11-مارس-2018

"ما بعد إسرائيل: نحو تحول ثقافيكتاب ألّفه مارسيلو سفيرسكي، المحاضر في الدراسات الدولية ومدرسة الإنسانيات والبحث الاجتماعي في جامعة ولونغونغ منذ عام 2012، ويُدرس مواضيع في الدراسات الدولية وسياسات الشرق الأوسط والفلسفة القارية الأوروبية.

يركز "سفيرسكي" في المقام الأول على النظريات وممارسة النشاط السياسي والعمل الثوري والتحوّل الاجتماعي، ويستلهم مواضيعه بشكل خاص من أعمال جيل دولوز وفيلكس غواتاري؛ خصوصًا النظرية السياسية النقدية، ونظريات ما بعد الاستعمار. ومن كتبه الصادرة أيضًا: دولوز والنشاط السياسي، أغامبين والاستعمار (مشترك مع سيمون بينيال)، النشاط العربي اليهودي في إسرائيل- فلسطين.

في هذا المقال يقدّم الكاتب صورة عامّة عن الكتاب، إلى جانب ملاحظات نقدية عليه:


يتخصص الكتاب في تقديم تحليل ثقافي نقدي لطرق الحياة وأنماط تشكيل الذوات الصهيونية الإسرائيلية، من خلال أربعة أنماط مركزية (المتنزه، المدرس، الوالد، الناخب). ويجادل سفيرسكي بفكرة التحوّل الثقافي كخلاص سياسي وثقافي من الصهيونية، حتى تتحرر جميع ضحايا الصهيونية اليهود والفلسطينيين. ويقفز الكتاب عن الحلول السياسية ويتجّه نحو تحول ثقافي؛ كون الحلّ السياسي لا يقدّم اللب الثقافي الذي يأخذ المجتمع والثقافة والسياسات بالحسبان، ويرى أن المؤسسات والسياسات الرسمية لا يمكن أن تتغيّر بمعزل عن تحول جذري راديكالي للعادات والهويات والسلوكيات الصهيونية.

   يتخصص الكتاب في تقديم تحليل ثقافي نقدي لطرق الحياة وأنماط تشكيل الذوات الصهيونية الإسرائيلية، من خلال 4 أنماط مركزية (المتنزه، المدرس، الوالد، الناخب)  

يساهم الكتاب في تفكيك آليات وأنماط تشكّل الهويات والذوات الإسرائيلية الصهيونية من خلال أربعة أنماط مركزية تتمثل في (المتنزه؛ الذي يبني ويوثّق العلاقة مع أرض "إسرائيل". المدرس؛ أي النظام التعليمي الذي يبني الخطاب الإسرائيلي الصهيوني ويوثق علاقة الطالب مع مؤسسة الجيش، ويتعلم الطالب العرقية والعنصرية الإسرائيلية وكأنها ديمقراطية. الوالد؛ تشجيع الأباء الأبناء على الالتحاق بالجيش وغضهم الطرف عن دور المدرسة في التحضير لعملية التجنيد. الناخب؛ تهدف الانتخابات الإسرائيلة لتحسين صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية).

ويقترح سيفرسكي المخرج من نفق الهوية الصهيونية العنصرية عملية تحول ثقافي تفضي بضحايا الصهيونية اليهود والفلسطينيين إلى ما يوسمه "ما بعد إسرائيل"؛ أي مرحلة تفكك النظام والهوية الإسرائيلية الصهيونية، وعلمية التحول هذه تنتج من خلال انخراط اليهود الإسرائيليين بالأفكار والممارسات والمؤسسات المنشقة عن الخطاب الصهيوني، والتي وثقها في الكتاب ومنها مؤسسة ذاكرات (زخروت) ومؤسسة بروفايل جديد، وعدم المشاركة في الانتخابات الإسرائيلية.

اقرأ/ي أيضًا: منابع الطابع الإلغائي للصهيونية

إن الفكرة التحليلية والتفكيية لسفيرسكي منهجية ودقيقة في تحليل آليات بناء الهويات الصهيونية، لكن طرحها للتخلص من البنية الاستعمارية الصهيونية المتمثلة في "دولة إسرائيل"، هو طرح رومانسي وغير قابل للتطبيق، كون المؤسسات أو الروافع التي يعول عليها سيفريسكي في تفكيك المشروع الصهيوني هي مؤسسات من رحم المشروع الصهيوني ولا تشكل خطرًا وجوديًا على مصالحه، فمؤسسات المجتمع المدني الإسرائيلية الناشطة في مجال الحقوق غير قادرة على تفكيك نظام استعماري.

ويتجلى المثلب الثاني في الطرح أن سفيرسكي يرى أن الفاعلين الذين سيعملون على التحول الثقافي للوصول لمرحلة "ما بعد إسرائيل" هم الإسرائيليون اليهود المشاركين في المؤسسات المنشقة عن الخطاب الصهيوني، ولكن السؤال الجدي هل فعلًا هؤلاء سيتخلون عن امتيازاتهم التي يتلقونها من الدولة، وعن هوياتهم وصهيونتهم من أجل مساواتهم مع الفلسطينيين؛ إن نضال هؤلاء الإسرائيليين ضمن بعض مؤسسات المجتمع المدني الإسرائيلي هو نضال داخلي صهيوني وليس نضالًا للتحرر من الصهيونية أو لتحرير الفلسطينيين منها.

أما المثلب الثالث في طرح سيفرسكي في التحول الثقافي هو مساواته بين ضحايا الصهيونية اليهود والفلسطينين، إن الصهيونية وفق مجادلة عزمي بشارة حركة لاسامية، هل اليهود والإسرائيليون يوافقون على تبني هذا الطرح؟ ليس دقيقًا المساواة بين ضحايا الصهيونية اليهود والفلسطينيين؛ كون اليهود الشرقيين الذين يرى سفيرسكي أنهم ضحايا الصهيونية بتبنيه طرح أيلا شوحط ومنظرين آخرين، فـ اليهود الشرقيين هم جزء بنيوي من المشروع الصهيوني وأداة من أدواته، حتى وإن كان موقعهم الطبقي والوظيفي والاجتماعي في أدنى التراتبيات الصهيوينة؛ إلا أنهم يشكلون العصب القمعي والعنفي لبنيات الدولة العسكرية والأمنية والاستيطانية. بينما الفلسطينيون هم فعلًا ضحايا للمشروع الصهيوني سواء اللاجئين أو سكان فلسطين المستعمَرة عام 1948، أو في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، فمن غير المنصف مساواتهم كضحايا بجلادهم الإسرائيلي ذو الموقع الطبقي المتدني والهامشي في مجتمعه العنصري الاستعماري الاشكنازي.

اقرأ/ي أيضًا: دماء "الهنود الحمر" من أجل غسل ذنوب إسرائيل

أما المثلب الرابع في الطرح، فيتمثل في تهميش دور الفلسطينيين في عملية التحول الثقافي، باعتبار أن الإسرائيليين وحدهم، لديهم القدرة على تحقيق ذلك التحول. إنّ إهمال دور الفلسطينيين في عملية التحول الثقافي هو ما يؤكد بؤس المخرج النظري والمنهجي لتحقيق فكرة "ما بعد إسرائيل". ولا بد التوضيح أن دور الفلسطيني مركزي في تفكيك المشروع الاستعماري الصهيوني، وذلك من خلال ممارستهم أنماط المقاومة التي تهدم أنماط تشكّل الذوات الصهيونية المختلفة.

لقد بذل سفيرسكي جهد كبيرًا في طرحه المنهجي والثقافي في كشف آليات تشكُّل الهوية الصهيونية وذواتها، مستعيرًا مقولات تحليلية ونظرية من مدرسة فرانكفورت وتيار ما بعد الحداثة، ومقولات ما بعد الاستعمار، وهذا ما جعل الكتاب عابرًا للمنهجيات والتخصصات المعرفية؛ وفي الكتاب أفكار ومقولات جدية ومثيرة للنقاش والنقد والحوار والتساؤلات.


اقرأ/ي أيضًا:

إيلان بابيه يفضح "فكرة إسرائيل"

ما بعد إسرائيل.. تشريح الذات الصهيونية

ما بعد إسرائيل.. معيارية اسبارطة الصهيونية