06-أكتوبر-2024
مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية (أكتوبر 2024) - وهاج بني مفلح

مخيم طولكرم شمال الضفة الغربية (أكتوبر 2024) - وهاج بني مفلح

حرب الإبادة التي تشنُّها منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، لم تكن على قطاع غزة فقط، ففي الضفة الغربية صعّد جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون من اعتداءاتهم. تقول المعطيات الرسمية إنّ حصيلة هذه الاعتداءات والهجمات الإرهابية أودت بحياة أكثر من 720 فلسطينيًا، بينهم نحو 160 طفلًا، كما أصيب نحو 6200، واعتُقل حوالي 11 ألفًا.

ما جرى ويجري في خلال العام الأوّل من الحرب، إنما هو هو استغلال إسرائيليّ لحرب الإبادة على غزة في سبيل حسم الصراع بالضفة الغربية

يرى مراقبون تحدّث إليهم "الترا فلسطين" أنّ ما جرى ويجري في الضفة خلال العام الأوّل من الحرب، إنما هو هو استغلال لحرب الإبادة على غزة في سبيل حسم الصراع بالضفة الغربية. حيث تسابق منظومة الاحتلال وميليشيات المستوطنين، الزمن، لخلق وقائع جديدة على الأرض، تقود في نهاية المطاف إلى قضم مزيد من الأراضي، وتهجير أهلها، وحشرهم داخل معازل مقطّعة الأوصال.

خطة سموتريتش لحسم الصراع بالضفة

يقول الباحث في قضايا الصراع نزال نزال، إن ما تُطبّقه "إسرائيل" في الضفة الغربية هو خطة الحسم التي تحدّث عنها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش عام 2017، وعادت إلى الواجهة في عام 2022 بعدما أفرزت الانتخابات الإسرائيلية هذه التركيبة السياسية، وكان هناك تفاهم مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو حول هذه الخطّة.

ويوضح نزال في حديث مع "الترا فلسطين" أن خطة سموتريتش تقوم على ضمّ 65 في المئة من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية لـ "إسرائيل"، وطرد السكان الفلسطينيين من أماكن سكنهم في مناطق (ج) و(ب) إلى مناطق (أ)، لـ"إقامة مملكة يهودا والسمارة، وتخيير الفلسطينيين فيها بين الرحيل أو الموت أو البقاء كمواطني درجة ثانية".

ولفت نزال، إلى أن جيش الاحتلال الإسرائيلي دفع بثلث قواته إلى الضفة الغربية بشكل غير مبرر؛ لأن خلف هذه الآليات مشروع سياسي كبير، في ظل عدم وجود مقاومة فلسطينية منظمة، ولم يكن هناك عمليات مقاومة احتاجت هذا الكم الهائل من القوات.

وحول هذه الخطة يشير نزال نزال إلى أن هناك توافقًا إسرائيليًا داخليًا فيما يتعلق بتنفيذها، وقد بدأوا تنفيذها خطوة تلو أخرى، مشيرًا إلى أن المرحلة القادمة في الضفة الغربية لها علاقة بإنهاء الكيان السياسي للفلسطينيين المتمثل بالسلطة الفلسطينية وطرد عدد كبير من السكان باتجاه مناطق (أ).

وفي سبيل تحقيق خطة حسم الصراع، تناوب جيش الاحتلال والمستوطنون على تنفيذ الاعتداءات؛ فالجيش قطّع أوصال الضفة، وأغلقها بالحواجز والبوابات الحديدية ويمارس اقتحامات يومية بعضها تتوسّع لعمليات عسكرية واسعة، فيما يتولى المستوطنون تنفيذ مخططات الاحتلال المتعلقة بالسيطرة على الأرض وطرد سكانها.

ألفا اعتداء للمستوطنين وترحيل 1700 فلسطيني

يقول مدير دائرة الرصد والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان أمير داوود إن كلّ الأرقام المرتبطة باعتداءات المستوطنين والتوسّع الاستيطاني غير مسبوقة في تاريخ الصراع، وكأنّ دولة الاحتلال تسابق الزمن من أجل إتمام مهمّتها على الأرض الفلسطينية.

ويفيد داوود في حديثه مع "الترا فلسطين" بأن المستوطنين نفّذوا أكثر من ألفيّ اعتداء في الضفة، وهذا رقم غير مسبوق. وأشار لتبادل أدوار بين المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في "إسرائيل"، بالتالي نشاهد اعتداءات ضمن مخططات كبرى لم تنفذها دولة الاحتلال بأذرعها الرسمية، وإنما أحالتها لميليشيات المستوطنين.

وعلى رأس هذه المخططات، بحسب أمير داوود، ترحيل التجمّعات السكانية البدوية، إذ جرى ترحيل 29 تجمُّعًا بدويًا بواقع 1700 مواطن بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، بشكل قسري وهو رقم كبير جدًا. 

19 شهيدًا برصاص المستوطنين في الضفة، بعد السابع من أكتوبر

وتابع داوود، أن هناك 19 شهيدًا ارتقوا في الضفة الغربية بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، برصاص المستوطنين وهو ما يُدلل على التسهيلات الممنوحة لهم في موضوع إطلاق النار، وتوفير دولة الاحتلال الحصانة لهم من أي محاكمة، وهذا مؤشّر خطير آخر.

أما فيما يتعلق بالتوسع الاستيطاني، فقال داوود إنه لم يسبق أن درست الجهات التخطيطية في دولة الاحتلال هذا العدد الكبير لإقرار بناء الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية والقدس مثل هذه المرحلة، وكأن دولة الاحتلال تتستّر بغطاء الحرب وقوانين الطوارئ من أجل توسعة المستوطنات القائمة.

ويشير إلى أن الاحتلال عمل على شرعنة وتسوية أوضاع 68 بؤرة استيطانية، كأحد العناوين الكبرى التي اتفقت عليها الأحزاب عند تشكيل هذه الحكومة، وذلك بتجاوز كلّ الإجراءات السابقة التي كان معمولًا بها في شرعنة البؤر الاستيطانية، حيث كانت في السابق تخضع لعدة اعتبارات لم يعد أي منها قائم اليوم، كما هو الحال في شرعنة بؤرة "أفيتار" على أراض فلسطينية خاصة في جبل صبيح ببلدة بيتا جنوب نابلس.

أمير داوود: أقيمت أكثر من 30 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، بعد السابع من أكتوبر، وهذا رقم كبير وغير مسبوق

وتابع مدير دائرة الرصد والتوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أنه في موضوع مصادرة الأراضي، جرى الإعلان عن 25 ألف دونم كأراضي دولة وهو رقم غير مسبوق أيضًا حتى خلال ثلاثة عقود، وهذا مؤشّر على توجّهات الحكومة الإسرائيلية.

ويقول إن خطورة إعلان أراضي الدولة بهذه الطريقة تكمن في أنه يُسرّع تسليمها للمشروع الاستيطاني وضمّها لحدود مستوطنات معيّنة، والخطورة الثانية أن المناطق التي تم انتقاؤها لإعلانها أراضي دولة هي مناطق تتميّز بأبعاد استراتيجية مثل تلك التي في العيزرية وأبو ديس شرق القدس، أو في عقربا جنوب نابلس، أو غرب رام الله، أو بيت لحم، وهذه الأماكن لم يكن اختيارها عبثيًا.

وأكد أن اختيار هذه المناطق لإعلانها أراضي دولة مرتبط بالمفاصل الاستراتيجية في الضفة الغربية من أجل أن يحققوا الهدف النهائي المتمثل في إعدام قيام دولة فلسطينية في المستقبل، فلا يمكن أن تقوم دولة فلسطينية في جغرافيا ممزّقة ومحافظات لا يمكن أن تتصل ببعضها البعض.

ويشدد داوود على أن كل ما يجري على الأرض يندرج في إطار إعدام إمكانية إقامة دولة فلسطينية وعزل القدس عن السياق الفلسطيني.

الضفة وغزة مستقبلٌ مرتبط بالحرب

بدوره يفيد مدير مركز يابوس للدراسات سليمان بشارات أنه بات من الواضح أن مستقبل الضفة الغربية بات مرتهن بشكل كبير جدًا في طول أمد الحرب على قطاع غزة ولمخرجات الحرب على قطاع غزة.

ونوّه بشارات في حديثه لـ "الترا فلسطين"، إلى أنه لو كان هناك أي تسوية أو صفقة أو رؤية ستفرض باتجاه القضية الفلسطينية في "اليوم التالي للحرب" على قطاع غزة، فستكون الضفة الغربية جزءًا منها، خصوصًا أن الاحتلال الإسرائيلي يمهّد ليُطبّق خطة الحسم في الضفة الغربية، وتعزيز الوجود الاستيطاني.

وأضاف أن هذا الأمر نلمسه الآن من خلال مجريات متتابعة، وما يقوم به الاحتلال ميدانيًا في محافظات الضفة الغربية، من خلال إعادة تركيبة البنية الهيكلية والجغرافية والديموغرافية فيها، تمهيدًا لإمكانية السيطرة عليها بشكل كبير وإنشاء إسرائيل، على كامل أرض فلسطين، بما فيها الضفة الغربية.

وتابع، أن النقطة الثانية في مستقبل الضفة الغربية من المنظور السياسي وهي أنّ الاحتلال الإسرائيلي استغل هذه الحرب وهذه المرحلة ليُطبّق ما يريد في الضفة الغربية بمعزل عن وجود أي عنوان وأي مرجعية سياسية فلسطينية، وبهدف إضعاف الحالة السياسية الفلسطينية في الضفة الغربية وتحويل الوجود الفلسطيني من حيث البعد المؤسسي إلى بعد إداري خدماتي، بعيدًا عن الدور السياسي الذي يمكن أن يكون، وهذا الأمر لمسناه من خلال القرارات التي جرى التصويت عليها في الكنيست وقرارات مصادرة الأراضي.

عمليات جيش الاحتلال بالضفة الغربية

وأثناء الحرب على قطاع غزة، نفّذت قوات الاحتلال الإسرائيلية عشرات عمليات التوغل، مصحوبة أحيانًا بغارات جوية، في العديد من مدن شمال الضفة الغربية ومخيماتها، أبرزها عملية "المخيمات الصيفية"، التي استمرت لعدة أيام في مخيمات الفارعة وجنين وطولكرم ونور شمس وبلاطة.

يقول بشارات، إن الاحتلال الإسرائيلي يضع الخطط لخنق الضفة الغربية، ودفع سكّانها للهجرة الطوعية تحت إطار البحث عن مستقبل.

سليمان بشارات: الخطط الإسرائيلية تهدف لخنق الضفة، والدفع بسكّانها للهجرة

لذلك يرى أن الدافع الأمني الذي وضعه الاحتلال في اجتياحات مخيمات الضفة الغربية هي مظلة وتبرير وتغطية لما يقوم به بشكل فعلي، وإذا ما صحّت القراءات، فإن الاحتلال بدأ في شمال الضفة الغربية لاقترابها من مناطق الأغوار التي تمثّل الحدود الأساسية للمستقبل الفلسطيني.

وبيّن أن الاحتلال الإسرائيلي يريد أن يفرغ الوجود الفلسطيني في تلك المنطقة، ولكونه يرى في منطقة شمال الضفة الغربية  على تماس مع الحدود الأردنية، وهذا الأمر يسهّل دفع السكان نحو الهجرة أو يسهّل علمية تطويع المواطنين للقبول بحكم إسرائيلي عسكري كامل، يصبحوا فيه جزء من المنظومة الإسرائيلية وهذا الأمر شبيه بما جرى مع فلسطينيي الداخل، عندما تم تحويلهم إلى أقلية في "إسرائيل".