داخل غرفةٍ صغيرةٍ جدرانها من الألواح الخشبية، وعلى منصةٍ مكسوةٍ ببساطٍ أخضر تعلوها بعض مصابيح الإنارة، يداوم الثلاثيني محمود البسيوني منذ عام ونصف على عقد مزاد "أون لاين" لبيع طيور الحمام، وذلك عبر تقنية البث المباشر على موقع "فيسبوك".
يداوم الثلاثيني محمود البسيوني منذ عام ونصف على عقد مزاد لبيع طيور الحمام عبر البث المباشر في فيسبوك
الترا فلسطين زار مزاد البسيوني الذي يقيمه في غرفةٍ ملحقةٍ بمنزله في بلدة جباليا شمال قطاع غزة، للاطلاع على مراسم عقد المزاد الذي يجذب آلاف المتابعين من هواة تربية الطيور في مدينة غزة وخارجها.
بعبارات الترحاب يفتتح أحد الشبان يطلق عليه لقب "الدلال" البث المباشر للمزاد، ويبدأ بعرض الطيور على هيئة أزواج، وبالتزامن مع ذلك يبدأ باستخدام عبارات جميلة يحثُ بها المتابعين على الشراء، وهنا تبدأ عملية المزايدة.
مع تواصل التعليقات المنمقة لـ"الدلال" تشتد المنافسة ويبدأ مؤشر المزايدة عبر التعليقات يرتفع شيئًا فشيئًا، تستمر العملية عدة دقائق إلى أن ترسى الصفقة على أعلى سعر يتم دفعه.
بعد انتهاء كل صفقة يتولى شخص آخر يعمل في المزاد تسجيل بيانات الزبون المشتري، ثم يعزل الطيور المباعة في أقفاص خاصة، يعلق عليها قصاصة ورقية تحمل اسم المشتري وعنوانه.
في صبيحة اليوم التالي يبدأ عاملٌ ثالثٌ بتجهيز الطيور المباعة عبر وضعها في صناديق صغيرة من الكرتون تحمل اسم الزبون وعنوانه، قبل أن ينطلق بسيارته لإيصالها لمنازل الزبائن.
فكرة المزاد
البسيوني الذي ورث هواية تربية وتجارة الطيور من والده، بدأ فكرة المزاد عبر عرض صور الطيور على موقع "فيسبوك" وفتح المزاد عليها عبر التعليقات، لعدة ساعات فقط.
طوَّر البسيوني مزاده بعدما لمعت فكرةٌ في رأس صديقه رأفت جنيد (29 عامًا) بإنشاء مزاد علني عبر البث المباشر، ومنذ تلك اللحظة يتقلد جنيد الحاصل على شهادة مزاولة مهنة المحاماة والعاطل عن العمل وظيفة "الدلال" في مزاد البسيوني.
يقول البسيوني: "قبل إنشاء المزاد كنت أطوف على أسواق مدينة غزة لبيع طيوري، وبالكاد كنت أبيع 5 أزواج منها، لكن بعد إنشاء المزاد تضاعف العدد وزاد الربح وتوسع العمل حتى أصبح عدد العاملين في المزاد 6 شبان جميعهم خريجون".
عمل مع البسيوني في مزاد الطيور 6 شبان جميعهم خريجون، ثم انخفض العدد إلى 4 بسبب الأزمة الاقتصادية
ووفقًا لدراسةٍ حديثةٍ أعدها الجهاز المركزي للإحصاء، فإن معدل البطالة بين الخريجين في قطاع غزة وصل في نهاية العام 2018 إلى 50%، بينما المعدل العام للبطالة في الضفة والقطاع معًا سجّل 31%.
اقرأ/ي أيضًا: حيوانات وطيور تغادر غزة: الحياة غير ممكنة هنا
ويضيف البسيوني، أن المزاد سهّل عمليات التواصل مع الزبائن وعرض وبيع كمية كبيرة من الطيور في وقت قياسي، قبل أن تتراجع عمليات البيع مرة ثانية بشكل كبير نظرًا لاشتداد الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها سكان القطاع.
هذه الأزمة أجبرت البسيوني على تسريح عاملين مؤخرًا، فعمليات البيع، كما يقول، لا تحقق دائمًا الربح له ولفريقه، بل تُلحِقُ به الخسارة أحيانًا إذا توقف سهم المزايدة قبل الوصول إلى السعر المطلوب للطير.
الربح ليس مضمونًا
الشاب رأفت جنيد، صديق البسيوني و"الدلال" في المزاد، أبٌ لطفلين، تخرج من كلية الحقوق قبل عدة سنوات، إلا أنه لم ينل فرصة عمل، فبدأ العمل في المزاد مقابل 40% من الربح شهريًا، وهي لا تتجاوز 500 شيكل في أفضل الأحوال، كما يقول.
يقول جنيد: "أنا هاوي تربية طيور، لذا سرعان ما وجدت نفسي منصهرًا في هذه المهنة التي بالكاد توفر لي بعض متطلبات عائلتي الأساسية"، مشيرًا إلى أنه اكتسب الكثير من المهارات في إدارة المزاد مع مرور الزمن.
ويضيف الشاب البارع في تزيين الكلمات، أن كسب ثقة ثقة الزبائن تعد المدخل الأساسي لنجاح المزاد، وذلك عبر بيع طيور جيدة ومكفولة.
ويُبين جنيد، أن تراجع المبيعات أجبرهم على افتتاح المزاد "بسعرٍ زهيد جدًا" مثل خمسة شواكل فقط، أو مبلغ قريب من ثلقي السعر المطلوب لتشجيع الزبائن على الشراء.
ويتابع، "عمليات المزايدة لا تنتهي جميعها بالبيع، ففي بعض الأحيان نضطر لسحب الطيور دون بيعها بناءً على رغبة المتابعين، أو إذا لم يصل المبلغ المدفوع إلى القيمة الحقيقة أو قريبًا منها".
وبحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فإن أكثر من نصف سكان غزة يعانون من الفقر، فيما قالت الأمم المتحدة العام الماضي، إن 80% من سكان غزة يتلقون مساعدات إنسانية عاجلة.
مزادات تُقاوم الأزمة الاقتصادية وأخرى انتهت
ويعد مزاد البسيوني واحدًا من خمسة مزادات أنشأها شبان عاطلون عن العمل في مدينة غزة، فيما اضطُّر عددٌ مماثلٌ لإغلاق مزاداتهم بسبب تراجع عمليات البيع التي ترافقت مع اشتداد الأزمة الاقتصادية لسكان القطاع المحاصر.
خمسة مزادات "أون لاين" لبيع الطيور حاليًا في غزة، ومثلها أنهتها الأزمة الاقتصادية
هاشم القصاص (36 عامًا) أبٌ لسبعة أطفال يعمل سائقًا عموميًا ويتحصل يوميًا على مبلغ يتراوح قدره ما بين 20 لـ 30 شيقلاً فقط، ما اضطره لإنشاء مزاد لبيع طيور الحمام عبر موقع "فيسبوك" في محاولة لتحسين دخله.
يقول القصاص: "أنا هاوي تربية حمام منذ الصغر، وهو ما ساعدني على إنشاء المزاد، ويساعدني في إدارته شقيقي وابن شقيقتي".
ويشتكي القصاص من تراجع نسبة مبيعات الطيور قائلاً: "كنت أبيع 80 زوجًا من الحمام في بداية المزاد، أما اليوم فالعدد انخفض لـ 20 زوجًا فقط، الأمر الذي انعكس سلبًا على أجور العاملين في المزاد".
وعلى الرغم من تراجع المبيعات ونسبة الربح، إلا أن القصاص يبدي سعادة بالغة بنسجه شبكة علاقاتٍ واسعةٍ مع مربي تربية الحمام وهواتها من دول عربية كثيرة، موضحًا أنه يتبادل معهم الخبرات.
ويعرب القصاص عن أمله في تحسن الأوضاع الاقتصادية ليبدأ تنفيذ مخططه في تطوير المزاد عبر تصميم برنامج خاص يمنح المشاركين والمتابعين الكثير من المزايا والهدايا.
اقرأ/ي أيضًا:
الحساسين في غزة: تجارة رابحة وانقراض متوقع