28-فبراير-2022

تحوّلت الصّرخات التي ظلّ يطلقها عميد أسرى جنين، رائد السعدي، على مدار سنوات سجنه التي جاوزت ثلاثة عقود، إلى كلمات في كتابه "أمّي مريم الفلسطينية"، التي رحلت وهو خلف القضبان دون أن يتمكن من وداعها.

 الأسير رائد السعدي: تجربة الكتابة بمثابة إعلان لتحطيم كل القيود 

الأسير رائد السعدي (56 عامًا) من السيلة الحارثية غرب جنين، يقضي حكمًا بالسجن المؤبد لمرتين، وأمضى حتى الآن 33 سنة في السّجن. يقول في مقدّمة كتابه إنّ هذه التجربة بمثابة إعلان لتحطيم كل القيود، فهو يكتب ليوثق تجربته بمراحلها وأحداثها، على مدار سنوات السّجن، وما قبله.

لماذا اختار مريم عنوانًا لإصداره؟ عن ذلك يقول رائد في كتابه إنّ أمّه وكل أمّ فلسطينية لها معاناة لا توصف، فهي أم الشهيد وأم الأسير، ويضيف: "هُنّ الأكثر معاناة، والأكثر ألمًا وصبرًا (...) ولأن العدو الذي يغتصب أرضي ويسلبني حريتي هو العدو الذي فعل كل هذه الجرائم بمريم العذراء وابنها المسيح، (..) برأيي فلسطين هي مريم بحد ذاتها".

اقرأ/ي أيضًا: الأسير رائد السعدي يحمل مفتاح السجن معه!

فقد رائد حريّته، وخلال سنوات سجنه، فقد أيضًا والدته وشقيقه، وكثير من أهله وأصدقائه وأحبّته، وعن ذلك يقول في كتابه: "كيف أصرخ ملء الصوت دون أن يسمع أحد من رفاق الأسر صرخاتي التي تحطّم كل ما بداخلي إلى شظايا صغيرة".

يبدأ رائد كتابه بالحديث عن الأمهات ويختتمه بذلك أيضًا، وفي سطوره يتحدث عن 23 عامًا عاشها في بلدته السيلة الحارثية، يكتب عن علاقته بالأرض والوطن والعائلة، وعن تجربة اعتقاله الأولى، وعن مقاومته للاحتلال، وبالطبع يتغنّى بأمّهات الأسرى وبالبيوت الفلسطينية التي احتوت المقاومين في الانتفاضة.

في القسم الأول من الكتاب يتحدث السعدي عن طفولته ونشأته، ويظهر مدى تأثره بشخصية والده المعلم، وشهداء بلدته، فحمل عنوان هذا القسم بيت شعر للمعري: "وينشأ ناشئ الفتيان منّا على ما كان عوّده أبوه".

وهُنا يتحدث عن مقاومته للاحتلال، عن بداية مرحلة جديدة من حياته وهي بداية عمله النضالي المنظم، وكيف تعلم في جبال عمّان تصنيع العبوات الناسفة واستخدام السلاح الناري، ثم عودته إلى فلسطين ومباشرته عمله المقاوم.

ويكتب أيضًا عن أيام مطاردته، وكيف كانت بيوت السيلة الحارثية تستقبله وتخفيه وتحميه من الاحتلال ومن الاقتحامات المتكررة لمنزل عائلته بحثًا عنه.

القارئ للكتاب سيطلع على تفاصيل دقيقة من حياة رائد قبل الاعتقال، فيذكر مواقف يبدو نادمًا عليها اليوم، وأخرى مضحكة عاشها مع رفاقه، ومنها أنّهم وفي إحدى ليالي المطاردة، حين كانوا يرتجفون من البرد، غير أنهم سيطروا على ذلك بالكثير من الضحك الذي أنساهم البرد.

يظهر في الكتاب كذلك، مدى تأثّر رائد بفقد والدته وشقيقه دون وداع، فيخصص عنوانين للحديث عنهما، وعن زيارتهما الأخيرة له، وعن الدّعاء الذي كانت تغدقه به والدته، عليه حتى اللحظة الأخيرة من حياتها. ويروي لحظة معرفته بوفاة والدته بينما كان يهاتف شقيقته: "عندها لا تسمع إلا البكاء وصراخ الأخوة، ماذا أفعل أنا؟ والدتي تموت وأنا جالس لا أستطيع فعل شيء، ولا حتى تقبيلها ووداعها، ولا حتى البكاء عليها (..) ثم طلبت من أخي أن يضع جهاز الاتصال بالقرب من أذن أمي لأودعها، دعوت الله، طلبت منها مسامحتي لغيابي عنها كل هذه السنين وتقصيري بحقها، طلبت رضاها وعفوها".

وفي الجزء الأخير من كتابه يتحدث الأسير رائد عن مريم الفلسطينية، عن أمهات الأسرى والشهداء، كأم أسرى الدوريات يسرى المحروم، والدة الأسير سامر المحروم، ووالدة الأسير أيهم الكممجي والحاجة مريم عويس وغيرهن من أمهات فلسطينيات التقى بهن خلال اعتقاله أو سمع عنهن من أبنائهن.

اقرأ/ي أيضًا: "مُعلّم الأسرى".. 33 سنة في الاعتقال بلا ندم

يقول الأديب عدنان الصباح في تعقيبه على الكتاب، إنّ "أول ما لفت نظري هو عنوان رائد وكتابته اسم مريم، تساءلت وقتها هل كان يقصد مريم أم كل فلسطيني أو اسم أمه، وحين قرأت الكتاب رأيت أمه وأم كل الفلسطينيين في سطوره".

 حين قرأت الكتاب رأيت أمّ رائد وأم كل الفلسطينيين في سطوره 

وتابع أن رائد احتفظ بمخيّلته وذاكرته بتاريخ فلسطيني جميل عن بلدته سيلة الحارثية والفترة الزمنية التي عاشها وعايشها الفلسطيني في ذلك الوقت، مضيفًا: لقد "أعادنا إلى فترة زمنية جميلة، فترة الوحدة الفلسطينية، وكأنه يقول لنا في كتابه أين أنتم اليوم؟".

وأوضح أنه يجب أن نسمي الكتاب "كاميرا رائد السعدي"، "فهو البطل في هذا الكتاب الذي نقل لنا واقعًا حقيقيًا إلى ذلك الزمن وأعادنا عراة إلى ذواتنا، ووضع صورة حارقة مؤلمة في وجهنا؛ هؤلاء هم أنتم كما كنتم".

ويشير الصباح إلى أن الكتاب يحمل قيمة أدبية وتاريخية، موضحًا أنه سيصبح مرجعًا لقراءة مرحلة من مراحل الشعب الفلسطيني، وفيه سيجد الباحثون: "فترة المقاومة الصادقة حيث كان رائد صادقًا، وحقيقيًا، في كتابه.

 نقف مع رائد في هذا الكتاب حين قاوم، وحين دخل السجن، ثم مع رائد يوم وفاة أمه 

أمّا الأسير محمد جردات الذي رافق رائد خلال الاعتقال فيقول عنه: "كم هو صعب أن نقف في ظلال الشيخ أبو حمزة [رائد السعدي] بعد أن كنا في الانتفاضة الأولى نلتف حوله ونسير خلف خطواته لعلنا نحقق الهدف، (..) مخطوطة رائد وصلت لنا في فترة زمنية عاد لبلدة السيلة مجدها وعزها كما كانت أيام رائد حيث أن ثلاثة بيوت مهددة بالهدم".

وتابع: "نقف مع رائد في هذا الكتاب حين قاوم، وحين دخل السجن، ثم مع رائد يوم وفاة أمه، ومن ذلك اليوم قرر أن يكتب، رغم أن الكتابة ليست من طبعه". 


اقرأ/ي أيضًا: 

ما وراء الضحكة!

الأسير محمد فلنة.. شجرة شامخة في السجون

ناصر أبو سرور.. ظريف الطول الذي نادته مزيّونة لـ26 سنة