07-أبريل-2017

تتجاوز خطوة السلطة الفلسطينية بتقليص رواتب موظفيها في قطاع غزة، بنسبة الثلث تقريبًا، حدود الأزمة الماليّة التي تعاني منها السلطة في رام الله، على ضوء التلميح بوجود مخطط سياسيّ يقضي بتراجع تحمل الرئاسة مسؤوليتها تجاه القطاع وصولًا إلى الفصل التام.

تجمع آلاف الموظفين في ساحة الجنديّ المجهول بغزة، رفضًا للقرار

وأعلنت الحكومة الثلاثاء (4 نيسان/ابريل) قرارها خصم رواتب موظفيها في قطاع غزة، مؤكدةً أنّ "هذا الإجراء "يطال العلاوات فقط وجزءًا من علاوة طبيعة العمل دون المساس بالراتب الأساسي"، وأوضحت أنّ "الإجراء مؤقت"، والسبب هو تراجع وتقليص مستوى الدعم الخارجي من المجتمع الدولي.

ورغم الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المترتبة على هذه الخطوة، إلّا أنه لا يمكن تجاهل الارتدادات السياسية المتعلقة بها، في ظل حجم الاستقالات الجماعية من قيادات وأقاليم حركة فتح في غزة.

وتشير المعطيات إلى أن هذه الخطوة جاءت في سياق معاقبة قطاع غزة ردًا على تشكيل حركة حماس قبل أقل من شهر، لجنة لإدارة القطاع بعيدًا عن حكومة رامي الحمدلله التي يطلق عليها "حكومة الوفاق الوطني".

غير أن قيادات فلسطينية منهم أحمد مجدلاني، كشفوا أن تقليصات رواتب موظفي غزة، مرتبط بإعلان الاتحاد الأوروبي وقف دفع رواتب الموظفين في غزة، وتحويل تلك الأموال لصالح مشاريع تنموية.

تدفع السلطة رواتب الموظفين رغم عدم قيامهم بأيّ عمل، في حين وظّفت حماس قرابة 50 ألف مدني وأمني في القطاع، منذ سيطرتها عليه

النائب في المجلس التشريعي عن حركة فتح، نجاة أبو بكر، قالت لـ"الترا فلسطين" إن ما يشاع حول نية تحويل الأموال إلى مشاريع تنموية، أمر عار عن الصحة، لأننا لم نلمس شيئًا على أرض الواقع غير الخصومات التي تعتبر شكلًا من أشكال التعدي على الدستور والقانون، وتتنافى مع حقّ الموظف سواء المدني أو العسكريّ. ووصفت خطوة التقليص بأنها تأتي في إطار رمي الأحمال الزائدة في حِجر غزة.

اقرأ/ي أيضًا: "السلطة الفلسطينية".. لنا أم علينا؟

وقد أثار قرار الاتحاد الأروبي المتعلّق بحجب صرف رواتب الموظفين في حينه، مخاوف المئات من الموظفين المستنكفين عن العمل بأمر من رئيس السلطة محمود عباس، عقب أحداث الانقسام في حزيران/يونيو 2007، وقد توجهوا للعمل الحر، ولكن جرى التلميح مؤخرًا بقطع رواتب هؤلاء كليًا، وليس فقط الاكتفاء بالخصومات.

وبمقارنة حجم الخصومات (30%) مع متوسط عدد أفراد أسر الموظفين البالغ عددهم 58 ألف موظف (مدني- عسكري)، (5 أفراد للأسرة الواحدة) فإن الضرر يقع على ما يقارب ربع مليون شخص، في القطاع الذي يعاني حالة فقر بلغت نسبتها 65%.، ومعدل بطالة 43%، وفق منظمة التعاون الإسلامي.

وعليه قال القيادي في حركة حماس يحيى موسى ورئيس لجنة الرقابة في المجلس التشريعي لـ"الترا فلسطين": إنّ "الرئيس عباس يعلم جيدًا أن رواتب موظفي السلطة في غزة تنعش الحالة الاقتصادية، ولكنّه أراد أن يشل الحركة التجارية كاملة وأن يعاقب الشعب كله بقرار خصم ثلثي الراتب".

الحكومة أقرّت في نهاية يناير الماضي، الموازنة المالية للعام الجاري بقيمة 4.48 مليار دولار، وفجوة تمويلية تبلغ 465 مليون دولار

وكان المتحدث باسم الحكومة يوسف المحمود، أوضح في تصريح صحفي، أن خطوة الخصم، نصّت عليها أجندة السياسات الوطنية في أمر معالجة الصعوبات المالية، لافتًا إلى أنّ الحكومة أوضحت أن استمرار الانقسام قد أثّر بشكل سلبي على الوضع الماليّ، وفاقم الأزمة المالية للحكومة .

وشدد على أن الضغوط التي تُمارس على القيادة الفلسطينية ومنها الضغوط المالية المتمثّلة بانخفاض وتقليص مستوى الدعم الخارجي إلى ما يفوق 70 بالمئة عن معدلاته عبر السنوات الماضية، أجبر الحكومة على اتخاذ مثل هذه الخطوة من أجل ضمان استمرارية دفع فاتورة الرواتب.

يأتي ذلك فيما أعلنت سلطة النقد أنها أصدرت تعميمًا دعت فيه البنوك ومؤسسات الإقراض العاملة في قطاع غزة، إلى خصم ما نسبته 70 في المائة من القسط الشهري المستحقّ على المقترضين لهذا الشهر، مراعاة لخصم الرواتب.

اقرأ/ي أيضًا: السلطة الفلسطينية.. تجارة الوهم

وبحسب الائتلاف من أجل النزاهة والمساءلة (أمان)، فإن عدد موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة يقدر بنحو 58 ألف موظف (مدني وعسكري)، تقدر فاتورة رواتبهم بمبلغ 21 مليون دولار أمريكي.

واستناد إلى تقارير مالية، فإن الموظفين في الضفة الغربية يتقاضون 1.364 مليار دولار سنويًا، وباستقطاع ما قيمته (30%) كخصومات من موظفي غزة، فإن مجموع ما ستحصده السلطة لصالح خزينتها هو 190.8 مليون دولار سنويًا، دون أن يكون هناك استقطاع مواز لرواتب موظفي الضفة.

إضافة إلى ذلك، فإن السلطة تجني عبر ما يسمى ضريبة المقاصة 970 مليون دولار سنويًا من قطاع غزة، فضلًا عن ضرائب شركات الاتصالات والبنوك التي تصل 47 مليون دولار سنويًا.

وانبرت أصوات عديدة سياسية واقتصادية، لتنفيذ مبررات السلطة تجاه الخصم، منها أنّ "سياسية التقشف التي تدعيها السلطة لم تشمل جميع موظفيها، وإنما الموظفين في غزة فقط، وهذا دليل على أن مبررات السلطة عارية عن الصحة".

  يتساءل الموظفون المستقطعة رواتبهم: لماذا لم يطال الخصم رواتب الوزراء والنواب والمسؤولين؟

ومن الأهمية الإشارة إلى أنّ الموظفين الذين خرج بعضهم في اعتصامات واسعة ضدّ القرار، لن يؤثروا كثيرًا من وجهة نظر مراقبين، على الحكومة في رام الله، وبخاصة أن ساحة الاعتصام هي قطاع غزة.

وفي أفضل الأحوال، سيحاول أعضاء اللجنة المركزية وفق ما أشارت إليه مصادر في حركة فتح، الضغط على الرئيس محمود عباس من خلال تقديم استقالاتهم، بما قد يعزز الشرخ القائم داخل حركة فتح ذاتها، بين ما يعرف بفريق (عباس) وفريق (دحلان) في إشارة إلى رجل الأعمال الأمنيّ المفصول من الحركة، والذي يتخذ من دبي مقرًا له.

اقرأ/ي أيضًا: لا شفافية في تجديد السلطة عقود "بالتل"

وبوصول الخصم لرواتب موظفي السلطة، فإنهم بذلك ينضمون إلى نحو 45 ألف موظف في قطاع غزة يعانون من ذات الأزمة، بنسبة استقطاع 40% من رواتبهم في ظل عجز حركة حماس عن دفع رواتبهم كاملة نظرًا للضائقة المالية التي تعانيها منذ نحو أربعة أعوام.

وتواجه هذه الخطوة استياءً واسعًا خصوصًا وأن الموظفين يشكّلون قاعدة شعبية عريضة داخل المجتمع، إضافة إلى أنّ الفصائل الفلسطينية مختلفة عبّرت عن رفضها لهذا القرار.

فقد حذّرت الجبهتان؛ الشعبية والديمقراطية من هذه الخطوة التي ستزيد الأوضاع كارثيّة. ووصفت حماس القرار بأنّه "تعسفيّ وغير إنسانيّ، ويهدف لتشديد الحصار على قطاع غزة المُحاصر. وقالت هيئة العمل الوطني في غزة، إن القرار "يفتقد لأي أساس قانوني، إضافة لافتقاده لأيّ أبعاد وطنية واجتماعية".


اقرأ/ي أيضًا:

السلطة الفلسطينية.. فشلت حتى في زراعة البطيخ

"حسبة" رام الله.. هل هي مكبّ لخضار وفواكه إسرائيل؟

بين رام الله وغزة لعنة عاشق!