من أين جاءت سطوة بنيامين نتنياهو؟ وكيف يُمكن قراءة الملامح الشخصية والسياسية للرجل الذي أصبح أكثر سياسي يشغل منصب رئيس الوزراء في تاريخ إسرائيل؟ 188 شخصًا بينهم علماء نفس، وسياسيون، ومتخصصون في علم نفس الجماهير، يتحدثون عن ذلك في كتاب نُشر مؤخرًا بعنوان "نتنياهو: بن كسبيت"، من تأليف الكاتب الإسرائيلي الشهير بن كسبيت.
ورغم الدور الحاسم الذي تلعبه زوجة نتنياهو في حياته السياسية، إلا أن كتاب بن كسبيت يتمحور حول شخص نتنياهو، ويُمكن القول إن نتيجة العمل الذي استغرق ثلاث سنوات ونصف، كانت فسيفساء تاريخية مثيرة تلقي ضوءًا جديدًا على بؤرة الأحداث في إسرائيل منذ عقد التسعينات حتى الآن. صدرت النسخة الإنجليزية من الكتاب قبل أسابيع، أما النسخة العبرية الأولى فقد نفدت بعد أيام من طرحها في الأسواق.
"نتنياهو: بن كسبيت" كتاب يفك سحر السياسي الذي أصبح صاحب أطول فترة رئاسة وزراء في إسرائيل
يحاول بن كسبيت في كتابه الإجابة عن عدة تساؤلات تُثار في إسرائيل والعالم حول سطوة نتنياهو، فيستعرض قصة حياته بدءًا من طفولته مرورًا بشبابه، وبعد سقوط أخيه قتيلاً برصاص فدائيين فلسطينيين، وقصة والده الصهيوني المتشدد الذي يحمل درجة الأستاذية في التاريخ. ويتضمن الكتاب إضاءات أيضًا على زوايا معتمة في حياة نتنياهو وطريقة تفكيره.
اقرأ/ي أيضًا: "الليكود" يتفوق ويتماسك رغم فساد نتنياهو.. لماذا؟
ويرسم بن كسبيت في كتابه الملامح الشخصية والتاريخية للرجل الذي يقود إسرائيل منذ أكثر من عقد بشكل متواصل، وأربعة عشرة عامًا في المجموع، متجاوزًا بذلك، فترة حكم بن غوريون مؤسس إسرائيل.
قبل استعراض صفات نتنياهو كما وردت في الكتاب، لا بد من الإشارة إلى المؤلف بوصفه صحفيًا ذائع الصيت، يملك رصيدًا كبيرًا من المصادقية في إسرائيل، ويقدم برامجًا إذاعية وأخرى تلفزيونية، ويكتب مقالاً أسبوعيًا في صحيفة "معاريف"، ولعله أكثر صحفي تكرهه أسرة نتنياهو، فلقد صارعها في المحاكم، ونشر أنباء محرجة حول سلوكلها وتصرفاتها.
وسبق لـ بن كسبيت أن نشر كتابًا بعنوان "نتنياهو.. الطريق نحو القوة"، وذلك في مستهل حياة نتنياهو السياسية، توقع فيه أن يصب سطوع نجم نتنياهو في مصلحة إسرائيل، لكنه في كتابه الجديده؛ يصور نتنياهو على أنه خطر على إسرائيل.
ومع ذلك كله، بعد قراءتك مقاطع من الكتاب؛ تساورك الشكوك بأن بن كسبيت كاتب عربي يبالغ في مدح رئيسه، ولكن استحضار بقية المعلومات الورادة في الكتاب، وعلاقة الكاتب بأسرة نتنياهو، والأذى الذي ألحقه الكتاب بصورة نتنياهو، ورد فعل الأخير على الكتاب، يُبدد تلك الظنون.
مثلاً يشخص بن كسبيت حالة نتنياهو قائلاً: "نتنياهو يريد القتال حتى النهاية، وعدم التنازل عن أي مُصوت في الانتخابات، ولن يغادر دون قتال. في مثل هذه اللحظات ليس لنتيناهو منافسين، قدرته على العمل تقريبًا لا نهائية، إنه مقاتل لا يتوانى، فهو لا يرى في السقوط خيارًا".
بن كسبيت: نتنياهو لن يغادر الحكم دون قتال، لقد تفوق على شمعون بيريز في مسألة اليقظة
ويُجمل مراحل من حياة نتياهو بالقول إنها كانت "قتالاً ضد بقية العالم، وهو دائمًا ينتصر، ومنذ طفولته لم يكن قادرًا على خسارة ألعاب الطفولة، حتى عندما وصل سن البلوغ، يقاتل ولا ينام. كنا معجبين بيقظة شمعون بيريز، ولكن نتنياهو يتفوق عليه في مسألة اليقظة، نتنياهو مقاتل نادر".
اقرأ/ي أيضًا: سرّ نتنياهو وليبرمان الذي غير الحياة السياسية في إسرائيل
يجيب الكتاب عن تساؤل: "هل تؤدي ساره فعليًا دور رئيس الوزراء في إسرائيل؟" والإجابة برأي بن كسبيت أنها بالتأكيد شريكة كاملة في اتخاذ القرار، "والدليل على ذلك أنها بعد انتصار نتنياهو في انتخابات 2015، ألقت خطابًا في احتفالية ذلك النصر، وقالت إنها شريكة كاملة، وأنا اعتقد أنهما زوج متكامل، اندمجا مع مرور السنوات حتى أصبحا شخصية موحدة، هما الاثنين ضد البقية. نتنياهو يثق فقط بساره، وسمعت عشرات الشهادات بل المئات يقول فيها نتيناهو إن ساره أفضل شيء حدث في حياته والإنسانية".
ويستعرض بن كسبيت تفسيراتٍ لطبيعة علاقة نتنياهو بزوجته، ودورها السياسي، فيشير إلى الأقوال بأن العلاقة بينهما يتجلى فيها الحب الحقيقي، ويضيف، "ثمة من يقول أن بينهما توحد إنساني، وأيضًا هناك من يقول إنه يوجد في هذه العلاقة من يسيطر، ومن هو خاضع للسيطرة. خلاصة الأمر، أن كل شخص في المنظومة السياسية سواء كان من الليكود والوزراء والمستشارين والمقربين والأصدقاء، يعلم أنك إذا كنت تريد الحصول على شىء من نتنياهو، يتوجب أن تصادق ساره على ذلك. عوزي أراد مستشار الأمن القومي الأسبق، يؤكد أن ساره حجبت بعضًا من صلاحياته مثل منظومة التعيينات والسفريات".
ويكشف الكتاب عن أن رئيس جهاز "الموساد" الأسبق مئير داغان، كان يرى في نتنياهو خطرًا وجوديًا على إسرائيل، ويقول عن ذلك: "دغان الذي شارك في كل حروب إسرائيل، لم يرى أن خطرًا وجوديًا أحدق بإسرائيل في تلك الحروب، ولكن نتنياهو يشكل الآن خطرًا عليها، لأنه رأى في نتنياهو شخصًا غير قادر على اتخاذ قرارات، وعندما يتخذ قرارات، ويرسل مقاتلي الموساد لتنفيذ مهام خطرة فإنه لا يتحمل المسؤولية".
بن كسبيت: رئيس "الموساد" الأسبق مئير داغان يرى في نتنياهو خطرًا وجوديًا غير مسبوق على إسرائيل
ويلفت المؤلف الانتباه إلى دور يائير نجل نتنياهو، صاحب الحضور الطاغي جدًا في الشأن السياسي، وقد تفاخر نتنياهو به عندما زاره بيل كلينتون، وقدمه على أنه مستشاره الاستراتيجي الأكثر أهمية. ووفق بن كسبيت، فإن كل رجال الإعلام الجديد التابعين لنتنياهو هم أصدقاء يائير.
ويظهر الحضور الطاغي ليائير في الشأن السياسي؛ في نجاحه بدفع والده إلى التراجع عن دعم إدانة جيش الاحتلال للجندي قاتل الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل، عندما أبلغه بأن غالبية الإسرائيليين يؤيدون الجندي القاتل وما فعله، ونصحه بعدم الوقوف ضده.
في خلاصة الكتاب، وبعد أن أسهب بن كسبيت في تبيان عورات نتنياهو، يكتب، "ليس من الصعب فهم سر سحر نتياهو على الصعيد الشخصي، لم يكن لدينا زعيم يملك كل هذه الملكات، إنه مؤهل مثل العفريت، سريع البديهة، ويملك قدرة هائلة ونادرة على التحليل، ومُقدم متفوق، وكارزماتي رائع، وخطيب مفوه وساحر، وسياسي حذق ومتمرس، ولو أنه وُلد في الولايات المتحدة الأمريكية، لم يكن شيئًا يحول دون تحوله لسياسي أمريكي رفيع، وربما أيضًا رئيسًا. نتنياهو الذي يملك كل هذه الملكات، بإمكانه أن يفعل كل ما يريد، بإمكانه جلب اتفاق سلام وتمرير ذلك بموافقة غالبية تصل إلى 80%".
اقرأ/ي أيضًا: