قصر الباشا (Qasr al-Basha) من المعالم التاريخية والأثرية في فلسطين في مدينة غزة حيث يقع تحديدًا في البلدة القديمة بحي الدرج. ويُعد هذا القصر أحد نماذج القصور المتبقية في غزة وتكاد تكون الوحيدة في نوعها وتراثها الإسلامي؛ بعد أن قضى الاحتلال على الكثير من المعالم الأثرية في غزة. يعود بناء هذا القصر إلى زمن الظاهر بيبرس في العصر المملوكي (1260-1277)، ولعل الدليل الواضح والقطعي على ذلك الشعار، هو الموجود على مدخل القصر الرئيسي وهو شعار من أسدين متقابلين. كان القصر مقرًا لنائب المدينة في العصرين المملوكي والعثماني، وهو حتى وجوده الأخير قبل العدوان والحرب على غزة وتدميره كان يُستخدم كمتحف.
تاريخ تسمية القصر
على مر العصور، حمل القصر عدة تسميات تعكس مراحل تاريخية مختلفة وقصص ترتبط بوجوده التاريخي:
- قصر النائب في العهد المملوكي
كان القصر يعتبر مقرWا ومكان إقامة لنائب المدينة في العصرين المملوكي والعثماني.
- قصر آل رضوان
سمي بقصر آل رضوان في العهد العثماني؛ فوفقًا لكتاب وقفية موسى باشا آل رضوان سنة 1081 هـ، سمي القصر "آل رضوان" نسبة إلى عائلة آل رضوان التي حكمت غزة ومعظم فلسطين في الفترة الممتدة بين 1530 إلى 1681م. وقد حظيت هذه العائلة بمكانة بارزة كحكام وراثيين في السنجق العثماني (منطقة إقليمية) لمدة طويلة تصل لقرن ونصف. كانت التسمية بدايةً نسبةً لاسم رضوان باشا وفق غالبية المؤرخين، الذي تولّى حكم غزة عام 1570 ومن بعده خلفه ابنه أحمد باشا بن رضوان مدة تزيد عن 30 عامًا، لتصبح غزة إثر ذلك معقلًا رئيسيًا لسلالة آل رضوان، كما عرف أن سنجق القدس ونابلس كانا تحت إدارة أحمد باشا بشكل متقطع طوال فترة حكمه.
- دار السعادة
حمل القصر أيضًا اسم دار السعادة في إحدى الفترات الزمنية.
- قلعة نابليون
يروى أنه أُطلق عليه تسمية "قلعة نابليون" نسبة لنزول نابليون فيه كاستراحة مدة 3 أيام فقط خلال حملته على بلاد الشام، ليواصل بعدها سيره بعد طريقه نحو أسوار عكا.
- الدبوية (أثناء الحكم البريطاني عندما استخدم كمركز للشرطة)
استخدم القصر كمركز للشرطة في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين الذي امتد من الفترة 1917 إلى 1948، حيث كان يقع فيه توقيف الرجال والنساء على حد سواء في غرفتين صغيرتين في ردهاته تحت الأرض.
- قصر الباشا
في زمن الإدارة المصرية، أي عندما كانت غزة تحت الحكم المصري، أصبح القصر جزءًا من مباني مدرسة الأميرة فريال (ابنة الملك فاروق) والتي تغير اسمها لاحقًا إلى اسم مدرسة فاطمة الزهراء الثانوية للبنات، وبعدها اعتبرته وزارة السياحة والآثار من المعالم الأثرية في غزة التي يجب المحافظة عليها، وأطلق عليه اسم قصر الباشا.
يضم السلاملك في قصر الباشا خمس غرف، منها غرفة السلطان في العهد المملوكي وغرفة كبيرة في الطابق الأول من العصر العثماني. أما الغرف الصغيرة خُصصت للوزراء والأعيان في تلك الفترة.
العمارة والتصميم لقصر الباشا
يعكس قصر الباشا في بنائه فلسفة وطابع العمارة الإسلامية من حيث الحجارة التي بني بها والجدار والأقواس والأقبية المتقاطعة والعقود والغلاف الخارجي والغرفة الداخلية كلها صممت بشكل هندسي فريد. وقد كان القصر مشيدًا القصر على مساحة تُقدّر بـ60 دونمًا، ولكنها تقلّصت إلى نحو 600 متر خلال فترة الانتداب البريطاني ونتيجة لتعرض القصر للتدمير عدة مرات وترميمه من جديد. كما يمزج قصر الباشا بين العمارتين المملوكية والعثمانية ويرجع ذلك لمعاصرته فترة حكم المماليك الممتدة من 1260 إلى 1516 والعثمانيين في الفترة الممتدة من 1516 إلى 1917.
الأجزاء المعمارية والنقوش
يتبقى من القصر اليوم جزأين معماريين منفصلين: السلاملك (الجزء المخصص للرجال) والحرملك (الجزء الخاص بالنساء). والنقوش على جدران القصر تتنوع بين الزخارف الإسلامية النباتية مثل نبتة السنبلة والهندسية السداسية والثمانية. كما نُقش شعار الأسد بنقوش عربية كتبت فيها عبارة “لا إله إلا الله محمد رسول الله” على جانبي أبواب السلاملك. ويعد هذا النقش رمزًا كان اتّخذه السلطان المملوكي الملك الظاهر بيبرس شعارًا لدولته وكان يفضل وضعه ونحته على مختلف المباني التي كانت تشيد في عهده، وفقًا لما أوردته المصادر التاريخية فهي ترمز للقوة والبأس وتدلل على انتصار المسلمين على المغول والصليبيين. وكان يعد مبنى السلاملك مؤخرًا متحفاً يضم عددًا من القطع الأثرية التي تنسب للحضارات المتتالية على فلسطين. صممت الأبواب فيه من من الأعلى شكل القوس، الأسقف سواء لمبنى السلاملك أو الحرملك، فمصممة على شكل قبب مأخوذة من تصاميم العمارة المملوكية.
ووفقًا للباحث محسن الباز، وهو خبير أثري فإن قصر الباشا الذي كان في مدينة غزة يعد من أجمل القصور التاريخية والأثرية التي تنسب إلى فترة المماليك والظاهر بيبرس، ونموذج معماري أصيل كانت قد خلفته الحضارة الإسلامية، حيث يضم تصاميم معمارية ساحرة ونقوش ونماذج هندسية مميزة.
التعديلات العثمانية
أدخل العثمانيون تعديلات على عمارة القصر المملوكية، بما في ذلك تدعيم القباب بجرار فخارية. كما أضافوا طوابق جديدة للقصر. وقاموا بدمجها مع الطوابق الأرضية ويظهر جليًا الفرق بينها من حيث المعمار ونوعية الحجارة المستخدمة، إذ اعتمد المماليك على الحجارة الرملية الكركار لبناء الطابق الأرضي بينما استخدمت الحجارة الصخرية والجيرية في تشييد الطابق الثاني.
الغرف الهامة في قصر الباشا
يضم السلاملك خمس غرف، منها غرفة السلطان في العهد المملوكي وغرفة كبيرة في الطابق الأول من العصر العثماني. أما الغرف الصغيرة خُصصت للوزراء والأعيان في تلك الفترة.
الاستخدامات الحديثة لقصر الباشا
بعد انتهاء الحكم المملوكي والعثماني، استخدم القصر لأغراض مختلفة. في عهد الملك فاروق، تم تحويله إلى مدرسة الأميرة فريال. لاحقًا، قامت السلطة الفلسطينية في عام 1998 بفصل المدرسة عن القصر، وتحويله إلى متحف يحتوي على مئات القطع الأثرية من عصور مختلفة.
التدمير الإسرائيلي وقصف القصر
تعرض القصر للقصف من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال العدوان المستمر على القطاع، في كانون الأول/ديسمبر 2023، مما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة منه. وأدانت وزارة السياحة والآثار الفلسطينية هذا التدمير واعتبرته جزءًا من مخطط الاحتلال لطمس التراث الوطني الفلسطيني.
قصر الباشا هو المبنى الأثري الوحيد في غزة الذي احتفظ بتفاصيله القديمة إلى حد كبير، بفضل الاهتمام العثماني بالمباني التي تعود لحضارتهم. وبتاريخه الكبير والعريق لقصر الباشا أهميته المعمارية والثقافية والأثرية في غزة وفي فلسطين.