21-مارس-2019

كشف أطباءٌ متخصصون في الأمراض الجلدية لـ الترا فلسطين عن تسجيل حالاتٍ عديدةٍ لنساءٍ عانيْنَ مؤخرًا من "الفقدان المفرط للشعر من فروة الرأس" في قطاع غزة، نتيجة استخدام مستحضراتٍ لـ"فرْد الشعر" تحتوي على "الكرياتين" و"البروتين"، وهما من عائلة البروتينات الليفية، ويُعدَّان من "المواد الصلبة عديمة الذوبان"، ويُخلطان وفق مختصين بمادة "الفورمالين"، وهي واحدة من أهم مُسبّبات الإصابة بالسرطان.

صالونات تجميل في غزة تستخدم في "فرد شعر" الزبونات مستحضرات تحتوي على مادة "الفورمالين" المسرطنة

الترا فلسطين فتح تحقيقًا في هذا الملف، أجرينا خلاله لقاءاتٍ منفصلةٍ مع سيداتٍ قُمنَ بـ"تمليس للشعر" خلال الشهور الأخيرة، انتهت واحدةٌ منها بتدخل "المخاتير" لحل النزاع بين عائلتين، بعدما تعرضت السيدة الأربعينيّة هالة سالم لتساقط كاملٍ للشعر من مقدمة رأسها، بعد أسبوعين فقط من عملية "فرد الشعر" في صالون تجميليّ، بتكلفة بلغت 900 شيكل، فتوجهت إلى الصالون مرة أخرى، لكن المسؤولة عنه نفت تمامًا علاقتها بما حدث لها.

اقرأ/ي أيضًا: صيدليات تبيع أدوية "ليست للبيع" مفقودة في وزارة الصحة

تابعت هالة حالتها تحت إشراف أخصائي الأمراض الجلدية عاطف زيارة، وقد أثبت الفحص الطبي أن ما حدث معها كان نتيجة "الفرد الخاطئ" من صالون التجميل، وهو ما أكده الطبيب لـ الترا فلسطين، فلجأت هالة لمخاتير عائلتها لحل المشكلة بعد أن تسبب تساقط شعرها بخلافات مع زوجها، فانتهى الأمر إلى إلزام المركز التجميلي بالتعويضات كاملةً، وعلاج الحالة على نفقته الشخصيّة لمدة ستة شهور، حتى تعافت نسبيًا وبدأ شعرها الذي فقدته بالنمو.

الشابة نسمة جميل تساقط شعرها أيضًا وأصابه الضعف، وأصبح طول كل شعرةٍ منه قصيرًا، وبات مظهرها "غير جذاب" وفق وصفها، مضيفة، "اضطررتُ لقص شعري بعدما فقدتُ ثقتي بنفسي تمامًا، وكان هذا رأي الطبيب أيضًا. فاستمرار التساقط غير الطبيعي جعلني مهمومة طوال الوقت، ومررتُ بحالة نفسيّة صعبة جدًا جعلتني أكره النظر إلى نفسي بالمرآة، حتى أنني اضطررت لارتداء غطاء الرأس في المنزل".

توّجهت نسمة للطبيب، فطلب منها إجراء تحاليل طبيّة لمعرفة مخزون الحديد ونسب الفيتامينات في جسمها، ليتبيّن أن تحاليلها خالية من أي مرض، فوصفَ لها الطبيب مجموعة كاملة من أقراص الفيتامين والشامبوهات كعلاج لثمانية شهور، وهي فاتورة جديدة دفعتها نسمة ضريبة لـ"فرد الشعر" في صالون "ليس ذي ثقة وغير مختص" وفق وصفها.

علم الترا فلسطين عن حالاتٍ أخرى أُصيبت النساء فيها بمرض الثعلبة وأمراضٍ فطرية أيضًا.

نسب غير آمنة!

لدى زيارتنا لعدة عياداتٍ طبيةٍ متخصصة في الأمراض الجلدية، علمنا أن 4-6 نساء يتوافدن إلى هذه العيادات أسبوعيًا للحصول على العلاج من آثار عمليات "فرد الشعر" التي تجري بشكل "خاطئ وعشوائي" من قبل بعض الصالونات، وفق ما أفادنا به الأطباء.

4-6 نساء يتوافدن أسبوعيًا لعيادات الأمراض الجلدية في غزة للحصول على علاج من آثار عمليات "فرد الشعر"

يُبين أخصائي الأمراض الجلدية عاطف زيارة لـ الترا فلسطين أنه يوجد في فروة الرأس في المتوسط 100 ألف شعرة، وينمو الشعر من تركيب موجود في الجلد يسمى بصيلة الشعر "Hair follicle"، وليست كل حالات فقدان الشعر بعد عملية الفرد قابلة للوقاية أو يمكن منعها، ولكن يمكن مراعاة العديد من الأساليب الطبية لتقليل فقدان الشعر.

اقرأ/ي أيضًا: هكذا تتحول الملابس محلية الصنع في غزة لملابس مستوردة

يقول زيارة: "كنوع من التحايل، استغلت بعض الشركات وصالونات التجميل اسم (كرياتين) للتغطية على مكونات المنتج، وبالتالي فإن هذا المنتج غير صافٍ بل مخلوط بمادة الفورمالين بنسبة تتعدى 4%، وهي عبارة عن مادة محنطة للشعر، تؤدي لموت الشعرة، الأمر الذي يثقل حمل البويصلة، وبالتالي يبدأ التساقط الذي تعاني منه أغلب السيدات".

ويُؤكد أن مادة "الكرياتين" وحدها غير مضرة، "لكن المشكلة تكمن في وجود مادة الفورمالين – الفورمالدهيد وهي الخطر الحقيقي، كما أن الحرارة العالية التي يتعرض لها الشعر أثناء جلسة الفرد تؤدي لتقصفه، ونتيجة التسخين تتصاعد مادة الفورمالدهيد على هيئة أبخرة ضارة، يمكن أن يتم امتصاصها عبر الجلد أحيانًا".

ويضيف، "لا يمكن القول بأن هناك عدة أنواع من المنتج، وإنما هو منتج واحد لعدة شركات وأسماء تجاريّة أشهرها الكرياتين البرازيلي -Brazilian blowout ، والكرياتين المركب - Keratin Complex Smoothing Therapy، والمنتجات تتفاوت حسب السعر، وحسب المواد المضافة إلى المستحضر النهائي".

ووفق زيارة، فإن مادة "الفورمالدهايد" يُمكن استخدامها بنسبٍ بسيطة آمنة نسبيًا (0.2%)، وبصورةٍ غير قابلةٍ للتبخر في عدة منتجاتٍ أخرى كطلاء الأظافر مثلاً، فيما سوّقت عدة شركات منتجة لـ"الكرياتين" منتجها تحت شعار "خالي من الفورمالدهيد"، إلا أن القياسات المختبرية التي قامت بها منظمة الصحة العالميّة وهيئة الصحة والسلامة المهنيّة "OSHA" أثبتت أن تلك المنتجات تحتوي على نسبة من "الفورمالدهيد" ولو ضئيلة.

وتابع، "كلما قلت هذه النسبة في المستحضر أصبحت فعاليته و قدرته على فرد الشعر أقل، وهذا ما لا يتناسب مع بعض الصالونات التي تلجأ للتحايل".

إذًا كيف يمكن معرفة المزيف من الكرياتين واختيار الأفضل؟ تشرح خبيرة التجميل أزهار عبد الرازق بأنه يفضل أن تقوم السيدة بمراجعة المكونات المدرجة على العبوة، وتتأكد أنها خالية أو بها نسبة بسيطة من "الفورمالدهيد - الفورمالين"، وذلك لتجنب مخاطر التعرض لها.

وأوضحت أنه يمكن التمييز بين "الكرياتين" الأصلي والمُقلّد بسهولةٍ لغير المختصين من خلال الرائحة، حيث أن الأصلي رائحته أخف، والمُقلد تكون رائحته مزعجة وتسبب "الحرقان" في العين وإفراز الدموع. كما أن المنتج الأصلي منه "ذو ملمس ناعم"، بينما المُقلد تكون به "حبيبات كثيرة".

"الكرياتين" الأصلى رائحته خفيفة وملمسه ناعم، أما المُقلد فبه حُبيبات كثيرة ورائحته ثقيلة تُسبب إفراز الدموع

وأفادت خبيرة تجميلٍ أخرى لـ الترا فلسطين -طلبت عدم كشف اسمها- أن صالونات التجميل لجأت مؤخرًا لخلط مواد "فرد الشعر" بمواد أخرى مثل "الجلات"، لأنها رخيصة الثمن ومفعولها أسرع. فمثلاً عبوة الـ100 غرام من الكريم ذاته "ومواد كيميائيّة أخرى ضارة" يتراوح سعرها من 6 إلى 10شيكل.

وأضافت أن الكمية وعدد العبوات التي يتم خلطها من هذا الكريم والمواد تختلف حسب طول الشعر وكثافته، "أي أنه أرخص، ولا يدوم أكثر من ثلاثة أشهر، مما يعني عودة الزبونة مرة أخرى للفرد في فترة قصيرة" وفق قولها.

وزارة الاقتصاد: ليس لدي إمكانية الفحص الدقيق

من هي الجهة المسؤولة عن إدخال هذه المواد إلى البلاد؟ توجهنا إلى وزارة الاقتصاد الوطني في غزة بحثًا عن إجابة لهذا السؤال، وتحدثنا مع المهندس الكيمائي نافذ الكحلوت، رئيس قسم خدمات الجمهور في دائرة حماية المستهلك، فأوضح لنا أنه "حتى الآن ومن خلال المعاينة بالعين المجردة للمنتجات الموّردة للأسواق، لم يلاحظ أي منتجات كرياتين تحتوي نسبة من الفورمالين أكبر من المسموح بها عالميًا، ومعظم العبوات التي عاينها مكتوب عليها خالٍ من الفورمالين" كما قال.

وزارة الاقتصاد: مختبرنا المتخصص بفحص مستحضرات التجميل ضعيف جدًا

وأضاف الكحلوت، "المنتجات التي تصلنا ولها تسجيلٌ صحيٌ في بلد المنشأ لا يتم فحصها، أما بقية المنتجات، فنقوم بفحصها، لكن ليس لدينا إمكانية الفحص الدقيق"، مؤكداً أن الوزارة درست 105 محاضر ضبط لمواد غذائيّة وأخرى خلال شهر آب/أغسطس 2017، تشتمل جميع المواد المعروضة في الأسواق.

ما الوضع القانوني لـمروجي هذه المنتجات؟

تنص المادتان رقم (79-80) من قانون الصحة العامة لعام 2004، على وجوب قيام مفتشيّ وزارة الصحة بالتفتيش داخل المؤسسات الصحية والصيدلانية وأي مكان يحتمل وجود أدوية أو مستلزمات طبية، وأخذ العينات اللازمة بعد عمل محضر إثبات للعينة المأخوذة. فيما تنص المادة (81) على معاقبة كل من يخالف أي حكم من أحكام هذا القانون، بالحبس مدة لا تزيد على سنتين، وبغرامة لا تزيد على ألفيّ دينار، أو بإحدى هاتين العقوبتين.

اقرأ/ي أيضًا: لحوم نافقة ومريضة على موائد الغزيين

سألنا وزارة الصحة في غزة عن هذه المنتجات والرقابة عليها، فاعترف مدير الطب الوقائي بالوزارة أن بوجود "ضعفٍ رقابي" يتمثل في عدم التوافق في الجداول الزمنيّة وآليات العمل بين البلديات والوزارة. وأكد أن الكثير من الفحوصات يلزمها تكاليف عالية لا تستطيع الوزارة تلبيتها في ظل غياب الموازنات التشغيليّة، كما أن تعطل أي جهاز يعني توقف الفحوصات تمامًا.

وزارة الصحة: الفحوصات لمستحضرات التجميل يلزمها تكاليف عالية لا نستطيع تلبيتها

أما بلدية غزة، فيقول رشاد عيد رئيس قسم مراقبة الأغذية والتراخيص المهنية والصحية فيها، إن دورها "يقتصر على الرقابة التي تتم مرة واحدة سنويًا مطلع كل عام"، مبينًا أن التفتيش كاملاً يقع على عاتق وزارة الاقتصاد وطواقمها، وأن البلدية لا تعطي تراخيص لمحلات بيع المستحضرات إلا بعد أن يحصل أصحابها على ترخيص معتمد من وزارة الصحة الفلسطينيّة.

وبالعودة إلى وزارة الاقتصاد وسؤالها عن دورها في فحص هذه المستحضرات، أقرّ الكحلوت بأن المختبر الخاص بفحص البضائع المستوردة في الوزارة "ضعيفٌ جدًا"، وتعتمد الوزارة على مختبر وزارة الصحة، "فهناك منتجاتٌ تحتاج فحوصاتٍ دقيقة لا تستطيع تنفيذها الوزارتان مجتمعتين" كما قال.

يُذكر أن إحصائية أصدرتها بلدية غزة عام 2017 أوردت أن 120 مركزًا تجميليًا مرخصًا يعمل في ثلاث محافظات، بينما تعذّر علينا حصر عدد صالونات التجميل التي تعمل دون ترخيص وتُنتشر في مناطق عديدة أكثرها في المخيمات.


اقرأ/ي أيضًا: 

خفايا تجهيز مخللات بغزة في رمضان

كيف يصبح السمك الفاسد طازجًا في غزة؟

غزة: منتجات "1 شيكل".. جودة ضعيفة وغش خفي