تختصر صورة والدة الأسير السابق رمزي مرعي، وهي تقف أمام مقر الأجهزة الأمنية في سلفيت، للاطمئنان على نجلها المعتقل سياسيًا، الكثير من الكلمات في توصيف المشهد السياسي الذي وصلت له الحالة الداخلية الفلسطينية، لم تُظهر الصورة ملامح وجه الأم ولا خلجات صدرها، ولكنها بالتأكيد لم تكن سعيدة بهذا الموقف.
رمزي الذي أمضى 14 عامًا في سجون الاحتلال، هو واحد من بين عشرات الأسرى السابقين وأبناء الشهداء، تؤكد حركة حماس اعتقالهم من قبل الأجهزة الأمنية في الضفة، بعد خطاب الرئيس عباس في التاسع عشر من شهر شباط/فبراير الماضي، الذي اتهم فيه الحركة بالمسؤولية عن الهجوم على موكب رئيس الوزراء في بيت حانون.
أسرى سابقون قضوا أكثر من 10 سنوات في سجون الاحتلال يقبعون في سجون السلطة على خلفية سياسية
رمزي مرعي، هو شقيق الأسير عبد العزيز مرعي، الذي اعتقلته سلطات الاحتلال بتهمة مساعدة الشهيد مهند حلبي في الوصول إلى القدس وتنفيذ عمليته الفدائية فيها. يقول شقيقه حمزة: "اعتقدنا أن اعتقال شقيقي الطويل في سجون الاحتلال سيكون الحلقة الأخيرة في مسلسل معاناته، واعتقدنا أن رصيده الوطني سيكون درعًا وشرفًا له، غير أن اعتقادنا لم يكن في محله؛ حين عاود جهاز الأمن الوقائي اعتقاله قبل حوالي أسبوعين".
اقرأ/ي أيضًا: وثائق | هل نفذ الأمن إعدامات ميدانية في نابلس؟
ويؤكد مرعي لـ الترا فلسطين، أن الاعتقال في سجون السلطة؛ كان تأثيره النفسي مضاعفًا على العائلة، وتحديدًا على الوالدة، وقد زاد من ذلك أن العائلة علمت بأن بعض العساكر الذين يُغلقون الزنزانة على رمزي اليوم، كانوا معتقلين معه بالأمس في سجون الاحتلال. "لك أن تتخيل حجم المأساة" يقول حمزة.
ويضيف، "لم أجتمع أنا وأشقائي الخمسة منذ العام 2000 تحت سقف واحد، ويبدو أن هذا الأمر سيكون مستحيلاً في المنظور القريب، خاصة بعد اعتقال عبد العزيز؛ والحكم عليه بالسجن 35 عامًا بتهمة مساعدة الشهيد مهند الحلبي".
المحامي سامر سليمان، الموكّل بقضية رمزي، يؤكد لـ الترا فلسطين أن مواصلة اعتقال موكّله في سجون الأجهزة الأمنية أمر غير قانوني، ويعتبره احتجازًا سياسيًا خالصًا، خاصة بعد صدور قرار بالإفراج عنه من محكمة صلح سلفيت.
ويشير سليمان إلى أن النيابة العسكرية وجهت لرمزي تهمة تلقي أموال وتجارة سلاح، وهي التهمة التي نفاها جملة وتفصيلاً، مضيفًا أن الأمن نقله من سجن سلفيت إلى بيتونيا في رام الله، ومنعه من زيارة ذويه ورفض الإفراج عنه، دون أسباب واضحة.
المعتقلون سياسيًا في سجون السلطة يتعرضون للتعذيب، ويُحرمون من الزيارة، وبعضهم حصل على قرارات إفراج لكنه لا يزال موقوفًا
تقول لجنة أهالي المعتقلين السياسيين في الضفة (غير رسمية) إنها وثّقت اعتقال حوالي 100 مواطن منذ خطاب الرئيس عباس، غالبيتهم العظمى من الأسرى المحررين، أُفرج عن بعضهم، فيما يتواصل اعتقال آخرين على خلفية انتماءاتهم السياسية.
اقرأ/ي أيضًا: حماس والسلطة.. مزيد من الزيت فوق نار التراشق
وادعت اللجنة في بيان اطّلع عليه "الترا فلسطين"، أن بعض المعتقلين يتعرضون لسوء معاملة وتعذيب، وجرى نقل بعضهم للمشافي بعد تردي حالتهم الصحية، كما ترفض الأجهزة الإفراج عن آخرين رغم حصولهم على قرارات بالإفراج من المحكمة.
وأوردت اللجنة أسماء بعض المعتقلين، من بينهم ربحي خزنة من رام الله، الذي أمضى أكثر من 12 عامًا في سجون الاحتلال، وعلاء الشولي من نابلس، الذي قضى 10 سنوات في سجون الاحتلال، وإبراهيم نواهضة من جنين، وقد أمضى 10 سنوات في سجون الاحتلال، والصحفي مصطفى صبري من قلقيلية.
فيما أفاد شاهد عيان (رفض الكشف عن هويته) لـ الترا فلسطين بأن عمليات الاعتقال السياسي وصلت لقرى شمال غرب القدس، المكونة من 11 قرية وبلدة خاضعة لسيطرة الاحتلال العسكرية، وملاصقة لعدد من المستوطنات، ويطوقها الجدار العازل.
وأشار المصدر إلى أن الدخول إلى هذه القرى والبلدات مثل بدّو، وبيت عنان، وقطنة، وبيت سوريك، يتطلب تنسيقًا مسبقًا مع سلطات الاحتلال.
الاعتقالات السياسية طالت مواطنين في قرى شمال غرب القدس الخاضعة لسيطرة إسرائيلية كاملة، ويتطلب دخول الأمن لها تنسيقًا مسبقًا مع الاحتلال
أسامة شاهين، أسير سابق وناشط في مجال الدفاع عن الأسرى، اعتقل الأربعاء 28 آذار/مارس الماضي أثناء تواجده في محل للاتصالات على يد جهاز الأمن الوقائي في الخليل، ثم أُطلق سراحه بعد أيام في أعقاب تردي حالته الصحية.
اقرأ/ي أيضًا: قضية غروف: حظر النشر يخيف العائلة من نجاة الجناة
يقول شاهين لـ الترا فلسطين: "فور اعتقالي أعلنت عن دخولي في إضراب عن الطعام، وفي اليوم الثالث امتنعت عن شرب الماء، بعدها أغمي علي ونُقلت إلى مستشفى عالية الحكومي، وهناك حاول الأطباء إعطائي المدعمات فرفضت، بعدها وصفوا حالتي بالخطيرة، وتوقعوا تعرضي لجلطة دماغية أو قلبية في أي لحظة".
ويبيّن شاهين أنه بقي طوال هذه الفترة مقيدًا بالسرير لحين عرضه على المحكمة، يوم الأحد – الأول من نيسان/إبريل الجاري - التي قررت الإفراج عنه مقابل 3 آلاف دينار كفالة مالية.
حملة الاعتقالات السياسية لم تقتصر على أسرى سابقين وحقوقيين وصحافيين، بل امتدت لتشمل أبناء الشهداء، كالشقيقين قسام وإسلامبولي، نجلي الشهيد رياض بدير من طولكرم، أحد قادة الجهاد الإسلامي في الضفة الغربية، الذي استشهد خلال معركة مخيم جنين عام 2002.
يذكر شقيقهما عبد الفتاح: "قصتنا مع الاعتقالات السياسية بدأت بعد أشهر من استلام السلطة لمدن الضفة عام 1995، حينها اعتقل والدي لمدة 6 شهور، خضع خلالها لعملية جراحية، ومنذ ذلك الحين، وفي السنوات التي تلت الانقسام خصوصًا، تعرضت أنا وأشقائي الثلاثة لاعتقالات كثيرة، أصبحنا لا نذكر عددها (...) لا تستغرب إذا قلت لك أن شقيقي إسلامبولي على سبيل المثال اعتقل أكثر من 40 مرة".
وأضاف لـ الترا فلسطين، أن اعتقال إسلامبولي الحالي عند جهاز الأمن لوقائي بدأ منذ أسبوعين، أما قسام فيقبع في سجن المخابرات منذ نهاية شهر آذار/مارس، دون عرضهما على أي محكمة أو توجيه تهم محددة لهما، وقبل أيام تم تحويلهما على ذمة المحافظ، "وهذا يشبه الاعتقال الإداري في سجون الاحتلال" وفق وصف عبد الفتاح.
ابنا الشهيد رياض بدير، القيادي في الجهاد الإسلامي، معتقلان على ذمة المحافظ، تقول العائلة: "هذا يشبه الاعتقال الإداري"
وللمفارقة، يقول عبد الفتاح، إن "عناصر الأجهزة الأمنية يرددون في كل مرة يأتون فيها لاعتقال أحد أفراد العائلة: الله يرحم أبوكم (...) يترحمون عليه بألسنتهم ويسيئون إليه بأيديهم".
الترا فلسطين حاول الاتصال مرات عديدة مع الناطق باسم الأجهزة الأمنية اللواء عدنان الضميري، والناطق باسم الحكومة يوسف المحمود، بحثًا عن تعقيب على ما ورد في التقرير، إلا أننا لم نتلقّ أي رد.
وتنفي الأجهزة الأمنية عادة تنفيذها أي اعتقالات سياسية في الضفة، وتقول إن ذلك يأتي على خلفية انتهاكات للقانون الفلسطيني وضبط الأمن والنظام، وتوجه للموقفين تهمًا متعلقة بالانتماء لمليشيات مسلحة، أو التحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أو تلقي أموالٍ من جهات محظورة، أو حيازة سلاح غير مرخص.
وكانت عدة مؤسسات حقوقية فلسطينية ودولية أكدت في تقارير دورية أصدرتها خلال الأعوام الماضية حدوث اعتقالات على خلفيات سياسية، سواءً على يد الأجهزة الأمنية في الضفة، أو الأمن الداخلي في قطاع غزة.
اقرأ/ي أيضًا:
محامون: "دعاية رخيصة".. وقف مزاولة محامين حقوقيين