنافس إعلامي تشبه حلبة الدعاية الانتخابية، لكنها هذه المرة دعاية انتخابات البرايمرز داخل الحزب الحاكم وليست انتخابات عامة

تقاربٌ لافت في الموعد بين خطاب الرئيس والمؤتمر الصحفي لرئيس الوزراء، ووزيرة الصحة تسارع لإعلان نتائج الإصابات باعتبارها صاحبة اختصاص، والناطق الرسمي يحتجب عن الظهور في الإيجاز الصحفي لاعتقاده أن هناك من يحجب عنه المعلومات ليتفرد بها. محافظٌ سعيدٌ بعثوره على مصاب بفايروس كورونا في محافظته ليعقد حوله مؤتمرًا صحفيًا وينافس محافظًا آخر كسحت صوره مواقع التوصل الاجتماعي، من بينها صورة قديمة عمرها أعوام.

اقرأ/ي أيضًا: هل أخطأنا بحق عمالنا داخل الخط الأخضر

بذلك بدت جائحة كورونا حلبة تنافس إعلامي تشبه حلبة الدعاية الانتخابية، لكنها هذه المرة دعاية انتخابات البرايمرز داخل الحزب الحاكم وليست انتخابات عامة.

اليوم الإثنين، 13 نيسان/إبريل 2020، حيث يمر 40 يومًا على اكتشاف أول إصابة بالفايروس في محافظة بيت لحم، هذه المدينة التي عاشت حصارًا لم تعشه حتى الآن أي مدينة فلسطينية. انتهت فترة الصدمة ومراسم التهليل والتكبير، وحان وقت المساءلة والتقييم للأداء بعيدًا عن أي دوافع شخصية أو حزبية. الآن، الوقت الذي يجب أن تكون فيه الحكومة مستعدةً للإجابة على أسئلة عديدة تهم الجمهور، وتقض مضاجعهم.

دعونا نتناول اليوم مدينة بيت لحم، المدينة المحاصرة منذ أربعين يومًا، التي عانت أكثر من أي مدينة أخرى. مدينةٌ أغلقت إغلاقًا تامًا عن بقية المدن، قطاعها السياحي الذي يُشغّل قرابة ربع العاملين فيها مشلولٌ شللاً تامًا، فنادقها ومطاعمها ومتاجرها خالية من الزبائن، بل فتحت فنادقها أبوابها لحجر المصابين وسنَّت للمحافظات سنة جديدة، ولم تعد قادرة على تغطية رواتب موظفيها، بل سارعت منشآت عديدة منها إلى تسريح موظفيها دون التزام بالاتفاق الذي وقعه القطاع الخاص مع النقابات ووزارة العمل، والحال في قطاع البناء الذي يشغل الربع الثاني من القوى العاملة ليس بحال أفضل.

عمال المحافظة الذين يعملون داخل المشاريع الإسرائيلية قطعت بهم السبل، ورفضت الحكومة الإسرائيلية قبل السلطة السماح لأي عامل تلحمي الوصول إلى "إسرائيل" للعمل، لا عبر تصريح ولا تهريبًا، كما أن المدينة قد تكون الأقل من باقي المدن الرئيسية في تقلد الوظائف العمومية، لذا ضررها من الإغلاق كان أكثر من غيرها.

مدينة بيت لحم التي بدت شاحبة بائسة في أحد الشعانين، هي من رسمت نهجًا فلسطينيًا للتعامل مع كورونا، سارعت بالحجر الصحي والتزمت به، قدمت فنادقها منذ اللحظة الأولى، شكلت لجانًا للطوارئ، وشكلت نموذجًا تم تعميمه لاحقًا على باقي المدن الفلسطينية.

السؤال الهام، ماذا قدمت الحكومة للمدينة المنكوبة؟ حتى هذه اللحظة، وبعد مرور 40 يومًا على نكبة المدينة لم تقدم الحكومة أي شيء يذكر لصالح المدينة، لم يطأ أرضها أي من المسؤولين سوى وزيرة الصحة لساعات محدودة في بداية الأزمة، ولم تكررها. محافظ المدينة الذي قاد الأزمه بعيدًا عن البهرجة الاجتماعية، هو أرفع مسؤول وطأت قدماه وما زالت أرض المدينة، لم تقدم الحكومة لأهلها المنكوبين أية مساعدات مالية، علمًا أنها رصدت لكورونا موازنة طارئة مقدارها 137 مليون دولار، لكنها لم تحدد بنود هذه الموازنة وكيف ستصرف.

كل ما وصل المحافظة رسميًا قافلة "مساعدات" قدمها الرئيس محمود عباس تحتوي على 2500 طرد غذائي، قدمت لمحافظة يعد سكانها حوالي ربع مليون نسمة

كل ما وصل المحافظة رسميًا قافلة "مساعدات" قدمها الرئيس محمود عباس تحتوي على 2500 طرد غذائي، قدمت لمحافظة يعد سكانها حوالي ربع مليون نسمة، وروجت وسائل إعلام لهذه القافلة كثيرًا لكنها لم تحل جزءًا يذكر من إشكالياتها. أما ما تبقى من مساعدات مجتمعية فلا شفافية يحاط بها ولا معرفة بآليات توزيعها.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا في فلسطين: وباء في مستعمرة المستوطنين

أعتقد أن الحكومة التي تلقت خلال السنوات التي خلت مئات ملايين الدولارات من محافظة بيت لحم، يمكنها أن تعيد من الفضل القليل، يمكنها أن تدفع مبلغًا ماليًا مقطوعًا لا يقل مثلاً عن خمسمائة دولار لكل عامل يعمل في القطاع الخاص في مشاريع المدينة ومسجلٌ لدى دائرة ضريبة الدخل وتوقفت منشأته عن العمل، تعويضًا لهم عن أجرة شهر آذار/مارس.

يمكن للحكومة أن تلزم البنوك بتقديم قرض مالي لكل عامل من هؤلاء العمال في القطاع الخاص الذين يتلقون رواتبهم من البنوك، بنفس القيمة التي قدمتها الحكومة بدل تعطلهم عن العمل في شهر نيسان/إبريل، دون أن يترصد على هذا القرض أية فائدة، وأن يتم سداده للبنوك تقسيطًا بعد العودة إلى الحياة الطبيعية.

يمكن للحكومة أن تلزم اتحاد نقابات العمال بأن يدفع مبلغًا ماليًا بنفس القيمة على كل عامل يعمل في المشاريع الإسرائيلية، وذلك من اقتطاعات العمال التي حصدها الاتحاد على مدار السنوات السابقة. أما باقي الفئات فلتتحمل مسؤوليتها وزارة الشؤون الاجتماعية، ويمكن لصندوق الاستثمار أن يتبرع بحصة لذلك.

لا يمكن لمدينة السلام أن تحمل أكثر مما حملت حتى يوم أربعينها، ولا يمكن أن ينتظر الجمهور حتى تصل المساعدات الأوروبية أو غيرها

بذلك تكون الحكومة قد أغاثت المحافظة، ووفرت بين أيديهم سيولة نقدية تمكنهم من اجتياز المرحلة، وتواصل في ذات الوقت استعدادها لإغاثة باقي المحافظات. فلا يمكن لمدينة السلام أن تحمل أكثر مما حملت حتى يوم أربعينها، ولا يمكن أن ينتظر الجمهور حتى تصل المساعدات الأوروبية أو غيرها. وفي كل الأحوال، لا بد من مزيد من الشفافية في آليات الصرف والدفع، كي لا ينقلب السحر على الساحر، ومسؤولية الجميع أن يتحمل الأعباء بشفافية.

محافظٌ آخر مازال ينتظر حظه بالعثور على مصاب، والدائرة تتسع، أعتقد أن القصة الحقيقية هذا اليوم ليس المصابين أو المتعافين، بل كيف احتفل مسيحيو بيت لحم المحاصرة منذ خمسة أسابيع في عيدها، كيف احتفل مسيحيو رام الله بعيدهم؟ من شاركهم من المسؤولين العيد ولو بزيارة رمزية إلى أحد الشوارع؟

أعتقد أن هذه هي القصة، وكيف يعيش أهل مدينة بيت لحم المغلقة تمامًا؟ هل فيها من جاع؟ هل فيها من يحتاج العون ولم يصله العون؟ أليست هذه هي المدينة التي شكلت نموذجًا فلسطينيًا تم تعميمه على باقي المدن الفلسطينية؟ أليست هي المدينة التي فقدت كل مصادر دخلها؟ ألا تستحق أن يعلن عنها مدينة منكوبة وتقدم لها الحكومة المساعدات المالية قبل غيرها؟


اقرأ/ي أيضًا: 

الكرنتينا: تاريخ الحجر الصحي في فلسطين

تأملات في زمن الطوارئ