ما إن يحل شهر كانون الثاني/يناير من كل عام، حتى يبدأ الصيادون المحترفون والهواة بنصب شباكهم في الأراضي الزراعية القريبة من شواطئ قطاع غزة المحاصر، بحثاً عن طائر الحسون الذي يهاجر إلى فلسطين في هذا الوقت من العام، ليكون مصدر رزق لهؤلاء.
والحسون طائر صغير من رُتبة الجواثم، لا يتجاوز طوله 10سم، لهُ ريش برَّاق وتغريد رخيم، جعلهُ هدفًا في مُعظم أرجاء العالم لتجارة طُيور الأقفاص. وحُب طائر الحسون لبذور الأشواك البريَّة، جعل منها رمزاً من رُموز المسيحيَّة في بعض البُلدان الأوروپيَّة، كون تلك الأشواك صُنع منها الإكليل الذي وُضع على رأس يسوع المسيح عندما كان أسيرًا عند الرومان، وفق المُعتقد المسيحي.
تهاجر الحساسين إلى فلسطين في كانون الثاني فتجد نفسها هدفاً لشباك الصيادين في قطاع غزة، من أجل تزويجها وتربيتها وبيعها
الشاب محمد، طلب عدم ذكر اسمه عائلته، بدأ اصطياد الحساسين وتربيتها منذ (10 سنوات)، يقول إن البدايات كانت صعبة، إذ كان يخرج باكراً إلى الشريط الساحلي الذي ينتشر الحسون على طوله في موسم الهجرة، ثم إذا دخل منخفض جوي وضع محمد أشرطة مسجلة ليقترب الحسون إلى الشباك فيلتقطه.
اقرأ/ي أيضاً: طيور الحسون.. تهريب يُكسب ذهباً
ويشير محمد في حديثه لـ"الترا فلسطين" إلى أن عمليات تهريب كانت تجري لبعض الطيور عن طريق الأنفاق الحدودية مع مصر، لكن التشديدات الأمنية جعلت الأمر معقداً في السنوات الأخيرة، هذا إضافة إلى انتشار الحساسين قرب السياج الفاصل في الجهة الشرقية لقطاع غزة، لكن هذه المنطقة شديدة الخطورة بالنسبة للصيادين، كونها نقطة تماس مع الاحتلال.
يصنع محمد أقفاصاً كبيرة لطائر الحسون، يوفر لها فيها كافة أدوات صناعة العش في غُرفةٍ مليئة بأغصان الأشجار، بطريقة تُشبه الحياة البريّة، وذلك من أجل التزاوج والتفريخ، ليبقى الفرخ مدة 28 يوماً قبل أن يُصبح قادراً على الحصول على الطعام وحده، ثم يتم عزله عن القفص الذي وُلَد فيه، ليبدأ عملية التعلم.
في موسم التكاثر تضع أنثى الحسون من ( 2-4 بيضات) في عش لا يتجاوز طوله 20 سم، تبطنه بالأعشاب والريش، وبعد حوالي أسبوعين تفقس البيوض، ويتمكن الصغار بعد 22 يوماً من مغادرة العش.
ويوضح محمد، أن تعليم الحسون النغمات يتم من خلال وضع شريط سُجلت عليه أصواتٌ منتقاةٌ بعناية شديدة، يلتقطها الحسون عبر دروس يوميّة تتم في مكان معزول عن الضوضاء الخارجيّة حتى الإتقان، ليُصبح بعد ستة شهور جاهزاً للبيع، ويُلقب بـ"حسون اللُغة"، إذ يصلَ سعر الحسون "الذكر" الواحد لأكثر من 150 ديناراً أردنياً (200 دولار تقريبا).
يتم تعليم الحسون اللغة بعد خروجه من العش، من أجل بيعه، إذ يصل سعره إلى 200 دولار إذا كانت أنغامه متقنه
ينوّه محمد إلى أن أي خطأ يطرأ على تسلسُل اللُغة عند الحسون قد يؤثر على سعر البيع، ليصل في بعض الأحيان لـ50 دينار أردني. ورغمَ الخسائر التي تعرض لها في شتاء عام 2016، وزادت عن 1000 دينار أردني (150 دولار)، إلا أن محمد، كما يقول، أصبح مدمناً على اصطياد وتربية طيور الحسون، وتحديداً الحسون الذهبي الذي لا يتجاوز وزنه 20 غراماً.
وتعلم محمد تربية الحساسين وتلقينها النغمات من خلال فيديوهات أرسلها له أصدقاء مغاربة، وكذلك عن طريق مقاطع منشورة على موقع يوتيوب، لكنه يسعى لتعلم الأساليب الاحترافية في تربيتها وتعليمها عن قرب، من خلال زيارة دول يجيد الصيادون والمربّون فيها هذا المجال، مثل لبنان والجزائر والمغرب.
وتمنع سلطات الاحتلال الإسرائيلي صيد جميع الطيور البرية، وتعاقب الصيادين بالسجن وغرامات مالية تصل في معظم الأحيان إلى 1000 دولار أمريكي. ولهذا فإن كبار تجار "الحسون" يرفضون التصريح بأسمائهم أو تصويرهم، في حين تغيب مثل هذه الإجراءات عن الأجهزة المختصة في قطاع غزة.
وكانت وسائل إعلام عبرية، كشفت في شهر كانون الثاني/يناير من عام 2017، عن إفشال سلطات الاحتلال في معبر بيت حانون محاولة لتهريب 30 طائر حسون من قطاع غزة إلى القدس، ضُبطت بحوزة تاجر من المواطنين في قطاع غزة، كان قد وضع الحساسين في شباك خفيفة منعاً لاختناقها، وقام بلفّها حول بطنيه وقدميه.
التاجر الثلاثيني مدحت أبو عطا، يملك محلاً لبيع العصافير في غزة، سألناه عن أسباب انتشار تجارة الحسون في السنوات الأخيرة، فأرجع ذلك إلى ضعف الرقابة رغم تشديدات الاحتلال، مشيراً إلى لجوء الهواة والتجار مؤخراً إلى عملية جديدة على المهنة، وهي تهجين الحسون مع أُنثى الكناري، ليخرُج طائر صغير الحجم وجميل يُطلق عليه اسم "البندوق"، لكنهُ لا يتكاثر ولا يتزاوج نظراً لكوّنه هجين.
لجأ تجار وهواة مؤخراً لتهجين الحسون مع أنثى الكناري، لينتج عن ذلك طائر صغير الحجم وجميل يسمى "البندوق"، لكنه لا يتكاثر
وانتقد أبو عطا طريقة الحصول على الحسون، التي أدت إلى تهديد بقائه، وأشار إلى أن توفير الدول محميات طبيعية خاصة بالطيور؛ للمحافظة على الحياة الفطرية للأنواع النادرة، حيث تعيش في مجموعات حول أشجار السّرو والكينيا. وأضاف أنه كان شاهداً على بيع طائر حسون مقابل 200 دينار أردني (300 دولار تقريباً)، مؤكداً أن المشتري إذا اقتنع بالنغمة فلا يكترث بالمبلغ المدفوع.
اقرأ/ي أيضاً: بالصور | الببغاء في فلسطين مهاجرة.. ما هو أصلها؟
وكان مركز التعليم البيئي أصدر عام (2015) قائمة طيور فلسطين، وهي دراسة عن الطيور في الضفة الغربية وقطاع غزة، جرى خلالها توثيق وحصر 373 نوعًا من الطيور، تشمل 22 رتبة، و64 عائلة أساسية، و30 عائلة فرعية، و186 جنساً. وأشار إلى أن التقديرات الأعلى للطيور هي رتبة الطيور المغردة (الجواثم) التي تشمل 22 عائلة، ويُعد الحسون أشهرها.
ووفق الأكاديمي عبد الفتاح عبد ربه، وهو مُختص في البيئة وعلم الحيوان في الجامعة الإسلاميّة بغزة، فإن استجلاب "عينات الحسون" من مناطق أخرى قد يؤدي لنقل أمراض من هذه الطيور تؤثر على باقي الطيور الموجودة في البلاد، في ظل ضعف وجود فحوصات ومتابعات دوّرية لها.
ويوضح عبد ربه لـ"الترا فلسطين"، أن الحساسين التي يُكتب لها النجاة من شباك الصيد، تفضل العيش في الأراضي العشبيّة وأراضي المحاصيل قليلة النمو في قطاع غزة، لافتاً إلى أن مشاريع تربية الحسون وبيعه في الأسواق أصبحت من المشاريع التي تلقى رواجاً في القطاع.
ودعا عبد ربه إلى الاهتمام بعدة أمور للحفاظ على الحياة البريّة، وتثقيف الصيادين، بطريقة تضمن الاستدامة للحساسين، وعدم تهديدها بالانقراض، محذراً من استخدام الصيادين مختلف أنواع الصيد بما فيها المواد المخدرة، الأمر الذي يهدد حياة الطيور المقيمة والمهاجرة .
اقرأ/ي أيضاً: