18-مارس-2021

صورة توضيحية - gettyimages

"مين بدو يحاسبنا؟"، لم يفهم المواطن عدلي القواسمة من الخليل مغزى السؤال للوهلة الأولى، لكنه استوعب المطلوب بعد إلحاح سائق سيارة الإسعاف التي أقلت للتوّ شقيقه وجاره إلى المشفى، على السؤال من جديد.

سائق إسعاف "الهلال" طلب من عدلي 100 شيقل عن كل مصاب كأجرة نقل

سائق السيارة –التابعة للهلال الأحمر الفلسطيني- وبعد انتهاء قسم الاستقبال والطوارئ من معاينة وضع الرجلين (وقد تعرضا لحادثٍ مروري)، طلب من "عدلي" 100 شيقل عن كل واحدٍ منهما كأجرة نقل، فدفَع –مغلوبًا على أمره- وهو يسأل نفسه عن مدى أحقيته بالحصول على هذا المبلغ كمقابل نقل "رغم أنه نقل كليهما في نفس السيارة"!

اقرأ/ي أيضًا: بلاغات كاذبة و"تسالي" تُرهق الدفاع المدني والهلال الأحمر

الموقف ذاته، حدث مع مواطنةٍ من مدينة "دورا" جنوب غرب محافظة الخليل –فضّلت عدم ذكر اسمها- اتّصلت بالرقم المجاني للإسعاف (101)، بعد تعرض شقيقها لحالةٍ طارئة في المنزل، ليتم نقله إلى مستشفى الخليل مقابل 70 شيقلًا، "ودون وصلٍ يثبت ذلك".

الترا فلسطين تحدّث إلى ضابطَيْ إسعاف يتبعان للهلال الأحمر الفلسطيني –طلبا عدم الإشارة أو التلميح لشخصيهما، أو إلى المحافظة التي يعمل كل واحد منهما فيها- أحدهما سنرمز له بـ (س)، والآخر بـ (ع).

ينفي الأول وجود أي اتفاقٍ بين بعض ضباط الإسعاف وبعض المشافي، بأخذ أجرة مقابل نقل المرضى إليها، قائلًا: "هذا هُراء، بدليل أننا (ضباط الإسعاف) ملزمون وفق اللوائح المهنية، بسؤال المريض أو ذويه عن المشفى التي يرغبون بنقل مريضهم إليها".

ضابط إسعاف: لا اتفاق بيننا وبين مشافي بأخذ أجرة مقابل نقل المرضى إليها

وفي حال كان المريض وحده، وغير قادر على الاختيار، يعتمد ضابط الإسعاف –والحديث لـ (ع)- على خبرته في اختيار المشفى بنفسه، تبعًا لطبيعة الإصابة، في الرأس، أو الصدر، أو البطن، أو الساقين.

اقرأ/ي أيضًا:  دائرة التحويلات الطبية.. انتظار وأخطاء وشكاوى

واستعرض المسعف، ما أسماها بـ "التعرفة المالية" –المعتمدة- لبعض المناطق، كبدل تقديم خدمة نقل للمرضى، بغض النظر أكان ذلك من منزله إلى المستشفى، أو من مستشفى إلى أخرى، فأضاف: "داخل المدينة 50 شيقلًا، ومن القرى 70، وإلى محافظة قريبة يدفع المواطن 100 شيقل، وإلى محافظة بعيدة يدفع 250"، ملفتًا إلى حق المواطن في تلك الحالات جميعًا بالحصول على سند إثبات الدفع مباشرة.

لكن هذه التعرفة لا تشمل حوادث السير (يتابع) فإن كانت الحالة كذلك، تصبح التعرفة (120 داخل المدينة، و200 من القرى، وهكذا..)، "ذلك انطلاقًا من أن الجهة المُطالَبة بدفع المبلغ، غالبًا ما تكون "شركات التأمين"، "وفي كل الأحوال لا يطلب المسعف بدل النقل إلا بعد قيامه بواجبه كاملًا في تقديم الإسعافات الأولية للمصابين، والاطمئنان إلى دخولهم المستشفى" يقول.

ضابط الإسعاف (ع)، وهو من محافظةٍ مختلفة عن تلك التي يقطنها (س)، أضاف على كلام صاحبه: "التأمين يغطي المصابين داخل المركبة، بغض النظر أكانت هي سبب الحادث أو أخرى، ولهذا نعمل على تعبئة نماذج خاصة بذلك، ونرسلها إلى إدارة الهلال الأحمر، لتتم متابعة عملية تحصيل بدل تلقي خدمة نقل المصابين من شركات التأمين".

بحسب قرارات إدارة الهلال، يفترض ألا يطلب سائق الإسعاف أي مبلغ من مرافقي المصابين، بل أن يعمل على تعبئة نموذج مطالبة التأمين

وهذا يعني –طبقًا لتأكيده- أن ضباط الإسعاف، لا يقومون بتحصيل بدلات نقل المصابين، من جيوب مرافقي ضحايا الحوادث المرورية البتة.

اقرأ/ي أيضًا: تحقيق خاص | مواد لـ"فرد الشعر" مُسرطنة وتُسبب الصلع في غزة

بالعودة إلى قصة المواطن "القواسمة" أعلاه، علّق (ع) بالقول: "بحسب قرارات إدارة الهلال، يفترض ألا يطلب سائق الإسعاف أي مبلغ من مرافقي المصابين، بل أن يعمل على تعبئة نموذج مطالبة التأمين"، ملفتًا إلى أنه في حال كانت المركبة "غير مؤمنة" أو ذات لوحة صفراء "إسرائيلية"، فبالنهاية هذه الخدمة، واجبة الدفع لمن يستطيع.

وأشار (ع) إلى خلل في تصرف الضابط بالقصة نفسها، حيث الأصل نقل مصابٍ واحد في سيارة الإسعاف، وطلب الدعم لنقل أي مصابين غيره، "ولو افترضنا جدلًا لظروفٍ استثنائية اضطرار الضابط لذلك، فإن عليه تحصيل ما بين 50 و100 شيقل فقط"، واصفًا الرسوم بـ "الرمزية" حين يكتشف المسعف حين يصل إلى بعض المنازل أحيانًا أن لا داعي لنقل المريض فيكتفي بتقديم الخدمة الطبية له داخل منزله بنفسه.

ضابط إسعاف: الأصل نقل مصابٍ واحد في سيارة الإسعاف، وطلب الدعم لنقل أي مصابين غيره

لكن، ماذا عن الحوادث الأخرى –غير المرورية؟ يجيب (ع) الترا فلسطين بقوله: "لكل حالة خصوصيتها، لا نطلب المال إن لم يكن مع المصاب مرافق، أو إن كانت حالته المادية لا تسمح بالدفع، بل إننا نأخذ الأمر على عاتقنا.. نتصل بمديرنا المباشر، فيتم إصدار سند قبض مجاني، كبدل تقديم خدمة".

اقرأ/ي أيضًا: هكذا تتحول الملابس محلية الصنع في غزة إلى ملابس مستوردة

على النقيض، يؤكد جرير قناديلو، وهو ضابط إسعاف يعمل في جمعية الإغاثة الطبية الفلسطينية بمحافظة نابلس، أنه وكافة ضباط الإسعاف العاملين معه، لا يتلقون أي مبالغ لقاء النقل إلى المشافي، "انطلاقًا من أن مهامهم في المنطقة، تتعلق بتغطية أحداث العنف، أو المواجهات، أو الاجتياحات، بالإضافة إلى دورهم في إسناد جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني ميدانيًا في الحالات الطارئة".

ويدافع قناديلو عن قرار "الهلال الأحمر" بفرض الرسوم الرمزية على نقل المصابين إلى المستشفيات، "فهذا الأمر يسري حتى داخل دولة الاحتلال، ومع ذلك، أظن أن هذه الخطوة ترجع لسلوكيات بعض المواطنين، في طلب سيارة الإسعاف، دون أن يستدعي وضعهم الصحي نقلهم إلى المستشفى".

وكانت مجانية تقديم خدمة نقل المرضى بسيارات الإسعاف، بدأت مع اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000، وفقًا للمتحدثة باسم الهلال الأحمر الفلسطيني عراب الفقهاء، لأسباب المواجهات والحصار والاجتياحات وضعف الاقتصاد، "لكن منذ عام 2006، توقف النقل المجاني" تؤكد.

بدأت مجانية تقديم خدمة النقل بسيارات الإسعاف مع انتفاضة الأقصى، وانتهت عام 2006

السبب في ذلك، "رصد الجمعية الكثير من الحالات –الموثقة- لإساءة استخدام وطلب سيارات الإسعاف، كأن يكون بيت المصاب –الذي لا تستدعي حالته الإسعاف العاجل- قريبًا من المشفى أصلًا" تقول، مضيفةً: "بعض المواطنين، على سبيل المثال، كانوا يتعاملون مع الإسعاف على أنها وسيلة نقل لتسهيل أمورهم، لا سيما لو كانت هناك حواجز إسرائيلية على الطريق، وهذا كان يحرم صاحب الاحتياج الأكبر من حقه في النقل الطارئ في كثير من الأحيان".

اقرأ/ي أيضًا: كيف يُصبح السمك الفاسد طازجًا في غزة؟

لهذا ارتأى المكتب التنفيذي للجمعية –والحديث للفقهاء- فرض رسوم "رمزية" نظير تقديم خدمة النقل، "وليس لكل الحوادث، فما زالت عملية نقل المصابين والجرحى نتيجة المواجهات مع الاحتلال، مجانية، بالإضافة إلى غير المقتدرين ماليًا، أو أولئك الذين نمتلك تقارير بخصوصهم فيمنحون إعفاءات جزئية أو كلية، ومنهم: مرضى غسيل الكلى، الذين تستدعي حالاتهم بالفعل النقل بسيارة الإسعاف".

وتؤمن الفقهاء، بأن الحصول على مقابل النقل، "أمر حيوي" بالنسبة لمؤسسة طبية، لديها الكثير من المسؤوليات المالية والشهرية الدورية، ما بين رواتب، ومصاريف تشغيلية، وتطوير خدمات، وصيانة سيارات إسعاف، معقبةً بالقول: "السيارات التي تستهدف في قطاع غزة على سبيل المثال من قبل الاحتلال الإسرائيلي، تنتهي صلاحية عملها تمامًا (..) في العام قبل الماضي وحده، أرسلنا لقطاع غزة 10 سيارات".

الجمعية لم تنسق، ولم تراجع وزارة الصحة في قرار "فرض رسوم النقل" في سيارات الإسعاف التابعة لها، هذا ما أكدته الفقهاء لـ الترا فلسطين، "خاصة وأنها مخفضة"، مستدركةً بالقول: "أما تسعيرة الإسعاف الخاص، فقد تم وضعها بالتنسيق بين الهلال والوزارة، آخذين تسعيرة الهلال كأساس مع إضافة نسبة 25% إلى 30 %، كون خدمة الإسعاف الخاص، غير مدعومة من أي جهة".

طبيعة الحادث، هي التي تفرض اتخاذ القرار بطلب الدفع من المرض أو مرافقيه، أو لا

 ويعلق مدير الإسعاف والطوارئ في جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بالضفة الغربية إبراهيم الغولة، على الملف بقوله: "الرسوم مقرة بالفعل، على المواطن دفع القيمة الرمزية، مقابل سند دفع بنسختين، له واحدة، والثانية تُحوّل لإدارة الهلال".

اقرأ/ي أيضًا:  العيادات الخاصة في غزة: مرضى يتعلقون بقشة أدوية عشوائية

وحسب الغولة، فإن طبيعة الحادث، هي التي تفرض اتخاذ القرار بطلب الدفع من المرض أو مرافقيه، أو لا، "فمثلًا في حالة نقل مصابين من مكان عمل في حالة طارئة ولم يكن معهم مرافقين، تسجل مطالبة مالية على المصنع أو الشركة بحيث تُحصّل منهم لاحقًا، أما إن كان النقل من مدرسة، والمصاب طالب، فيحدث ذلك مجانًا، ولمرضى الحالات الطارئة، فالبدل المالي لتقديم خدمة النقل واجب الدفع، ولو بعد حين".

وتتراوح خصومات بدلات النقل بين 50% و100% لغير القادرين على الدفع، "فالأولوية تقديم الخدمة، بإسعاف المريض ونقله" يضيف الغولة، مشددًا على ضرورة حصول المواطن على إيصال بالمبلغ الذي دفعه للسائق، يؤكد أنه لصالح الجمعية لا لصالح السائق نفسه.

وبالعودة إلى الفقهاء –الناطقة باسم الهلال- فتؤكد أن التكلفة المالية لكل سيارة إسعاف مفعلة، تعمل 24 ساعة لمدة شهر، هي 60 ألف شيقل، "ولا دعم لهذه الخدمات إلا من شركاء الجمعية الأساسيين في اللجنة الدولية للصليب الأحمر بكل أسف" تقول.

النجار: الصحة لا تملك سيارات إسعاف، ومسؤولية تقديم خدمات الإسعاف والطوارئ تقع على عاتق "الهلال"

ويبلغ عدد سيارات الإسعاف –التابعة للهلال- والمفعلة في الضفة الغربية حوالي 120 سيارة، في حين أن تحديًا كبيرًا يواجه الجمعية اليوم من ناحية التمويل، نظرًا لكوارث أخرى في بلدان كاليمن وسوريا "صار لها حصة من الدعم المالي الذي كان يوجه لفلسطين.

اقرأ/ي أيضًا: أعشاب سامة في "دكاكين الطب البديل"

ويشير الناطق باسم وزارة الصحة أسامة النجار، إلى أن وزارة الصحة الفلسطينية لا تملك سيارات إسعاف، وأن مسؤولية تقديم خدمات الإسعاف والطوارئ من خلال الرقم الوطني (101)، تقع على عاتق "الهلال" كمؤسسة وطنية، "ذلك وفق الاتفاق بين منظمة التحرير، والسلطة الوطنية، في بدايات تأسيسها" يقول.

وجمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، هي جمعية وطنية فلسطينية، تأسست عام 1968، وأقر المجلس الوطني في دورته السادسة المنعقدة في القاهرة عام 1969، بدورها الإنساني والاجتماعي والصحي في خدمة الشعب الفلسطيني، إلى جانب الهيئات الوطنية الفلسطينية.

وبموجب الصلاحيات المخولة لها تمارس الجمعية نشاطها، كجمعية غوث تطوعية وحيدة لمساعدة السلطات العامة في الميدان الإنساني داخل فلسطين، وفي كافة الأوقات، وكذلك في البلاد العربية المضيفة للاجئين الفلسطينيين، ذلك وفقًا لاتفاقيات جنيف لعام 1949، والبروتوكولات المضافة، وبموجب القانون الدولي الإنساني، ومبادىء الحركة الدولية لجمعيات الصليب الأحمر، والهلال الأحمر وهي: الإنسانية، عدم التحيز، الحياد، الاستقلال، التطوع، الوحدة، العالمية.


اقرأ/ي أيضًا:

منشطاتٌ جنسيةٌ قاتلةٌ تباع سرًا في الضفة

"النايس جاي" تغزو القدس "ببلاش" وبغطاء إسرائيلي