16-أبريل-2018

صورة أرشيفية | Yunjie Liao/ Getty Images

يفتخر الكاهن السامريّ وضّاح صدقة، بأنّه من أوائل من تزوّجوا بفتاة من خارج الطائفة السامرية التي تسكن جبل جرزيم في نابلس. خطوة كهذه لم يكن من الممكن القيام بها قبل عام 2003، لكنّ تناقص أعداد السامريين، وعدم تناسب أعداد الذكور مع الإناث، جعل الزواج بفتيات "أوكرانيات" الحلّ لهذه المعضلة.

   الزواج بأوكرانيّات هو الحلّ لدى أبناء الطائفة السامرية في نابلس، للتغلّب على قلة عدد الإناث، وانتشار الأمراض بسبب زواج الأقارب   

تقول أحدث الإحصائيّات إنّ أعداد السامريين تصل لنحو 800 شخص؛ يعيش نصفهم في نابلس، والنصف الآخر في "حولون" بالداخل الفلسطينيّ المحتل. وذلك بعد أن وصل عدد أفراد الطائفة السامرية عام 1786 إلى العدد الأقل في تاريخها، وهو مئة سامريّ. عوامل عدّة أسهمت في تناقص أعدادهم؛ أهمّها حروبهم ضدّ أعدائهم ومخالفيهم في الدين، إضافة للتحوُّل الديني الذي حصل بين أبناء الطائفة طيلة قرون، وأسباب أخرى تُعزى للفقر والخوف والأمراض.

ووفقًا لدراسة ديموغرافية أجريت في جامعة النجاح الوطنيّة عام 1985، تبيّن أنّ هناك 113.7 من الذكور مقابل 100 أنثى، في داخل الطائفة، الأمر الذي انعكس على واقع السامريين الاجتماعي، خاصة فيما يتعلق بالزواج، لقلّة الفتيات مقابل الرجال.

اقرأ/ي أيضًا: أبناء "الديانة الرابعة" في فلسطين يحتفلون بالعرش

حاول السامريون تجاوز هذه المعضلة التي تؤثّر على واقعهم الاجتماعي والسكّاني؛ فكان الزواج من فتيات يعتنقن الديانة السامرية هو الحلّ، التزامًا بالتعاليم الدينية التي لا تُجيز عقد الزواج من "غير أهل المذهب"، بحسب كتاب "الكافي" ليوسف العسكري، الذي يعدّ الكتاب الفقهيّ الأهم لدى الطائفة.

فيّاض الطيف، من أكبر السامريين سنًّا (89 عامًا)، لديه معرفة عالية بالمعتقدات السامرية، وهو مسؤول السجّل المدنيّ للطائفة، يقول إنّه لا مانع من الزواج من غير السامرية وفقًا للتوراة، شرط أن تعتنق الفتاة "الديانة السامرية".

منذ نحو مئة عام، تزوّج السامريّ "إبراهيم صدقة" وانتقل من نابلس ليسكن مدينة يافا، وكان عنده خمسة أبناء تزوّجوا جميعًا بفتيات يهوديات. كانت هذه الحالة، في وقتها، غريبة جدًا ومرفوضة من قبل غالبية الطائفة السامرية وفق ما يقول فياض لـ "الترا فلسطين" لكن فيما بعد، بدأ الآخرون يتقبّلون الأمر.

يتحدّث فياض عن أنّ فكرة الزواج من فتيات من خارج الطائفة السامرية، كان لها دوافعها ومبرراتها؛ فزواج الأقارب سبّب الكثير من الإعاقات بين أبناء الطائفة، كما أنّ أعداد الإناث أخذت تتناقص، الأمر الذي دفع بفكرة الزّواج من أوكرانيات، والذي كان من ثماره تحسين جينات الأبناء، وتقليل نسبة الإعاقات، واختفاء مرض الثلاسيميا تقريبًا.

اقرأ/ي أيضًا: عن الفسح والسامريّ في سجون "فرعون إسرائيل"

الكاهن السامري وضاح صدقة
الكاهن السامري وضاح صدقة 

وبالعودة إلى الكاهن وضّاح صدقة (55 عامًا)، فيقول إنّه حين قرر الزواج من فتاة، أرسل بطلبه الكاهن الأكبر "سلوم بن عمران" والكاهن "عبد المعين"، وحين تحدّث لهم عن أسبابه وأقنعهما، حصل على موافقتهما. مضيفًا: الكل كان يعارض فكرة زواجي، لكنّ هذا كله انتهى بمجرد وصولي معها، في نابلس كانت حالتي تعد الأولى، أمّا في "حولون" فكان هناك الكثير من حالات الزواج من يهوديات.

وضّاح السامري وزوجته الأوكرانية الكسندرا كراسكوك "شورا"
وضّاح السامري وزوجته الأوكرانية الكسندرا كراسكوك "شورا"

السبب الذي دعا "صدقة" للاقتران بفتاة من خارج الطائفة السامرية، ليس قلة عدد الإناث، إنّما وجود أقارب عاجزين ولديهم إعاقات ومشاكل صحيّة بسبب زواج الأقارب. ويقول إنّه لا يرى مشكلة في الزواج من أخريات من خارج الطائفة السامرية؛ فالنبيّ "موسى" تزوج ابنة النبيّ "شُعيب" وهي ليست من "بني إسرائيل"، والنبيّ "يوسف" تزوّج من مصر.

أمّا عن كيفيّة زواجه، فيتحدّث الكاهن صدقة لـ "الترا فلسطين" أنّه تعرّف على الفتاة "الكسندرا كراسكوك" عن طريق مكتب تعارف، حيث شاهد صورتها وأُعجب بها، وسافر إلى أوكرانيا، ثم عادا معًا، ويفتخر اليوم بأنّ لديه أبناء أصحّاء تمامًا.

   حاليًا؛ هناك 8 حالات زواج من أوكرانيات بين أبناء الطئافة السامرية في نابلس   

ويقول صدقة إنّ زوجته "الأوكرانية" باتت اليوم محبوبة عند أفراد طائفته، وملتزمة بالعادات والتقاليد، رغم أنّه لا يُخفي أنّ بداية زواجه شهدت بعض الصعوبات بسبب اختلاف اللغة ومحاولة التأقلم على العادات، لكن الصعوبات تذللت بعد أن مكث معها نحو شهر كامل يعلّمها ما يلزم، حتى أتقنت الكثير من الأمور بشكل سريع، حتى فيما يخصّ أكلات المطبخ العربيّ.

أبناء وضّاح السامريّ صدقة وأنجلينا مع أمهم الكسندرا كراسكوك "شورا"
أبناء وضّاح السامريّ صدقة وأنجلينا مع أمهم الكسندرا كراسكوك "شورا"
الأوكرانية الكسندرا كراسكوك "شورا"
الأوكرانية الكسندرا كراسكوك "شورا"

ويتوجّب على المرأة السامرية الالتزام بتعاليم دينية مثل تحريم بعض اللحوم، وتناول لحوم الحيوانات التي تُذبح من قبل الكهنة فقط، وتعاليم أخرى تتعلّق بفترة الطمث؛ حيث تُمنع المرأة من لمس أي شي في المنزل، وفي حالة لمس الأبناء عليهم أن يغتسلوا قبل لمسهم من قبل الآخرين. ومن المعروف أيضًا أنّ المرأة السامرية تعيش في عزلة تامّة مدّة 40 يومًا بعد ولادة الذكر، و80 يومًا بعد ولادة الأنثى.

اقرأ/ي أيضًا: مدرسة جرزيم: سلام وطني وفاتحتان إسلامية وسامرية

أحدث حالات الزواج من خارج الطائفة السامرية، رأفت الطيف الذي تزوّج العام الماضي، يقول إنّه لم يواجه صعوبات في الارتباط بزوجته، وعندما بدأ الحديث معها عن التعاليم السامرية؛ تعلّمت بسرعة، وألِفت نابلس وجبل جرزيم.

الصعوبات التي تواجه الزوجة الجديدة، ترجع لعدم المعرفة بفلسطين وبالتعاليم السامرية، وفقًا لرأفت الذي يقول إنّ الأمور فقط تحتاج إلى الصبر، مشيرًا إلى أنّ زوجته احتتاجات من 3-4 أشهر إلى حين اتخاذها القرار النهائيّ بعد أن شرحت لها كل ما يخص ديننا وعاداتنا، وعرّفتها على المنطقة، ثم سافرت إلى أوكرانيا وعادت، وتزوّجنا بموافقة الكاهن الأكبر ومباركته.

"فيكتوريا دينفي"، زوجة "رأفت"، الأوكرانيّة الأخيرة التي تزوجت على جبل جرزيم حتى الآن، تقول تزوّجت من رجل جيّد، ولديها الآن عائلة جميلة وكبيرة؛ فالأجواء الأليفة هُنا ليست موجودة في أوكرانيا؛ العائلات هُناك صغيرة، والناس هُنا يبتسمون لك ويتحدثون معك، اللغة ليست مشكلة وقد تعرّفت على نساء آخريات هُنا من أوكرانيا، وهناك نساء يتحدثن العربيّة والعبرية والآن أنا أدرس اللغة العبرية، وأصبحت أعرف 21 كلمة رغم أنّها لغة صعبة.

ولا ترى "فكتوريا" أنّ هناك مشكلة فيما يخصّ الديانة، فوالدتها تؤمن بالتوراة. وتقول إنّها شعرت أنّ ما كان يحدثها عنه زوجها لم يكن جديدًا عليها؛ التوراة هي كلام الله، والديانات متشابهة، وكل ما في الأمر أنّ "ما يأمرنا به الله هو مايجب علينا فعله"، تقول فيكتوريا السّعيدة بحملها لطفلها الأوّل، وهي تشير إلى وجود 8 فتيات أوكرانيّات تزوّجن حتى الآن على جبل جرزيم.

ويقول الكاهن الأكبر للطائفة السامرية "عبد الله واصف" في حديثه لـ "الترا فلسطين" إنّ الفتاة الأوكرانية التي ستتزوج بأفراد من الطائفة السامرية، تأتي إلى جبل جرزيم، وتبقى فترة للتعرّف على تعاليمنا الدينية، وفي حال موافقتها يتم الزواج، مشيرًا إلى وجود بضع فيتات لم يستطعن تقبُّل التعاليم السامرية، ورحلن قبل الزواج.

لكن، لماذا الأوكرانيّات تحديدًا؟ يجيب عدد من أبناء الطائفة السامرية الذين تحدّثوا لـ "الترا فلسطين" على هذا السؤال بالقول إنّ تفاقم مشكلة الزواج لدى السامريين تزامن مع رواج أخبار عن وجود عروض زواج في أوكرانيا للفتيات الراغبات بترك بلادهن والخروج منها، بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية الصعبة في حينه. كما أنّ سهولة الإجراءات الرسمية وإخراج القيد، كان عامًلا آخر، فـ "الفتيات الأوكرانيات" لم يكنّ الحلّ المحدد والأوحد، إنّما لعبت الظروف دورًا في التوجه لهذا الخيار.

ويقول سامريّون إنّ هناك حالات زواج من يهوديّات في "حولون" إضافة إلى الزواج من فتيات من أذربيجان، فالمعيار الأهم بالنسبة لهم، هو اعتناق التعاليم الدينية السامريّة، والرضى بالعيش وفقًا لتفاصيل الحياة السامرية على جبل جرزيم بنابلس.


اقرأ/ي أيضًا:

"غفران السامريين": الرّضع والمسنون يصومون أيضًا

السامريون: لا ذِكرَ للقدس في التوراة وجرزيم قبلتنا

بالوثائق.. "مقام يوسف": عندما يعبث السياسي بالديني