23-يوليو-2019

أعلى إحدى ضفاف بحر مدينة غزة، التأمت عائلةٌ على مائدة موازية للشاطئ في مطعم "البحّار"، اختارت الساعة السادسة مساءً لتناول وجبة غداء بروتينية على مشهد وصوت الأمواج وهواء البحر الممزوج بمذاق أسماك الدنيس "الطازجة" التي ستزين مائدتهم بعد قليل.

مطاعم على شاطئ بحر غزة تُقدم وجبات سمك من برك صناعية يتم تغذية الأسماك فيها بالأعلاف الصناعية

بدأ "الجارسون" بنقل أطباق السمك على المائدة، بعدما انتهى الطبّاخ من إعدادها وتزيينها بشكل مثير للشهية، ومن قبله الصيّاد الذي اصطادها -فور رفع طلبات العائلة- من إحدى البرك الصناعية للأسماك وليس من البحر، فسمك البحر الذي يتغذى من الطبيعة لا مكان له على معظم مطاعم شواطئه.

اقرأ/ي أيضًا: كيف يصبح السمك الفاسد طازجًا في غزة؟

المطعم على البحر لكن السمك الذي يتناوله الزبائن من البِرك الصناعية التي يتم تربية الأسماك فيها وتغذيتها بالأعلاف الصناعية، تلك هي الصورة في مطاعم على شاطئ البحر.

آلاف الأسماك ازدحمت عند سطح مياه البحيرات الصناعية المقامة داخل المسمكة التابعة للمطعم، في محاولةٍ للحصول على المزيد من غذائها الذي هو أعلافٌ صناعيةٌ يتم من خلالها تسريع تكاثر هذه الأسماك، لتغطي طلبات ضيوف المطعم.

انتهى الغداء وغادرت العائلة مارّة من أمام تلك البحيرات المقامة على جوانب المطعم الذي بررت إدارته لـ الترا فلسطين إقامتها "بعدم كفاية أعداد الأسماك التي يصطادها الصيادون من البحر لتغطية طلبات الزبائن".

السمك الطازج لا يكفي

محمد الحاج، الإداري في مطعم البحّار قال: "غالبًا نقدم سمك الدنيس والقاروص من البرك الصناعية لأن ما يصطاده الصيادون لا يكفي حاجتنا، إضافة إلى أنهم لا يصطادون هذين النوعين إلا أقل القليل".

وبيّن الحاج، أن الصيادين يصطادون يوميًا ما بين 30 إلى 40 كغم فقط من هذين النوعين، معللاً ذلك بضيق مساحات الصيد التي تسمح بها سلطات الاحتلال في بحر قطاع غزة.

وجبة الشخص لدى "البحّار" تكلّف 40 شيقل، تشمل سمكة بوزن 500 غرام وصحن أرز وسلطة ومشروب. يضيف الحاج، "بالطبع المتوفر كما قلت سمك الدنيس والقاروص، لكن يمكننا توفير أنواع أخرى من الأسماك مثل الفرّيدي واللوقّس والسلطان إبراهيم وأنواع أخرى غالبًا تطلبها فئات من الناس".

يستغرق تربية السمكة في البركة الصناعية سنة كاملة حتى يصل وزنها من 400 إلى 500 كغم

فترة التربية حتى يصبح وزن السمكة في البركة الصناعية من 400 لـ500 غرام تصل إلى سنة، وهي مدةٌ كافيةٌ ليحافظ المطعم على طلبات الزبائن فقد إذا كان عدد السمك المربّى كبيرًا، وفق الحاج.

اقرأ/ي أيضًا: صيادو غزة: كان أسماك سامة

ويستدرك، "الناس تظن أن مياه هذه البرك حلوة، لكن هي في الحقيقة مالحة حسب مواصفات وزارة الصحة، هذا شيء، والشيء الآخر أن الفرق الوحيد بين سمك البحر والبرك بسيط، وهو أن الأول يتغذى على الطبيعة وسمك البرك على الأعلاف".

مطعم "البحّار" يوزع أسماكًا من البرك الصناعية على مطاعم أخرى على البحر، وعلى مواطنين أيضًا، لذا فإنه ليس الوحيد الذي يقدم الأسماك المرباة استزراعيًا.

صناعي مستورد وطازج محلي

مطعم السلام، أحد أشهر وأقدم مطاعم السمك على شاطئ بحر غزة، يُقدم أيضًا سمك البرك الصناعية للزبائن، لكنه يستورد هذه الأسماك من الجانب الإسرائيلي الذي يُقيم بركًا لها في عرض البحر، وهو يعتبرها أكثر جودة من تلك  المرباة في البِرك المقامة على البر في غزة، كما يقول محمود أبو حصيرة الإداري في المطعم لـ الترا فلسطين.

أرجع أبو حصيرة الأمر في البداية إلى "مزاج وجيب الزبون"، وقال: "هناك سمك لا نأتي به إلا من البحر ونحفظه لدينا لتقديمه للزبائن، كالجمبري والسلطان إبراهيم والكلماري أو كما يسميه الناس بالأقلام، والبليطة والسمك السويسي".

ويُبين أبو حصيرة أن معظم سمك البحيرات الصناعية الذي يُقدمونه للزبائن هو سمك الدينيس، وهو متوفر في مزارع غزة، "لكن نحن نستورده من إسرائيل عن طريق المعبر، وهو أكثر جودة لأن البرك الخاصة به مقامة في عرض البحر، حيث يتم إحاطة مساحة من البحر وعزلها لتربيته والاعتناء به بشكل خاص، وليس كبرك غزة على البر"، إلا أن إدارة مطعم البحار تنفي هذه الأفضلية، مؤكدة أن سمك البرِك في عرض البحر أيضًا تتغذى على الأعلاف الصناعية.

الطازج لا يسرُّ "الغزيين"

حتى لو توّفرت كل الأسماك طازجة، فهذا لن يكون من دواعي سرور الزبائن، لأن سعر الوجبة والكغم مرتفع، ولا يناسب جيوب عامة الناس من الغزيين، إذ يصل سعر الوجبة الواحدة من الجمبري مثلاً إلى 70 شيكل، واللوقس إلى 90 شيكل، ولذلك فإن زوار غزة وسياحها القلة هم حصرًا من يطلبون السمك الطازج، وفق إدارتي مطعمي "البحار" و"السلام".

زوار غزة هم حصرًا من يطلبون السمك الطازج، فسعر الوجبة منه لا يُناسب جيوب عامة الناس هنا

بعض المواطنين يجلبون السمك بأنفسهم لتناوله على شاطئ البحر مشويًا، لكنه ليس فقط سمك بركٍ صناعية وإنما مجمد أيضًا.

قال أبو حصيرة: "كثر من الناس يفعل هذا، المجمّد مناسب سعره لما في الجيب في ظل هذا الوضع، ونحن نقوم بإعداده للزبون بجانب السلطات والأرز والمشروبات مدفوعة الثمن وأجر الإعداد".

في النهاية، فإن الطازج لا يناسب أهل غزة محدودي الدخل بالمعظم، وفق أبو حصيرة والبحّار، لذا فإنك إن وددت أن تتمتع بتناول وجبة سمك من البحر على شاطئه، عليك أن تكون من أصحاب الدخل العالي أو سائحًا مرّ على غزة من معبرها الوحيد.


اقرأ/ي أيضًا: 

سردين غزة غذاء لفقرائها.. ماذا عن الصيد الجائر؟

مقهى في غزة يستعين بـ"السمك الطبيب"

سموم لذيذة على موائد الغزيين