07-يوليو-2023
صورة توضيحية: مشادة بين مُسن ومستوطن في قلقيلية | تصوير ناصر اشتية

صورة توضيحية: مشادة بين مُسن ومستوطن في قلقيلية | تصوير ناصر اشتية

سجّلت الهجمات الإرهابية اليهودية على القرى والبلدات الفلسطينية رقمًا غير مسبوق في عام 2023، وفق معطيات إسرائيلية وأممية. في المقابل، تتواصل الاتهامات للسلطة الفلسطينية بالامتناع عن أخذ دورها في تشكيل لجان حماية شعبية للقرى والبلدات المستهدفة، بينما اكتفى أمين سر اللجنة التنفيذية، الوزير حسين الشيخ، بعد هجوم ترمسعيا الكبير، بتوجيه الدعوة للفلسطينيين لتشكيل هذه اللجان "لحماية الممتلكات والتصدي لهذا الإرهاب".

الهجوم الكبير على بلدة حوارة دفعهم لتشكيل لجان حماية شعبية لحماية البلدة من هجمات المستوطنين، نجحت بالفعل في منع هجمات كبيرة جديدة على البلدة، آخرها كان هجوم 70 مستوطنًا بعد عملية عيلي

ويُعتبر هجوم ترمسعيا الأعنف في جولة الهجمات التي نفذها إرهابيون يهود نهاية شهر حزيران/يونيو، وقد جاء مشابهًا لهجوم حوارة الكبير في شهر شباط/فبراير، وأثار الهجومان انتقادات أوروبية وأمريكية لسلطات الاحتلال والجيش بالتقصير في منع هذه الهجمات والتواطؤ مع المهاجمين.

وزار رئيس الوزراء محمد اشتية بلدة ترمسعيا بعد هجوم المستوطنين، وهناك لم يعلن اشتية أي موقف رسمي في هذا الاتجاه، بينما ارتفع صوت الحاج محمود حجاز عاليًا وهو يخاطبه قائلاً: "يا بتسلحونا يا بتحمونا.. عندكم 70 ألف عسكري وزعوهم على القرى". دعوة محمود حجاز هذه أيدها أيضًا أمين سر حركة فتح في بلدة حوارة جنوب نابلس كمال عودة، عندما طالب بأن يتولى موظفو السلطة الفلسطينية، وبالتحديد أبناء الأجهزة الأمنية، مسؤولية حراسة وحماية القرى والبلدات التي تتعرض لاعتداءات المستوطنين.

وقال كمال عودة لـ الترا فلسطين، إن الهجوم الكبير على بلدة حوارة دفعهم لتشكيل لجان حماية شعبية لحماية البلدة من هجمات المستوطنين، وفي هذه اللجان مجموعة من الشبان يسهرون بشكل تطوعي، مؤكدًا أن هذه اللجان نجحت بالفعل في منع هجمات كبيرة جديدة على البلدة، آخرها كان هجوم 70 مستوطنًا بعد عملية عيلي، غير أن وجود اللجان الشعبية وتجمهر حوالي 200 شاب من البلدة أفشل الهجوم ودفعهم للانسحاب.

وأوضح عودة، أن الشبان الذين يسهرون على حماية البلدة هم "متطوعون وفي مقتبل العمر وعليهم التزامات ويجب عليهم العمل"، وبالتالي، المطلوب، وفق عودة، أن يتولى أبناء الأجهزة الأمنية من بلدة حوارة دور ومسؤولية هذه اللجان فهم يتقاضون رواتب ومدربون على مثل هذه الظروف.

وتابع: "في كل بلدة وقرية هناك العشرات من أبناء الأجهزة الأمنية ويمكن تفريغهم لهذه الغاية. كما طلبت سابقًا تفريغ مجموعة من شبان البلدة للعمل في لجان الحراسة وبراتب قليل ولكن لم يتم الاستجابة للطلب".

يُشار أن 20 قرية وبلدة في محافظتي رام الله والبيرة ونابلس تُعتبر الأكثر عرضة لهجمات المستوطنين في السنوات الماضية، وأبرز أسباب اختيار الإرهابيين لها قربها من المستوطنات والبؤر الاستيطانية التي يسكنها هؤلاء الإرهابيون. ويأتي على رأس هذه القرى والبلدات: ترمسعيا وسنجل والمغير وكفر مالك ودير جرير وحوارة وبورين واللبن الشرقي واللبن الغربي وبيت فوريك. ويعتقد الأهالي هنا أن تخصيص عناصر أمن (بالزي المدني وبدون سلاح) ليس صعبًا ولا يحتاج لأعداد كبيرة من العناصر.

ناشط من ريف رام الله، سبق أن تعرض منزله لهجمات إرهابية، أوضح لـ الترا فلسطين أنه عمل على تشكيل لجنة شعبية لحماية بلدته من اعتداءات المستوطنين، وشرعوا بالسهر بشكل يومي على أحد مداخل البلدة، حتى تلقى استدعاءً للتحقيق لدى الأمن الوقائي.

ناشط من ريف رام الله، عمل على تشكيل لجنة شعبية لحماية بلدته من اعتداءات المستوطنين، وعندما أوضح لهم أنهم متطوعون، رحب الأمن الوقائي بالفكرة، لكنه اشترط رفع الأسماء له من خلال المجلس البلدي

وأوضح الناشط -طلب عدم كشف هويته خوفًا من الملاحقة- أن الأمن الوقائي ظنّ في البداية أنهم ينتمون لحركة حماس، وعندما أوضح لهم أنهم متطوعون وغير محسوبين على تنظيمات؛ والهدف من تشكيل هذه اللجنة، رحب الأمن بالفكرة، لكنه اشترط رفع الأسماء له من خلال المجلس البلدي، "ما يعني وجود تدقيق على هذه الأسماء لدى الأمن" وفقًا للناشط.

من جانبه، كاظم الحاج، من قرية المغير قال إن حوالي 30 شابًا من قرية المغير تطوعوا في لجان الحراسة الشعبية، وينشطون يوميًا في هذا السياق، وفي حال تعرض القرية لأي اعتداء يوجهون نداءات لأبناء القرية عبر سماعات المساجد للتصدي، وهذا حال دون تنفيذ هجمات كبيرة على القرية.

يؤكد كاظم الحاج محمد لـ الترا فلسطين عدم توفر أي دعم لهم من الحكومة الفلسطينية أو الأجهزة الأمنية، مبينًا أن مؤسسة خاصة فقط سبق أن دعمتهم بأدوات إطفاء حرائق.

وحاول الترا فلسطين الحصول على إجابات حول هذا الموضوع من الناطق باسم الأجهزة الأمنية طلال دويكات، غير أن اتصالاتنا ورسائلنا على هاتفه الشخصي لم تجد أي استجابة. وفي حال ورود أي إجابة من دويكات سيتم نشرها في حينه.

أما عبد الله أبو رحمة، مدير عام دائرة العمل الشعبي في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فيقول لـ الترا فلسطين إن فكرة اللجان الشعبية جديدة قديمة، والهيئة دعت إلى تشكيلها منذ عام 2015 بعد جريمة حرق الرضيع علي دوابشة وأمه ووالده داخل منزلهم واستشهادهم، "وقلنا بأنه أصبح هناك ضرورة ملحة للتصدي لاعتداءات المستوطنين، فكانت الاستجابة في بعض المناطق، ولم تأخذ مناطق أخرى الأمر على محمل الجدية" حسب قوله.

وأضاف عبد الله أبو رحمة، أن هيئة مقاومة الجدار والاستيطان تحاول توفير كافة الاحتياجات اللوجستية لهذه اللجان، وقد فعلت ذلك مؤخرًا في دير دبوان والمغير وترمسعيا، منوهًا أن فريقًا من الهيئة تواجد لفترة من الزمن قبل شهور في منزل لعائلة أبو عواد قريب من مستوطنة "شيلو" في ترمسعيا، ثم انتقل لمواقع أخرى.

وأوضح، أن الهيئة عقدت قبل شهر اجتماعات في جنوب نابلس بحضور الفصائل وحركة فتح، "ونتمنى أن يكون هناك جدية، وأن تكون هذه اللجان دائمة وليست موسمية".

ولكن، نشطاء الهيئة عددهم قليل، ولا تكفي لتغطية جميع المناطق في دائرة النار، فلماذا لا يتم زيادة العدد أو الضغط لتفريغ شبان في القرى للعمل في اللجان؟ أو مشاركة أبناء الأجهزة الأمنية في بلدانهم وقراهم؟ أجاب عبد الله أبو رحمة على هذا السؤال بالقول إن هذه اللجان لا يمكن أن تكون بالشكل الوظيفي البحت، بل هي لجان تطوعية ووطنية وكما كانت في الانتفاضة الأولى قوات ضاربة ولديها تشكيلات.

"الوضع الفلسطيني الذي نمر فيه والانقسام الفلسطيني والتشتت الحالي انعكس على هذا الوضع، لأن هذه اللجان مسؤولية الفصائل الفلسطينية بالدرجة الأولى، والمجتمع المحلي الذي هو المتضرر يجب أن يكون الحاضن لهذه اللجان"

وأضاف: "الوضع الفلسطيني الذي نمر فيه والانقسام الفلسطيني والتشتت الحالي انعكس على هذا الوضع، لأن هذه اللجان مسؤولية الفصائل الفلسطينية بالدرجة الأولى، والمجتمع المحلي الذي هو المتضرر يجب أن يكون الحاضن لهذه اللجان، ويأتي بعدها نحن كطاقم هيئة، فنحن بالفعل عددنا ليس كافيًا لحجم الهجمة الشرسة التي نتعرض لها".

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أفاد أن مجموع الاعتداءات الإرهابية اليهودية الموثقة منذ بداية 2023 وحتى تاريخ 26 حزيران/يونيو بلغ 570 هجومًا مختلفًا، انتهى نحو 160 إصابات جسدية لا تشمل الصدمات والقلق، وقد أسفر أحدها عن استشهاد فلسطيني.

وأكدت صحيفة "هآرتس" أن منفذي الهجمات يحظون بدعم وزراء في حكومة اليمين المتطرف الحالية. كما أكدت "يديعوت أحرنوت" أن هناك علاقة مباشرة بين وزراء وأعضاء كنيست من جهة ومنفذي الهجمات من جهة أخرى.