14-مارس-2018

لقد وقعت النساء في حب المطالبة بحقوقهن، وعلينا أن ننقذ أنفسنا من ذلك. بالأحرى علينا أن نعيد سرد حكاية هذه الحقوق منذ البداية أولًا، ثم فلنتحدث لماذا يبدو هذا الحب خطيرًا نوعًا ما، خطيرًا على الحقوق نفسها.

"إن الوضع الحالي للمرأة نشأ منذ البدايات الأولى للمجتمع البشري، ففي فجر التاريخ وجدت امرأة ما نفسها في حالة عبودية لرجل ما، ربما بسبب ضعف قواها البدنية، ثم بدأت القوانين والنظم السياسية، كما هو الحال دائمًا، بالاعتراف بالوضع القائم، والعادات والعلاقات الموجودة بالفعل، ثم أحالت هذه الوقائع إلى قوانين، لأن القوانين ليست سوى تلخيص للأوضاع واعتراف بالعلاقات التي تكون موجودة فعلًا بين الأقوياء، وهي بذلك تحيل الوقائع المادية إلى حق قانوني وتضفي عليها مشروعية بإقرارها بواسطة المجتمع". هذا ما جاء في تقديم أستاذ الفلسفة إمام عبد الفتاح لما قاله الفيلسوف جون ستيوارت، في الفصل الأول من كتابه "استعباد النساء".

الحقوق التي تطالب بها النساء ليست حقوقًا نسوية؛ بل هي حقوق إنسانية، قد تُسلب من البعض بسبب جنسهم أو دينهم أو لونهم

إذن، لقد سلب التفوق البدني للرجال على النساءَ حقوقهن، والحقوق التي تطالب بها النساء ليست حقوقًا نسوية؛ بل هي حقوق إنسانية، لا حقوق نساء ورجال هنا، بل حقوق إنسان قد تُسلب من البعض بسبب جنسهم أو دينهم أو لونهم في أزمنة وأماكن مختلفة؛ يسيطر فيها القوي على القانون ويجعله مناسبًا له ويشبهه. فما تطالب بها النساء في بلد ما قد تطالب بها أقلية دينية  في بلد آخر، والمحظورات على النساء في زمان ما ومكان ما، كانت محظورات أيضًا على عرقٍ ما في زمان ومكان أخريين. لماذا يبدو هذا مهمًا؟ لأن إعادة فكرة الحقوق لأصلها الإنساني سيحميها مرتين.

اقرأ/ي أيضًا: هل قلتِ أنا أيضًا؟ 

سيحميها من الغرق في حب شكليات ومظاهر المطالبة بالحقوق والاحتفال بها، فالاحتفال بات غير مرتبط بتحقيق الحقوق، بقدر ما بات مصدرًا لتحقيق الاكتفاء العاطفي بممارسة أشكال الاحتجاج. لقد أدرك الكثير من السياسيين ورجال الأعمال أن حالة الإشباع العاطفي التي تتحقق لدى النساء بممارسة الاحتجاج، هي من أفضل السلع التي يمكن بيعها لهنّ، وتمامًا كما تتحول كل فكرة نبيلة إلى مصدر رزق، فإن حقوق المرأة باتت مثل مرطب الشفاه ومسحوق الغسيل.

هذا خطيرٌ أليس كذلك؟ حسنًا هناك أمرٌ آخر غائبٌ هنا علينا استحضاره لنحمي الأصل الإنساني لفكرة الحقوق، إنه مراجعة الأدوار بين الجنسين. لقد تحولت حقوق العمل والدراسة والسفر إلى مسؤوليات إضافية إلى جانب مسؤوليات البيت، ولا أقصد هنا أنهما خياران منفصلان على المرأة أن تختار أحدهما دون الآخر، ولكن لماذا لم يتحدث أحد عن حقوق النساء داخل البيت؟ إن إعادة توزيع أدوار العمل يجب أن تشمل الأعمال داخل البيت كما خارجه، فالنساء أصبحن يعملن خارج البيت وداخله، لن اقول إن هذه الحقوق تحولت إلى أعباء بل سأقول إن الطرف (أ) يتكئ على الطرف (ب) ويستفيد منه حتى عندما يتعلق الأمر بممارسة (ب) لحقوقه الطبيعية.

إن إعادة توزيع أدوار العمل يجب أن تشمل الأعمال داخل البيت كما خارجه، فالنساء أصبحن يعملن خارج البيت وداخله

هل كان علينا أن نصيغ الموضوع بطريقة مختلفة؟ أقصد موضوع الحقوق، فبدلًا من المطالبة بحقوق النساء في ممارسة ما، كان يقتصر ممارسته على الرجال فقط، كان علينا المطالبة بإعادة تقسيم الواجبات التي عُرفت بوصفها مهامًا نسوية فقط بشكل أكثر عدلًا، أي أن نتحدث عن الواجبات والحقوق بوصفها إنسانية غير مشروطة بجنس معين.

 أرجوك لا تعتبر الموضوع تافهًا، فقد تخلّت الكثير من النساء عن فرص عمل أو لم يرغبن باستكمال الدراسة، ولسان حالهن يقول إن واجباتهن المنزلية والتزاماتهن العائلية ستمنعهن من ذلك. الكثير من النساء ينظرن إلى غيرهن ممن تمكنَّ من حمل السلة كاملة بما فيها البيت، والعائلة، والعمل، وكأنهن نساء خارقات لا تستطيع أي واحدة منهن أن تصبحهن! هنّ خارقات فعلًا. ولكن دعونا نعود هنا إلى وسائل الإعلام التي جعلت من هذا الوضع غير الطبيعي فرصة للترويج لمنتجها الجديد "السوبر وومن"، لقد وقعنا في فخ هذا المنتج، وبين النساء السعيدات بكونهن "سوبر وومن" والنساء المتحسرات لأنهن لسن كذلك، فإن المستفيد الأول من هذا الفخ، هم الرجال الإتكاليون، والكثير من وسائل الإعلام الربحية.

حسنًا قد يبدو تافهًا أن نتحدّث عن أعمال البيت والطبخ والعناية بالأطفال كجزء من موضوع حساس وعاطفي يحمل تاريخًا من المعاناة التي تكبدتها النساء من أجل إجراء تعديلات قانونية لضمان مشاركة سياسية واجتماعية عادلة في المجتمع. قد يبدو تافهًا أن نتحدّث عن هذا بينما يتحدّث آخرون عن ضرورة مراجعة قوانين القتل "على خلفية الشرف"، وتحقيق المساواة في الأجور، وقوانين الحضانة، والوصاية، والتنقل، والسفر، ولكن في هذه التفاصيل الصغيرة تكمن أفكارنا حول أنفسنا وتصوراتنا عن حقوقنا وواجباتنا وشراكتنا مع الآخرين، وعلى الأغلب فالرجل الذي يرى أنّ من واجبه إعداد طعام العشاء للعائلة؛ لأنه عاد من العمل قبل زوجته، لن تحتاج أن تتحدث معه كثيرًا عن الأصل الإنساني لفكرة حقوق المرأة، لأنه يدركها.


اقرأ/ي أيضًا:

حريتي بأن لا أكون حرة

جيجي حديد.. الجمال في مواجهة الاحتلال

السيدة ميشلين والفتاة الملثمة