08-يناير-2020

بالرغم من مضي عامين على حملة تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع في بلدة بيت لقيا غرب رام الله، إلا أن ياسر القاضي يرفض حتى اليوم تركيب هذه العدادات ومعه حوالي أربعين شخصًا آخرين.

40 شخصًا تقريبًا من أهالي بيت لقيا يرفضون تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع خوفًا من التحكم بهم في شربة المياه

يؤكد القاضي لـ الترا فلسطين أنه يرفض العداد من حيث المبدأ، حتى لا يتم التحكم به في "شربة المياه"، مضيفًا، "هناك تحجيم لحق المواطن في الحصول على المياه والكهرباء".

متى بدأت سياسة الدفع المسبق؟

تعود سياسة الدفع المسبق مقابل الحصول على الخدمات الأساسية كالماء والكهرباء لأول مرة إلى العام 2010، عندما صدر قرارٌ لمجلس الوزراء برئاسة سلام فياض بهذا الخصوص بتاريخ 7 حزيران/يونيو 2010، نص على تركيب عدادات الدفع المسبق ضمن شروط ومواصفات فنية ومساهمة حكومية تصل إلى 50% من تكلفة توريد وتركيب هذه العدادات.

اقرأ/ي أيضًا: حفر آبار الصرف الصحي: الخطأ الأول هو الأخير

كما نص القرار على ضرورة اعتماد معايير وزارة الشؤون الاجتماعية (التنمية الاجتماعية حاليًا) لحماية الفقراء، وأن يكون تركيب هذه العدادات وفق ما جاء في القرار اختياريًا وليس إجباريًا.

الحكومة تتجه لتحميل المواطن أعباءه المعيشية

الباحث معز كراجة، أنجز مؤخرًا بحثًا بعنوان "عدادات المياه مسبقة الدفع في القانون والممارسة"، يقول في حديثه لـ الترا فلسطين إن عدادات الدفع المسبق هي تعبير عن نمط اقتصادي وليس مجرد سياسات إدارية، وهو النمط النيوليبرالي القائم على تقليص مسؤولية القطاع الحكومي إلى أقصى درجة مقابل تحميل المواطن القسم الأكبر من الأعباء المعيشية.

الباحث معز كراجة: عدادات الدفع المسبق نمطٌ قائمٌ على تقليص مسؤولية القطاع الحكومة لأقصى درجة

ويتم هذا الأمر، بحسب كراجة، دون الالتفات للسياق الفلسطيني المتمثل في وجود احتلال إسرائيلي، وبالتالي يتطلب نمطًا اقتصاديًا قائمًا على ضرورة توفير كل مقومات الصمود.

الحق في المياه قانونيًا

إن الحق في المياه كما حددته خطة عمل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بالمياه المنعقد في الأرجنتين عام 1977 هو "حق الشعوب في الحصول على مياه الشرب بكميات وبنوعية مساوية لاحتياجاتها الأساسية، بغض النظر عن مرحلة التنمية التي بلغتها وظروفها الاجتماعية والاقتصادية".

أما في القوانين الفلسطينية السارية، فقد نص قانون المياه رقم 3 لسنة 2002 في المادة 3 منه على أن جميع مصادر المياه الموجودة في فلسطين هي أملاك عامة، ولكل شخص الحق في الحصول على حاجته من المياه ذات الجودة والمناسبة لاستعمالها، وعلى كل مؤسسة رسمية أو أهلية تقدم خدمات المياه أن تقوم باتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان هذا الحق ووضع الخطط اللازمة لتطوير هذه الخدمات.

اقرأ/ي أيضًا: صناعة السمسم: إرث عمره 250 سنة في القدس

يُبين القاضي أن حملة تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع تخللتها "تهديدات" للأهالي في بيت لقيا وإبلاغهم أن تركيب العدادات إجباري، "وتم استغفال الناس" كما يقول، قبل أن يتسرب خبرٌ بأن التركيب غير إجباري، فرض ومعه 40 شخصًا تركيب هذه العدادات "إلا إذا تم إحضار نص قانوني يُجبره على ذلك".

في بيت لقيا تلقى الأهالي معلومات بأن تركيب عدادات المياه مسبقة الدفع إجباري، خلافًا للقانون

ويُبرر القاضي رفضه لهذه العدادات بأن دوام البلدية ينتهي عند الساعة الثانية بعد الظهر وبرامج الشحن "سيئة جدًا"، وإذا لم يكن لدي من يشحن الكرت أو كانت البلدية مغلقة سوف تُقطع المياه. وتابع، "من عليه ديون سابقة يُجبر على الدفع، هناك نهب غير طبيعي" على حد تعبيره.

بدوره، يقول رئيس جمعية حماية المستهلك صلاح هنية، إن هناك ما يقارب 50 ألف مشترك في نظام عدادت مياه مسبقة الدفع.

ويؤكد هنية أن تجربه قطع الكهرباء الأخيرة عن العدادات مسبقة الدفع أثبتت أن ذات التجربه ستتكرر مع المياه، خصوصًا أن المصادر المائية يسيطر عليها الاحتلال.

بيت لقيا: أجبرتنا عليها مشكلة الجباية

رئيس المجلس البلدي في بلدة بيت لقيا أريج عاصي، تقول إنهم توجهوا لهذه السياسة بسبب عدم وجود جباية لديهم في السابق، حيث كانت نسبة الجباية 35% فقط، وكانت ديون كبيرة للهيئة المحلية على المواطنين.

أما الآن، وفق ما صرحت عاصي لـ الترا فلسطين، فقد صارت نسبة الجباية 95%، وهناك خصم يتم على المواطن من الديون المتراكمة منذ سنوات عندما يحضر للشحن.

وتؤكد عاصي أن تحسن الجباية وتحصيل الديون القديمة أسهم في بناء مشروع ذاتي التمويل وهو مجمع تجاري، وذلك "لأول مرة في تاريخ بيت لقيا" كما قالت.

بلدية بيت لقيا: تركيب عدادات مسبقة الدفع رفع نسبة الجباية وأسهم في بناء مشروع بتمويل ذاتي

وردًا على الأعطال الفنية، قالت: "كان لدينا موظف فترة صباحية وموظف فترة مسائية في البداية، والآن لدينا نقطة شحن في وسط البلد لدى محل سوبر ماركت طوال الوقت، لذا لا تنقطع المياه".

وتؤكد أن الحالات الإنسانية يوجد بها قرارٌ من المجلس البلدي بأن يتم الشحن عنها "وهناك معالجة للموضوع".

الضغط يتم على الحلقة الأضعف

تبرر الحكومة لجوءها إلى سياسة الدفع المسبق باعتبارها وسيلة لا بد منها لمواجهة ما تسميه "ثقافة ببلاش"، حيث ترى أن المواطن اعتاد على استهلاك المياه والكهرباء دون أن يتحمل مسؤوليته بدفع تكاليف ما يستهلك.

ورأى أحد المسؤولين -الذين قابلهم معز كراجة في دراسته- أن هذه الثقافة انتشرت وتعززت خلال الانتفاضة الثانية بسبب "الفلتان الأمني"، وهي تمثل اليوم عقبة لا بد من تجاوزها، إذ تراكمت ملايين الشواقل على الهيئات المحلية دون أية قدرة على تحصيلها، وبالتالي كان لا بد من تحسين نظام الجباية.

الحكومة تُريد من عدادات الدفع المسبق إنهاء اعتياد المواطنين على تحصيل الخدمات دون مقابل مادي

وهو نفس المنطق الذي عبر عنه بعض ممثلي الهيئات المحلية بحسب ما ورد في الدراسة، فقد أشار أحد رؤساء مجالس الخدمات المشتركة في الجنوب بأن الديون المتراكمة على المواطنين بلغت حوالي 7 ملايين شيقل، فأوقفت وزارة المالية جميع مشاريعهم المحلية التي كانت قيد التنفيذ إلى حين جدولة هذه الديون، وهو ما اضطرهم كمجلس خدمات مشترك لهذا النظام للحد من تراكم الديون من جهة ومحاولة تحصيلها من جهة أخرى.

اقرأ/ي أيضًا: إسرائيل ومصانع فلسطينية: رقابة مباشرة مقابل نقل البضائع

يتضح هنا كيف أن هذه السياسة تقوم على ما يمكننا تسميته بـ"الحلقة الأضعف"، حيث يضغط المستوى السياسي الرسمي على الهيئات المحلية عبر وقف مشاريعها أو عدم منحها "براءة الذمة"، فتذهب هذه الهيئات بدورها لممارسة الضغط على المواطن.

يشير مدير عام جمعية الهيدرولوجيين الفلسطينيين الدكتور عبد الرحمن التميمي إلى أن فلسطين تأتي رابع أقل مستهلك للمياه على مستوى عالمي، و54% من الفلسطينيين هم الأقل استهلاكًا وينتمون إلى الشريحة الأفقر، وبالتالي فان سياسات الضبط التي تتبعها الحكومة تمس الفئة الخطأ وتزيد من حجم الأضرار التي تلحق بها.

وفي عام 2012، أجريت دراسةٌ بعنوان "الدفع المسبق في قطاعي الماء والكهرباء"، من إعداد مركز بيسان للبحوث والإنماء، وخلصت إلى أن نظام "الدفع المسبق" لم يخضع لموافقة المستهلكين بل فُرض عليهم بأشكال متعددة.

فلسطين هي رابع أقل مستهلك للمياه في العالم

وجاء في الدراسة أن هذا النظام يفرض على معيل الأسرة اقتطاع المبلغ المالي المخصص لتعبئة الرصيد في بطاقة الشحن "شحن الكرت" للكهرباء أو الماء، قبل التصرف بمدخول الأسرة المالي وتوزيع ما تبقى على الحاجيات الأخرى الأساسية. وفي حالة موظفي القطاع العام، هنالك قلق من عدم انتظام الرواتب في مواعيد محددة، ما يضطر الأسر إلى الاحتفاظ بمبلغ مالي يفوق الحاجة لشحن بطاقة الدفع المسبق. في حين أن أصحاب الدخل المرتفع والثابت، يرون أن نظام الدفع المسبق يناسبهم نظرًا لأوضاعهم الاقتصادية، وميزة هذا النظام بالنسبة لهم أنه يحول دون تراكم الديون عليهم.

ما المطلوب؟

وفق معز كراجة فإنه بدلًا من تقييد الحق في المياه، واتباع سياسات الدفع المسبق مقابل الخدمات الأساسية (كتركيب العدادات مسبقة الدفع للمياه) لترشيد استهلاك المياه من قبل المواطنين، يتوجب على السلطة الفلسطينية وضع سياسات عامة تهدف الى زيادة كمية المياه (حصة الفلسطيني من المياه) التي تحصل عليها من الجانب الإسرائيلي.

ويتفق صلاح هنية مع كراجة في أن المطلوب هو الضغط على الاحتلال لزياده حصتنا وتحصيل حقوقنا المائية وليس إجبار الناس.


اقرأ/ي أيضًا: 

زواج فلسطينيات وإنجابهن: الماء وسيطًا

المغير آخر معاقل الطابون

تشبارة الفلاحين: صناعة حققت اكتفاءً ذاتيًا قبل قرن ونصف