12-يناير-2017

تصوير: دجانة أبو الرب (ألترا فلسطين)

لا غرابة في بيت يُطلُّ على شاطئ بحرٍ جميلٍ أو حديقةٍ لطيفة، ولا بأس ببيتٍ على شارع صاخب في مدينة ضخمة. لكن، من يُطيق العيش في بيت لا بشر حوله، وتتفتّح نوافذه وأبوابه على حاجز عسكري إسرائيلي يلاصقه ويحيط به؟! بيت تُراقب فيه الأنفاس والتحرّكات، ولا يمكن قطف ثمار زيتونه إلا بإذن وتنسيق أمنيّ مُسبق.

   تتشبث بالعيش في بيتها وحيدة، رغم تحويل الاحتلال حياتَها لجحيم بعد أن جاورها مُرغمةً منذ قرابة عقد ونصف، ببناء حاجز "جبارة العسكري"      

شوقيّة العراقي ابنة الستّين عامًا، تتشبث بالعيش في بيتها وحيدة، رغم تحويل الاحتلال حياتَها لجحيم بعد أن جاورها مُرغمةً منذ قرابة عقد ونصف، ببناء حاجز "جبارة العسكري" على طرف قريتها جبارة الواقعة جنوب مدينة طولكرم شمال الضفة الغربيّة.

باتت شوقية وحيدة في بيتها، بعد وفاة زوجها منذ نحو ستِّ سنوات، وزواج بناتها الثلاث. تُصبح وتُمسي على مشاهد الأسلاك الشائكة التي عُلقت بها لوحات حمراء تحذِّر المقتربين من الموت أو تهددهم به، بوابة صفراء، جنود ببنادق، هدير المحركات الضخمة للجرّافات العسكرية وناقلات الجند "والجيبات الطرّادة"، وصيحات الجنود بين بعضهم بكلمات عبرية حفظت شوقية عددًا كبيرًا منها بحكم السنين.

اقرأ/ي أيضًا: يستطيع امتلاك مليونيّ شيكل ويفضّل بيع الذُّرة

العيش في بيتها البعيد عن المناطق المأهولة، يُضاعف جهدها وتكاليفها المادية في سبيل الحصول على متطلبات الحياة، لكنّها ترفض مجرّد فكرة الانتقال إلى مكان آخر "والله لو بدهم يعطوني بدالو قصر برام الله ولا قصر بتل أبيب ما بطلع منو، مش بس لليهود! لأخوي ما ببيعو"، مُعلّقةً على قصة ترويها عن محاولات أحد ضباط جيش الاحتلال شراء بيتها مقابل مليون شيقل.

"أنا مش عايشة لحالي هون، أنا عايشة مع جوزي ومع بناتي وهن صغار يلعبن حواليّ، أنا مش عايشة لحالي أنا دايمًا شايفتهم وشايفة شبابي هون"، تتحدّث شوقيّة بتأثّر عميق، عن دافع تمسكها بالبيت ورفضها بيعه حتى لفلسطينيين.

بيت بحاجة ترميم

شوقية التي تعتاش على راتب متواضع من الشؤون الاجتماعية، إلى جانب مساعدات من الأهالي، لا ترجو من الجهات الرسمية سوى ترميم بيتها الذي تتداعى جدرانه من الخارج والداخل؛ ما يجعل ماء الشتاء يتسرّب إلى أغراضها وأثاثها. وتطلب أيضًا تركيب شبك حماية للنوافذ، لأنها إذا فتحتها صيفًا، تسللت العقارب والأفاعي، وإذا أقفلتها اختنقت في بيت يفتقر للتكييف.

ويذكر في هذا السياق أن محافظ طولكرم زارها في البيت قبل بضعة أشهر، وأقرّ لها منحة بقيمة ألفيّ دينار، لترميم بيتها، وقد تسلمها مجلس قروي جبارة، وبناء على ذلك قاموا بشراء مواد البناء من رمل واسمنت ثم أنزلوها أمام باب بيت شوقية، ومنذ أربعة أشهر ومواد البناء متروكة على حالها.

تقول شوقية إن المبلغ لا يكفي لشراء كل المواد ودفع كامل الأجور اللازمة لعملية الترميم، وتضيف أن الاسمنت ورغم تغطيتها له، يكاد يتلف بسبب الرطوبة.

اقرأ/ي أيضًا: السلطة الفلسطينية.. فشلت حتى في زراعة البطيخ

بدوره، أكد عضو مجلس قروي جبارة، محمد عوض خلال حديثه لنا، على أن الألفي دينار غير كافية لترميم البيت. وأوضح أن الترميم وفق تخمينات المقاولين بحاجة لأربعة آلاف دينار، مناشدًا محافظة طولكرم، ووزارة الأشغال وكل فاعل خير توفير المبلغ المطلوب.

وصرّح عوض بأن ميزانية مجلس القرية لا تحتمل تكاليف ترميم البيت، واصفًا جبارة بالقرية الصغيرة الفقيرة التي لا يتعدى عدد سكانها 450 نسمة. وأكد على ضرورة إسناد شوقية والاستعجال في ترميم بيتها، معتبرًا البيت صمّام أمان للقرية.

وأشار إلى أنّه إذا ما استولى الاحتلال على بيتها، فستمتدّ أيديهم للبئر الارتوازي المحاذي له، وهو المغذي الوحيد لجبارة بمياه الشرب والزراعة.

محافظة طولكرم: لا تعليق

غادرنا قرية جبارة متوجهين مباشرة إلى مبنى المحافظة، وصلنا مدير مكتب المحافظ رفعت ذياب، الذي رفض بدوره مقابلتنا أو السماح لنا بمقابلة أي شخص يمثّل وجهة نظر المحافظة، ولم يحدد لنا موعدًا للمقابلة في وقت آخر. في حين ربما تكون شوقية بحاجة لإجابات عملية عن أسئلة من قبيل: هل يكفي مبلغ ألفي دينار لترميم البيت؟ وهل تنوي المحافظة مضاعفة المبلغ؟ ولماذا تترك مواد البناء في باب البيت منذ أربعة أشهر بينما يتسرب ماء الشتاء إلى البيت؟ وإذا تلفت مواد البناء من يستبدلها؟ وهل يحتمل أن يبدأ ترميم البيت بإسمنت فاقد لجزء من جودته بفعل تركه في الرطوبة والشتاء، ما سيحيج البيت بعد مدة قريبة إلى ترميم جديد تبدأ معه رحلة أخرى من الاستجداء والرجاء وطرق الأبواب؟

اقرأ/ي أيضًا: "مفاحم يعبد" تُلاحق إسرائيليًا.. لماذا؟

عندما هممنا بالخروج معلمين مدير مكتب المحافظ بأننا سنذكر في التقرير أنه رفض مقابلتنا، قال بانفعال "تعملش تقرير عن هذا الموضوع ابعد عنّو ولّا بتضر حالك"، ثم استدعى شخصًا للحديث معنا عرّف عن نفسه بأنه مسؤول الإعلام في المحافظة محمد جمال.

اصطحبنا جمال إلى مكتبه وهناك أخذ معلوماتنا الشخصية وقال إنه سيتصل بنا لاحقًا؛ كي يخبرنا إذا ما توافق المحافظة على مقابلتنا أو ترفض، سألناه متى سيتصل فلم يحدد لنا أي موعد للاتصال الذي سيرفضون فيه المقابلة أو يقبلونها!

 

اقرأ/ي أيضًا: 

مستوطنات جنين.. هل هذا ما سنفعله بعد التحرير؟

بالفيديو.. جولة استكشافية للصوفية في جنين

كاتب فلسطيني يقرر حرق كتابه علنا بعد تهديده بالقتل