يعاني قطاع غزة عمومًا من عجز كبير في الأطباء المتخصصين بالطب البيطري، إذ تحتاج كل منطقة في القطاع إلى طبيب بيطري للاستشارة والفحص ومتابعة الدواجن والمواشي، في ظل وجود آلاف المزارعين، هذا عدا عن متابعة المواشي والدواجن والأغذية الحيوانية المستوردة، إلا أن الوضع القائم يُنذر على الدوام بخسائر كبيرة في الماشية والدواجن، هذا عدا عن الحيوانات التي يتم تربيتها بشكل خاص.
حسين أبو دراز، مزارع من جنوب قطاع غزة، يربي في أرضه 50 رأسًا من الأغنام، ويحتاج إلى متابعة مستمرة خوفًا من فقدان أغنامه مرة أخرى بعد خسارته الكبيرة في الحرب الأخيرة على غزة. يقول: "يوجد في المحافظة الجنوبية طبيب بيطري واحد، وبعض الأحيان يكون مشغولاً أو في عمل بمديرية أخرى، واضطر حينها لانتظاره فترة طويلة من أجل فحص الأغنام والدواجن، ولكن إذا تأخر الفحص وأخذ العينة لمدة طويلة فأفقد عددًا من الأغنام".
نقص شديد في الكوادر المتخصصة بالطب البيطري في قطاع غزة نتيجة تقاعد الموجودين وغياب التخصص في الجامعات
"أبو أحمد عابدين"، صاحب إحدى المزارع لتربية المواشي بكافة أنواعها، يهتم كثيرًا بالفحوصات الدورية للمواشي خوفًا من إصابتها بوباءٍ أو مرض يقتلها أو يعدي بقية المواشي. يقول: "هناك فحوصات متتالية ودورية يجب أن تخضع لها المواشي خوفًا من نقل الوباء بينها أو حتى من المزارع المجاورة، لهذا نهتم بالتواصل مع وزارة الزراعة بشكل مستمر خوفًا عليها، وفي كل عام يصيب المواشي إنفلونزا، وإذ لم يتم فحصها وتزويدها بالعلاج نفقد العشرات منها وهذا يكلفنا خسائر كبيرة".
اقرأ/ي أيضًا: لحوم نافقة ومريضة تجد طريقها لموائد الغزيين
رامي النخال، طبيب بيطري يعمل في المختبر البيطري لوزارة الزراعة، يُبين أن الطب البيطري لا يقتصر في الواقع على المناطق الزراعية، بل هو طب وقائي موجود في جميع المجالات والقطاعات، "والطب الوقائي تخصص هام لمن يقدره طبعًا، فالدول المتقدمة تعتبره من المهن الهامة والحساسة".
ويُبين النخال لـ الترا فلسطين أن المهام المطلوبة منهم أصبحت فوق طاقتهم بسبب قلة عدد الأطباء، فالمتابعة مع المزارعين وحدها متنوعة ومتعددة تشمل علاج الأمراض، والتحصينات، والوبائيات، فتقديم استشارات للمزارعين وخدماتهم هو أمر متعب وصعب جدًا".
ويؤكد النخال أن سوق الطب البيطري متعطشٌ لمن يسد العجز بسرعة شديدة، داعيًا الطلاب المتفورقين لدراسة الطب البيطري.
الطب البيطري وقائي موجود في جميع القطاعات، والدول المتقدمة تعتبره من المهن الهامة والحساسة
هذه الأزمة في الطب البيطري ليست قديمة، وفق ما أفادنا به حسن عزام، مدير الخدمات البيطرية بوزارة الزراعة في غزة، إذ أوضح أن غزة كانت تتمتع بعددٍ جيدٍ من الأطباء الذين دخلوا إليها مع إقامة السلطة الفلسطينية، وغطوا حاجة الوزارات، مبينًا أن الأزمة نتجت في السنوات الأخيرة عن تقاعد هؤلاء الاطباء وعدم دخول أطباء جدد إلى سوق العمل، إذ تقاعد هذه السنة ثلاثة أطباء دفعة واحدة.
اقرأ/ي أيضًا: سموم لذيذة على موائد الغزيين
وبيّن عزام أن الأزمة بدأت مع سنوات الحصار، إذ لم يتمكن أي طالب من السفر للخارج لدراسة الطب البيطري بسبب معيقات الاحتلال، في حين لا يتوفر هذا التخصص في جامعات قطاع غزة، وبالتالي فإن عدد العاملين في هذا المجال آخذ في التناقص.
وأضاف، "الطبيب البيطري يعمل في وزارة الصحة لمكافحة الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان، إذ كان يعمل في الوزارة 15 طبيبًا بيطريًا، ولم يتبقَّ الآن إلا ثلاثة أطباء بيطريين فقط. أما في وزارة الزراعة فكان يعمل 35 طبيبًا، والآن يوجد 10 أطباء فقط".
3 أطباء بيطريين فقط في وزارة الصحة بغزة، و10 أطباء فقط في وزارة الزراعة، وطبيب وحيد في وزارة الاقتصاد
ونتيجة هذه الأزمة، تستعين البلديات بأطباء متقاعدين من خلال عقود عمل، كما فعلت بلدية غزة بتعاقدها مع طبيبين تجاوزا 60 عامًا، في حين يوجد في وزارة الاقتصاد طبيب واحد فقط.
ما هي المهام التي يقوم بها الأطباء البيطريون في هذه القطاعات؟ أجاب عزام على هذا السؤال مبينًا أن الأطباء البيطريين يتولون متابعة اللحوم المقدمة للجنود والعسكريين. وفي المعابر يوكل للأطباء مهمة فحص المنتجات المستوردة مثل اللحوم والبيض والأجبان والألبان، هذا بخلاف المسالخ والمزارع وغيرها. ومن هنا تأتي خطورة العجز المتفاقم الذي يُحذر منه عزام ومتخصصون ويخافه المزارعون أيضًا.
وأشار عزام إلى أن العمل في هذا المجال الآن بالحد الأدني في قطاع غزة، ولذلك فإن الطبيب لا يستطيع الحصول على إجازة بسبب تعدد المهام الموكلة إليه وكثرة الأعباء عليه، خاصة عندما يكون هو الطبيب الوحيد في الدائرة.
إذن لماذا لا تفتتح جامعات غزة تخصصات للطب البيطري؟ يعزو عزام ذلك إلى التكاليف العالية لإنشاء مختبرات وعيادات وأقسام، لكنه يدعو الحكومة للاهتمام بهذا المجال، وتشجيع الطلاب على الالتحاق بالطب البيطري في الخارج بعد فتح معبر رفح، والاستعانة بكل طبيب بيطري موجود في الساحة، إضافة لتحسين أوضاع الأطباء البيطريين من ناحة مهنية بما يكفي للتشجيع على دراسة التخصص الذي تبلغ تكاليف دراسته من 50 إلى 80 ألف دولار.
اقرأ/ي أيضًا:
كيف يُصبح السمك الفاسد طازجًا في غزة؟
خفايا تجهيز مخللات بغزة في رمضان
العيادات الخاصة بغزة: مرضى يتعلقون بقشة أدوية عشوائية