دأب منظّرو الحرب في "إسرائيل" منذ الحرب الثانية على لبنان، على إرجاع الهدوء السائد على الحدود الشمالية، لتطبيق "سياسة رب البيت أصابه الجنون"، كما فسّره في أكثر من مناسبة رئيس الحكومة الإسرائيلية آنذاك؛ ايهود أولمرت.
"سياسة رب البيت أصابه الجنون" بلورتها حكومة الاحتلال وشارك في صياغتها ثلاثة وزراء سابقين للجيش، وكان من أهدافها بناء حالة ردع يكون فيها رعب المدنيين من اندلاع الحرب عاملًا ضاغطًا على المسلحين
وفي إطار ندوة خاصة عقدها معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي INSS، بعد ثلاث سنوات من اندلاع حرب لبنان الثانية، قال رئيس الأركان في حينه، دان حالوتس: "يبدو أننا حققنا إنجازًا مكتملًا، صمتٌ على الحدود الشمالية لم نعهد مثله منذ السبعينيات".
ومضى حالوتس بعد الإسهاب في تشخيص الأخطاء التي ارتكبها جيشه في تلك الحرب، في شرح العقيدة العسكرية التي طبّقها خلال تلك الحرب: "العقيدة العسكرية التي أعتنقها بشأن الساحة اللبنانية، تبلورت قبل تعيني رئيسًا للأركان، وكانت تقوم على أساس أن العمل العسكري يجب أن يتّسم بمستوى من العنف أكثر بكثير من توقعات الخصم، يجب أن تبلغ ضرباتنا قوة تظهر أن "ربّ البيت أصابه الجنون"، مضيفًا: "إذا أردنا اختبار حرب لبنان الثانية وفق معيار الهدوء، تبدو حرب لبنان الثانية أكثر من الحروب التي سبقتها من حيث حجم الإنجاز، وهذا المعيار ليس من يحدد الصورة بشكل كامل".
وتنفيذًا لسياسة "رب البيت أصابه الجنون"، طبّق جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأرض ما أسماه بـ"عقيدة الضاحية" في إشارة لمعقل حزب الله اللبناني في بيروت، والتي كان من أهدافها بناء حالة ردع يكون فيها رعب المدنيين من اندلاع الحرب عاملًا ضاغطًا على المسلحين لثنيهم عن المبادرة لأي عمل قد يقود لحرب، وذلك من خلال "استهداف القطاع المدني، بتدمير المباني والبنى التحتية واستهداف المدنيين؛ لدق إسفين بين المقاتلين وحاضنتهم الشعبية".
رئيس أركان جيش الاحتلال، موشيه يعلون، بادر أثناء الانتفاضة الثانية، بعد تعاظم الهجمات الفلسطينية، إلى تنشيط ما يُسمى بـ "مركز عمليات الوعي"، وهو أحد أقسام جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان"، المتخصص في إدارة الحرب النفسية، ليطلق أكبر حرب نفسية في تاريخ جيش الاحتلال حتى تلك اللحظة، كانت تحمل عنوان "كي الوعي"، وتهدف إلى الضغط على السلطة الفلسطينية والفلسطينيين عمومًا، وإقناعهم أن المقاومة لن تحقق أي إنجاز لهم.
"كي الوعي" منذ تلك الفترة بات مصطلحًا متداولًا عندما يتم طرح أي مقترحات للتعاطي مع الفلسطينيين من جانب "إسرائيل"، وحتى أن الفلسطينيين باتوا يستخدمون المصطلح المنسوب إلى يعلون أكثر من الإسرائيليين في سياق أي نقاش أو تحليل سياسي.
بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية "الكابينت" الذي أعقب هجوم مستوطنة "نفيه يعقوب" في القدس مؤخرًا، تسابقت القنوات الإسرائيلية التلفزيونية، على تسريب فحوى الجلسة، طبعًا التسريبات مصدرها الوزراء فكل واحد منهم يريد استثمار ذلك لتعزيز صورته بأنه صاحب قبضة حديدية في مواجهة الفلسطينيين.
من جاء لـ "كي وعي" الفلسطينيين في شعفاط ومناطق أخرى، بات اليوم يحاجج بأنّ هذه السياسات "كيد مرتد" يعود على من بادر إليه
في النص الذي سرّبه التلفزيون الإسرائيلي الرسمي، يخاطب وزير الأمن القومي ايتمار بن غفير المجلس بالقول: يجب أن نطبّق "سياسية ربّ البيت أصابه الجنون"، مقترِحًا هو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش عقوبات انتقامية غير قابلة للتنفيذ على أهالي القدس، مثل ضرب حصار متواصل على مخيم شعفاط، وتفتيش المنازل منزلًا منزلًا، بالإضافة لسيل من العمليات الانتقامية.
واقترح ايتمار بن غفير فرض نظام حظر التجول بشكل متواصل على مخيم شعفاط، وعلى حي الطور الذي جاء منه منفذ عملية "نفيه يعقوب"، لكنّ هذا الاقتراح قوبل بمعارضة شديدة من قبل رؤساء الأجهزة الأمنية وعلى رأسهم رئيس جهاز المخابرات "الشاباك"، الذي قال إن سياسة فرض الإغلاق فشلت فشلًا ذريعًا قبل بضعة أشهر عندما جرى تطبيقها في مخيم شعفاط، بعد العملية التي نفذها عدي التميمي، بل إن الرغبة لدى الشبان في تنفيذ هجمات تزايدت بعد حصار مخيمهم.
ما يعني أنّ من جاء لـ "كي وعي" الفلسطينيين في شعفاط ومناطق أخرى، بات اليوم يحاجج بأنّ هذه السياسات "كيد مرتد" يعود على من بادر إليه.