28-سبتمبر-2018

بعد أربعة عقود، على خطاب الرئيس الراحل ياسر عرفات في الأمم المتحدة، لا تزال كلماته الشهيرة حاضرة في الوعي الجماعي الفلسطيني، حين قال "جئتكم بغصن الزيتون مع بندقية الثائر، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي". ذلك الخطاب شكّل مرحلة هامة وتاريخية في تاريخ الشعب الفلسطيني، حين حصلت منظمة التحرير على اعتراف أعلى هيئة أممية في العالم، بها كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني.

    الخطاب لم يكن بالمستوى المتوقّع   

اليوم، ورغم رفض الرئيس محمود عباس في خطابه أمام الجمعيّة العامّة، مجمل السياسات الأمريكية والإسرائيلية، وتلويحه بالتنصّل من الالتزام بالاتفاقيات والتفاهمات مع الطرفين في حال استمرارهم في خرق الاتفاقيات، وتأكيده على المواقف الفلسطينية من مختلف القضايا، ومديحه الشهداء والأسرى ووصفهم بالأبطال، إلّا أن الخطاب لم يكن بالمستوى المتوقّع، خاصة من المقربين من الرئيس أبو أبو مازن.

بعض هؤلاء المقرّبين من أبو مازن، توقّع أن يلغي الرئيس الاعتراف بإسرائيل، طالما أنّ الشعب الفلسطيني لم يحصّل مكاسب سياسيّة جرّاء التنازلات الباهظة، فيما استبق البعض الآخر الخطاب، ووصفه بأنّه "تاريخي" و"سيقلب الطاولة" من خلال قرارات مصيرية وحاسمة سيتضمنها، مثل الإعلان عن حل السلطة طالما أنّها -باعتراف رئيسها- أصبحت سلطة بلا سلطة، لا بل إنّ وجودها أدّى إلى تحويل الاحتلال الاستعماري الصهيوني في فلسطين إلى احتلال بدون ثمن. وهو ما دعا أبو مازن إلى وصفه بأنّه "احتلال خمس نجوم". 

  إصرار أبو مازن على نفس الخط السياسيّ في الخطاب، وعدم تجاوز قواعد العملية السياسية الميّتة، يعكس حالة من التخبُّط الفلسطيني وعدم الاستفادة من تجربة ربع قرن من الرهان على "السلام"  

من الواضح أنّ إصرار الرئيس أبو مازن على نفس الخط السياسيّ في الخطاب، وعدم تجاوز قواعد العملية السياسية الميّتة، يعكس حالة من التخبُّط الفلسطيني وعدم الاستفادة من تجربة ربع قرن من الرهان على عملية سلام وهميّة. قد يحاول البعض تبرير التمسُّك بتلك السياسات رغم فشلها، لحالة الضعف والانقسام التي تمر بيها الحالة الفلسطينية والعربية، وعدم قدرة العالم ومؤسساته على إحداث تغيير في مواقف الإدارة الأمريكية الحالية، والتي تنافس مواقف غلاة المستوطنين في التطرّف، إلّا أن ذلك غير مقنع.

فإذا ما كان خيار البندقية مُكلف في الوقت الحالي، بسبب الظروف المعقدة، فإنّ الإصرار على التمسُّك بالمفاوضات خيار مكلف أيضًا. بالتالي يصبح من الخطأ التزام القيادة الفلسطينية بالمفاوضات، في وقت تمارس فيه إسرائيل كل أشكال الإرهاب بحق الشعب الفلسطيني الأعزل. وكانت المفارقة الكبيرة والمفاجئة والتي لم يكن الرئيس أبو مازن مضطرًا للحديث عنها، عندما تحدث عن محاربة السلطة الفلسطينية للإرهاب في كل مكان وبشتى الوسائل، في الوقت الذي حصر فيه مقاومة إرهاب وعدوانية وإجرام الاستعمار الاستيطاني الإحلالي في فلسطين بالمقاومة الشعبية السلميّة لوحدها، رغم أنّ القانون الدولي أجاز استخدام كل الوسائل لمقاومة الاحتلال، كون الاحتلال أعلى أشكال الإرهاب.

على صعيد العلاقة الداخلية الفلسطينية والانقسام العبثي، ومحاولات المصالحة وطيّ صفحة الانقسام، هي شأن فلسطيني داخلي ولا علاقة للأمم المتحدة فيه، ومن الأفضل عدم إثارته في الخطاب وعدم إشراك الأمم المتحدة به، لأن الولايات المتحدة وإسرائيل والذين يسيرون في فلكهم سيرون في حديث الرئيس مبررًا للتذرّع بعدم الضغط على إسرائيل إلى أن يتم حلّ الأزمة الفلسطينية/ الفلسطينية، وعودة السلطة الفلسطينية للحكم في غزة.

على الرغم من أنّ الأمم المتحدة أصبحت مؤسسة ضعيفة، وغالبيّة قرارتها حول القضية الفلسطينية، لا تُنفّذ بسبب الاستخفاف الإسرائيلي، والغطاء الأمريكي والدعم اللامحدود لإسرائيل، والسعي الأمريكي لتحطيم كل المؤسسات الدولية كي تحكم قبضتها على العالم، إلّا أنّ المصلحة الفلسطينية تتطلّب التمسُّك بكل المؤسسات الدولية، والحفاظ على شرعية اعتراف المؤسسات الدولية بالحقوق الفلسطينية، لمواجهة السياسية الأمريكية والإسرائيلية الرامية لشطب وإلغاء الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية، مع ضرورة تجنّب رفع سقف التوقعات والآمال من الأمم المتحدة، كي لا يؤدي ذلك إلى تعميق حالة اليأس والإحباط عند الشعب الفلسطيني، وخاصة أنّ تحرير فلسطين لن يأتي من الأمم المتحدة إلّا إذا كان النضال السياسي والدبلوماسي مكمّل للنضال الجماهيري بكل الوسائل في الميدان، وهو ما أدى تغييبه في العقود الماضية إلى خسارة أهم الأوراق الكفاحية الفلسطينية.


اقرأ/ي أيضًا: 

إسرائيل تستخدم دعاية رخيصة وفعّالة عالميًا

قصص قصيرة لتقوية عضلة القلب

عن المقاومة الموسمية