28-يوليو-2017

لا يزال مشهد سجود المصلين في باب الأسباط، وبقاء الشاب نضال جوزيف عبود واقفًا يقرأ من الإنجيل في يده، متداولًا في مواقع التواصل الاجتماعي، فالمشهد فتح الباب واسعًا للكشف عن تنوع فريد في صفوف المشاركين بالاعتصام المفتوح، فالمشاركة في الاعتصام الذي هدف لإنهاء إجراءات الاحتلال في الأقصى، لم تقتصر على المصلين الذين اعتادوا ارتياد المسجد، ولا حتى على المسلمين أو العرب وحدهم.

وليام قاقيش مسيحي آخر كان أحد المداومين على الاعتصام في باب الأسباط، يقصده يوميًا برفقة أبنائه وأحفاده من بيته في حارة النصارى بالقدس العتيقة. ابنته المصورة دولين (21 عامًا) أُصيبت بقنبلة صوت أثناء تواجدها في الاعتصام وتصويرها للأحداث، فيما يقبع نجله الأسير جون (22 عامًا) في سجون الاحتلال بعد أن حُكم عليه بالسجن لمدة (11 سنة).

وليام قاقيش

يقول وليام لـ"الترا فلسطين": "نحن شعب فلسطيني واحد ويجب أن نساعد بعضنا البعض، وكلما ازداد الوضع صعوبة يجب أن نصمد".

مسيحيون وعرب وأجانب شاركوا في الاعتصام عند المسجد الأقصى، كما فعل فلسطينيون لم يركعوا فيه من قبل ركعة واحدة

رياض ادعيس (48 عامًا) من شعفاط شمال القدس، كان أحد المشاركين في الاعتصامات أيضًا، يقول: "الاحتلال اعتدى على الحيّز المكاني والشخصي للمقدسيين بكل أطيافهم وتوجهاتهم الدينية، فالأقصى يعتبر رمزًا لكلّ مقدسيّ".

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل تعترف: الفلسطينيون انتصروا وأكلنا السمك الفاسد

ويضيف ادعيس لـ"الترا فلسطين"، "أثناء اعتصامي رأيت أشخاصًا ليسوا متدينين، وآخرون عُرفوا بتعاطي المخدرات يتطوعون ويغلي دمهم لمساعدة المعتصمين، شعرت بانتمائهم القوي لهذا المكان"، معتبرًا أن الاعتصام المتنوع عزز ثقافة المجموعة وتقبّل الآخر. ويختم مازحًا: "لمّا سمعت إنه في بوادر حلّ خفتُ من خسارة هالتنوع الفريد".

رياض ادعيس

وكان لفلسطينيي الداخل المحتل صفوف طويلة بين المعتصمين، رغم طول المسافة التي تبعدهم عن المسجد الأقصى؛ وتضييقات الاحتلال على الحافلات التي تقلهم. يقول هلال اغبارية، إن الأحداث الأخيرة كشفت عن معادن الكثيرين، مبينًا أن أحد أصدقائه (ضرير) ورغم ذلك كان يستقلّ الحافلة من إحدى قرى الجليل الفلسطيني، ويسافر لثلاث ساعات ليرابط قبالة أبواب الأقصى.

أمّا الروائي عيسى قواسمي من القدس، فيذكر قصة (الأخرس الطريّش)، الذي يأتي يوميًا بعد عمله في الطلاء للمشاركة في الاعتصام، رغم تعرضه للضرب والغاز المسيل للدموع. يعلّق القواسمي قائلًا: "تعمّدت وصفه بالأخرس، لأفرّق بينه وبين الخُرُس خارج باب الأسباط.. الفرق واضح جدًا".

الطريّش حاضر دائم في اعتصام باب الاسباط - تصوير: عيسى قواسمي

ويوثق قواسمي هذا المزيج بأسلوب قصصي محبب على مواقع التواصل الاجتماعي. يقول لـ "الترا فلسطين"، إن الاعتصام تشكّل بشكل عفوي وصادق من أهل القدس وخارجها من الزائرين والمتضامنين العرب والأجانب المسلمين وغير المسلمين.

والتقط عيسى صورًا عديدة لمتضامنين ماليزيين، وأتراك، وأندونيسيين، وصينيين. كما لقيت صورة متضامن هولندي نشرها على صفحته رواجًا كبيرًا، وكتب في وصفها يقول: "ميخائيل الهولندي 37 عامًا جاء ليجلس مع المرابطين، والشبان رحّبوا به، وأطعموه القدرة والصفيحة الأرمنية، حدّثني أنه درس تاريخ الديانات في الشرق الأوسط، ويعتبر أن الحق الفلسطيني في هذه الأرض متجذر منذ القدم".

الهولندي ميخائل - تصوير: عيسى قواسمي

المعلمة هنادي الحلواني حضرت بشكل يوميّ بين المعتصمين. تروي لـ"الترا فلسطين" إحدى المواقف الفريدة التي شهدتها قائلة: "تجهزنا في إحدى ليالي الاعتصام لصلاة العشاء، لكن الاحتلال باغتنا بالقنابل، كنت مع نساء مسنّات وهربنا ببطء مرددين الأذكار وآيات من القرآن، في تلك اللحظة كانت تجارونا صحفية روسية تصوّر الأحداث، بدأت بالصراخ وأمسكت بيدي، كانت يداها باردتين راجفتين، ثم نطقت فجأة الشهادتين وأخذت تكررها، وبعدها تفرّقنا بسبب استمرار إطلاق القنابل".

ومن أبرز ما يستحق الإشارة إليه عند الحديث عن المشاركة غير العربية في الاعتصام، تلك المرأة التركية التي تداول رواد مواقع التواص مقطع فيديو لها وهي تبكي بعد إصابة ابنتها، إثر فض الاحتلال جموع المعتصمين أمام أبواب الأقصى، لكنها رغم ذلك قالت: "لا أفكر الآن في ابنتي، كل ما أريده هو نصرة الأقصى؛ فلتكن ابنتي وسيلة لذلك، ولأكن أنا أيضًا".

حضرت المرأة بصحبة وفد تركي تزامنًا مع إصابة العشرات من الفلسطينيين؛ فأطلق الاحتلال تجاههم القنابل بعد مساعدتهم للجرحى الفلسطينيين ونقلهم لسيارات الإسعاف. تقول: "عندما قالت لي ابنتي إنها تتألم، قلت لها أنت الآن تشعرين بآلام إخوتك".

الاحتلال اعتدى على الحيز المكاني من خلال إجراءاته التنكيلية على المسجد الأقصى، ولذلك أعلن الفلسطينيون النفير بكل أطيافهم دفاعًا عنه

ومما يستحق التوثيق أيضًا في هذا الفصل الثوري الفريد، حضور المصري جمال خليل برفقة زوجته وأطفاله الثلاثة من سويسرا إلى القدس لزيارة الأقصى، إلّا أن هذه العائلة لم يُكتب لها إلا أداء صلاة الفجر يوم الجمعة التي نفّذ فيها الثلاثي جبارين عمليتهم الفدائية، وأُغلق على إثرها الأقصى.

جمال خليل وعائلته في القدس

الصحافي محمد أبو الفيلات الذي كان قد التقى العائلة، قال إن إغلاق المسجد لم يمنع العائلة من المشاركة مع المعتصمين، والامتناع عن دخول المسجد من البوابات الإلكترونية، إذ داوموا على أداء الصلوات الخمس أمام الأبواب، وأجّلوا سفرهم للمشاركة وقتًا أطول في الاعتصام.

يؤكد جمال أن الأقصى لا يقل أهمية عن الكعبة والمسجد الحرام، وأن الدفاع عنه واجب على كل المسلمين

وقبل أن يكتمل الأسبوع الثاني من احتجاجات هؤلاء ومعهم الآلاف من أهل القدس، دخلت الجموع المسجد الأقصى مكبرة تكبيرات العيد، بعد أن أجبرت الاحتلال على التراجع عن كافة قراراته، وآخرها أن باب حطة سيبقى مغلقًا، قبل أن تغلق قوات الاحتلال الأبواب وتهاجم من دخلوا ومن لم يدركوا الدخول، وتُتبع ذلك باعتقال المعتكفين في المسجد، وإعادة إغلاق باب حطة وفرض قيود على أعمار الداخلين إلى المسجد، وهي الخطوات التي عللها مراقبون برغبة حكومة نتنياهو في حفظ ماء وجهها، وإظهار أن الأمور لا زالت تحت سيطرتها، بعد الانتقادات الحادة التي تعرضت لها من معارضين وضباط سابقين وصحافيين، لكنّها عادت اليوم، وقررت فتح الأبواب تحت ضغوط المرابطين. 


اقرأ/ي أيضًا: 

صور وفيديو | الأقصى ساحة حرب بعد دخول حشود غفيرة

اغتيال عند باب الأسباط

أسود باب الأسباط: حكاية من أسوار القدس