في الوقت الذي تظن فيه شريحةٌ واسعةٌ من المجتمع، أن الفتيات لا زلن يعشن في "عصر الأسماء المستعارة" على مواقع التواصل الاجتماعي كـ"الوردة الحمراء"، و"عاشقة المستحيل" و"صمتي لغتي"، أبحرت شاباتٌ فلسطينياتٌ في هذه المواقع وحصدن شهرةً واسعةً وصلت أحيانًا إلى العالمية.
وانطلقت بعض هؤلاء الناشطات لترويج أنفسهن ومشاريعهن وأعمالهن وهواياتهن من خلال منصات التواصل الاجتماعية، وأبرزها فيسبوك موقع التواصل الأكثر شهرة في فلسطين، وتويتر ويوتيوب وانستجرام، كما ولوحظ في الآونة الأخيرة نشاطٌ كبيرٌ للفلسطينيات على منصة السنابشات.
واحتلت فلسطين المرتبة الأولى عربيًا من حيث استخدام النساء لموقع "فيس بوك"، بحسب تقرير وسائل التواصل الاجتماعي في الدول العربية، والصادر عن كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية في دولة الإمارات.
تحتل فلسطين المرتبة الأولى عربيًا من حيث استخدام النساء لموقع "فيس بوك"، حسب تقريرٍ متخصصٍ صادرٍ في دبي
وأفاد التقرير، بأن 44.6% من مستخدمي "فيس بوك" في فلسطين هن نساء، وهي المرتبة الأولى عربيًا، في حين جاءت تونس في المرتبة الثانية بنسبة 42.6%، ولبنان ثالثاً بنسبة 41.6%.
اقرأ/ي أيضًا: تقارير "سوشال ميديا".. من هؤلاء المؤثرون؟
ومن أكثر الأمور التي تهتم فيها الشابات الناشطات على هذه المواقع، الأدب والسياسة والتكنولوجيا والتدوين والطبخ والتغذية، إضافةً للأمور الترفيهية والفنية كالتصوير والمكياج والموسيقى والأزياء. إلا أنه وحسب العديد من المختصين في "السوشال ميديا" في فلسطين يميل جزءٌ كبيرٌ من هؤلاء الشابات نحو الأمور القريبة من حياتهن كالطبخ والأزياء والتجميل.
ويقول خبير السوشال ميديا في فلسطين أحمد بركات، إن هناك فلسطينيات نشيطات بمحتوى معين عبر السوشال ميديا، إلا أن تواجدهن ضعيفٌ مقارنةً في العالم العربي، معللاً السبب بأن الشركات في العالم وتهتم بالناشطات وترعى أعمالهن وتمنحهن أضواء الشهرة، في حين أن هذا الأمر ضعيفٌ في فلسطين، وقد بدأ منذ وقتٍ قريبٍ جدًا لدى بعض الشركات وليس جميعها.
أمثلة فلسطينية
ميساء الشاعر من مدينة جنين واحدةٌ من الفلسطينيات اللواتي أثبتن أنفسهن في مجال السوشال ميديا سواء في العمل بإحدى شركات الدعاية والإعلان الفلسطينية، أو حتى من خلال إنشاء المشاريع الشخصية والمبادرات المجتمعية.
وعن تجربتها تقول ميساء: "من خلال السوشال ميديا نسقت لمبادرة كزدورة وصورة، حيث قمت ومجموعة من الشباب والشابات بأكثر من 50 جولةً في فلسطين سواءً في الضفة وغزة والأراضي المحتلة 48، ووثقنا هذه المناطق بعدساتنا فلسطين الجميلة، ونشرناها للعالم".
وتبين ميساء، أنها أنشأت على الفيسبوك مجموعةً خاصةً للباحثين عن أماكن للسكن في رام الله، ونفذت مبادراتٍ متنوعةٍ مثل مبادرة "سوشلجي" التي نسقت من خلالها لورشات عملٍ تتعلق بالسوشال ميديا، بالإضافة لنشر أخبار السوشال ميديا في فلسطين والعالم العربي عبر صفحة المبادرة.
وتضيف، "ولولا وجود شبكات التواصل الاجتماعي لما نجحت في مشروعي لوز الخاص ببطاقات المعايدة في اللغة العربية.. لدينا اليوم زبائن من دول عربية مختلفة".
أما أخصائية التغذية الإلكترونية نسرين متولي من مدينة القدس، فتخبرنا أن شغفها في السوشال ميديا وحلمها في الظهور على شاشة التلفاز منذ صغرها وخبرتها في مجال الصحة، دفعها إلى فتح حسابٍ على "سنابشات" ثم على "انستجرام" و"يوتيوب" للحديث عن الصحة والتغذية وطرق العناية في البشرة بخلطاتٍ طبيعية.
وتقول نسرين، إن متابعيها من مختلف أنحاء العالم وليس فقط من فلسطين ومن جميع الفئات العمرية أيضًا، وأن أسلوبها الفكاهي والبسيط ومشاركتهم تفاصيل حياتها المهمة جعل متابعيها يتزايدون يومًا بعد يوم، ليصل الأمر إلى تعاقد بعض الشركات والصيدليات معها، واستضافتها كضيفة شرف في العديد من اللقاءات المتعلقة بالتغذية والصحة.
ومن المبادرات الجديدة التي لاقت إقبالا على السوشال ميديا مشروع "events.ps"، والذي نفذته ياسمين عطون من مدينة القدس بالتعاون مع زوجها أنس أغبر. ومن خلال هذا المشروع استطاعت ياسمين وزوجها مساعدة الناس على معرفة مواعيد العديد من الفعاليات واللقاءات الثقافية والفنية التي تحدث في كل المدن الفلسطينية.
تنوعت نشاطات الفلسطينيات على مواقع التواصل بين الجاد والشخصي البسيط، وبعضهن استطعن الوصول لجمهورٍ غير عربي
وتقول ياسمين: "بدأت الفكرة منذ أكثر من سنة بمجرد وصولي وأنس إلى رام الله، حيث كنا مهتمين بحضور الفعاليات المختلفة، لكن لم نكن نعرفها أو نعرف مواعيدها أو مكان إقامتها، فكرنا بإنشاء موقعٍ خاصٍ بمواعيد الفعاليات، ولترويج الموقع الذي اعتمد على تمويلٍ شخصيٍ، استخدمنا السوشال ميديا".
اقرأ/ي أيضًا: شركات "خاصة" لاستغلال الفتيات في الضفة
أما آية صوفان من مدينة نابلس، فقد جعلها عملها في هندسة فحص البرمجيات أكثر خبرةً وقدرةً على استخدام السوشال ميديا بطريقةٍ إيجابية، سواءً في مدوناتها التكنولوجية والثقافية أو حتى الشخصية، لتصل المشاهدات الكلية لمدونتها التقنية إلى أكثر من 29 ألف مشاهدة.
كما اعتمدت آية على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة لترويج المسابقة العالمية "تيكنوفيشن" الخاصة بتعليم فتيات المدارس البرمجة في الضفة الغربية، وكانت أول من أنشأ حسابًا على منصة "سنابشات" خصصته لتغطية الفعاليات التكنولوجية والثقافية في مختلف المدن الفلسطينية، واهتمت بتعريف الناس بالأماكن القديمة الموجودة في نابلس ورام الله.
وتعد هانا زياد من مدينة الناصرة، من الفلسطينيات المعروفات في العالم العربي والغربي أيضًا، بسبب قناتها على "يوتيوب" التي تجاوز عدد متابعيها أو "عصابتها"، كما تحب تسميتهم، الـ 300 ألف متابع من مختلف أنحاء العالم. وتهتم هانا بنشر فيديوهاتٍ بسيطةٍ عن حياتها اليومية، ومشترياتها والهدايا التي تحصل عليها.
وتقول هانا: "بدأت أنزل فيديوهات على قناتي بسبب يوتيوبر أجنبية كنت معجبة بها، وفي البداية تحدثت باللغة الإنجليزية وفرحت جدًا عندما وصلت إلى 14 متابع، ثم شجعتني والدتي لتجربة اللغة العربية، وكنت خائفةً من عدم تقبل الناس هنا للفكرة، ولكن بعد الفيديو الأول وصلتني ردود فعلٍ إيجابية، وتزايد عدد متابعيني يوميًا، ليس فقط على اليوتيوب بل على كل مواقع التواصل الاجتماعي".
وتُحدثنا هانا بأن تجربتها كـ "يوتيوبر" جديدةً نوعًا ما في فلسطين، وفتحت لها مجالاتٍ أوسع كالعمل في التلفاز، مضيفة، أن هذه التجربة جعلتها تكتشف أن الشعب الفلسطيني يتقبل الآخرين ويحب مثل هذه الأفكار والفيديوهات، "وغير منغلق كما يقال عنه"، حسب قولها.
وتُعتبر هديل القاسم من مدينة طولكرم من الفتيات اللواتي حققن شهرةً على مستوى العالم العربي، من خلال كتاباتها باللغة المحكية حول قضايا اجتماعيةٍ وقصصٍ واقعيةٍ قريبةٍ للمجتمع، حيث وصل متابعيها لأكثر من 138 ألف متابع على فيسبوك، و20 ألف على انستجرام.
وتقول هديل: "في البداية كان لدي متابعين بسبب روايتي الأولى، ثم بعد وصولهم لعددٍ كبيرٍ قررت أن أحدثهم بلغةٍ بسيطةٍ قريبةٍ منهم حول قصص نجاح، فواقعية هذه القصص التي أنشرها وقربها من قلب القارئ، وتفاعلي مع المتابعين من خلال التواصل الدائم معهم كانت سبب وصولي لهذا العدد".
"سوشلجيات" من عائلات الشهداء
وشهدت الأعوام الأخيرة نشاطًا لافتًا لأخوات شهداءٍ وأمهاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وحصدت منشوراتهن آلاف الإعجابات والتعليقات، من خلال حديثهن عن الشهداء وقصصهم وصورهم وذكرياتهم التي عاشوا بها يومًا.
ليالي أخت الشهيد ساجي درويش من مدينة رام الله، تقول، إن ما يمكن للأحياء أن يقدموه للأموات هو أن يتحدثوا عنهم وعن أحلامهم ومشاعرهم، وأن يجعلوا وجع الأشياء باقٍ رغم مرور الوقت.
"علينا أن نتقن الحديث عن أوجاعنا، وهذا جزءٌ مهمٌ من القضية، والأحاديث ليس فقط بالأشعار والكلام الجميل، بل وحسب اعتقادي يكون بالقدرة على سرد القصص الإنسانية وجعل تفاصيلها جزء من النص، أي نص حتى لو كان خبرًا عاجلاً، وهذا حق كل إنسانٍ مات من أجل فكرةٍ يؤمن بها" تقول ليالي.
وعن متابعيها تخبرنا ليالي، "محظوظةٌ جدًا لأَنِّي لدي القدرة على الحديث مع 64 ألف إنسانٍ حول العالم. هذا شيءٌ لم أتخيّله أبدًا، وهو شعورٌ جميلٌ ولكنه أيضًا شعورٌ كبيرٌ بالمسؤولية تجاه كل كلمةٍ أو فكرةٍ أكتبها".
من هو "السوشلجي"
يقول أحمد بركات خبير السوشال ميديا، إن هناك فرقًا كبيرًا بين الخبير أو المختص والناشط، حيث أن الخبير هو من يعمل على ترويج خدماتٍ أو منتجاتٍ من خلال أدوات السوشال ميديا، وليس من خلال أنه شخصٌ مؤثرٌ أو ناشط.
بينما الناشط هو الذي ينشر محتوىً معينًا عبر السوشال ميديا، ويكوّن خبرة في هذا المحتوى وليس في مواقع التواصل الاجتماعي. ويبين بركات، أنه من الممكن للخبير أن يتوجه لهذا الناشط لترويج الخدمة أو المنتج بين متابعيه.
هناك فرقٌ بين الخبير في السوشال ميديا، والناشط، أما "السوشلجي" فهي كلمة فلسطينية معناها فضفاض وتطلق على أي نشيط في السوشال ميديا
أما "السوشلجي" من وجهة نظر بركات، "فهي كلمةٌ فلسطينيةٌ أصبح يقصد بها الشخص النشيط على السوشال ميديا. ولكن بالعامية المشكلة أن معناها فضفاض، ولو سألنا عدة أشخاصٍ عن تعريفهم للسوشلجي سنسمع آراءًا مختلفة جدًا".
ويتابع، "لذلك أنا شخصيًا لا أفضل تعريف أي شخصٍ نشيطٍ أو ناشطٍ أو مؤثرٍ بأنه سوشلجي، إلا مجازًا بعد توضيح موقعه من الإعراب في عالم السوشال ميديا".
ويرى بركات أن مشكلة السوشال ميديا تكمن في أن الأرقام تتحكم بشكلٍ كبيرٍ جدًا أكثر من المحتوى، فمثلاً خبيرة التجميل التي لديها مئة ألف متابعٍ يختلف مدى انتشار محتواها عن التي لديها ألف فقط، بغض النظر عن قوة المحتوى.
ويشير بركات إلى أنه لا يمكن تصنيف كل شخصٍ وصل لعددٍ كبيرٍ من الأرقام على أنه ناشطٌ أو خبيرٌ في مجاله، أو يعكس صورةً معينة؟ مضيفًا، "متابعون وأرقام بدون محتوى لا نصل لشيء، ومحتوى بدون متابعين لا نصل لشيءٍ أيضًا".
اقرأ/ي أيضًا: